يتزايد سنويا السباق المجنون في الثانوية العامة…ضغط وتكدس رهيب, توسع عشوائي في الثانوي العام, وتراخيص للمدارس الثانوية الخاصة بلا حساب, يترتب عليها طبعا فتح التراخيص للمعاهد والجامعات الخاصة, والنتيجة ضخ عشوائي لمئات الألوف من الخريجين في تخصصات مرفوضة من سوق العمل, وجيوش من البطالة تؤكد الأرقام الرسمية أنها تجاوزت ثلاثة ملايين عاطل من خريجي الجامعات!.
سوء التخطيط والعشوائية تحكم سياسة التعليم العام والجامعي, مكتب التنسيق يدفع بمئات الألوف إلي الكليات والمعاهد بحكم المجموع مع تجاهل القدرات والمواهب! بينما يصرخ سوق العمل من العجز الصارخ في جميع تخصصات العمالة الفنية. ما يجري علي أرض الواقع يخالف السياسات التعليمية وتوصيات المجلس القومي للتعليم التي تحدد نسب القبول 33.35 في المائة للثانوي العام.. و66.65 في المائة للتعليم الفني… لذلك ركزت وزارة التربية والتعليم منذ نصف قرن علي ضرورة ربط التعليم الفني بالمصانع والشركات والمؤسسات الإنتاجية لتنفيذ مناهج التدريب العملي طوال سنوات الدراسة, لضخ الخريجين المتخصصين المؤهلين إلي المواقع الإنتاجية, ونجحت هذه السياسة في السبعينيات لدرجة ارتفاع الحد الأدني للقبول ببعض تخصصات المدارس الصناعية إلي أرقام تجاوزت الحد الأعلي للقبول في بعض مدارس الثانوي العام وذلك لمستقبلها الزاهر والبعثات التعليمية للخارج التي كانت تنتظر المتفوقين منها… كما أن المسئولين كانوا حريصين علي حل مشاكل التعليم الفني ميدانيا.
أذكر أنني رافقت وجيه أباظة محافظ القاهرة في أواخر الستينيات في جولته ببعض مدارس القاهرة,وكان يتفقد مشاكلها علي الطبيعة,وفي مدرسة القاهرة الثانوية الميكانيكية بالأميرية شكا له المهندس سعد اللبان مدير المدرسة في ذلك الوقت من نقص خامات ومعدات التدريب بقسم السيارات,فأمر المحافظ فورا بتخصيص مقبرة السيارات بالأميرية التابعة لهيئة النقل العام للتدريب العملي لطلاب المدرسة,ووعده مدير المدرسة بإصلاحها… فأمر المحافظ بصرف ألف جنيه مكافأة لطلاب قسم السيارات عن كل سيارة يتم تجديدها وإصلاحها!
كما أن مدرسة مسطرد الزراعية الثانوية كانت في عهد المهندس فخري المعناوي في أواخر الثمانينيات قلعة زراعية تزود منافذ التوزيع بأرقي وأضخم المحاصيل الزراعية ومنتجات الألبان وعسل النحل و…. و…. بل إن كثيرا من المدارس الصناعية كانت قلاعا إنتاجية لتزويد السوق بمنتجاتها من المعدات والأدوات والتجهيزات والأثاث والملابس الجاهزة…تشهد علي ذلك المعارض السنوية التي كانت تنظمها.
ولكن ماذا حدث؟
أين تلك المدارس الصناعية والزراعية والتجارية والسياحية الآن؟
انهار التعليم الفني في مصر لأسباب خطيرة أبرزها:
تآكل التدريبات العملية بهذه المدارس بإهمال الورش وتدني الاعتمادات المالية المخصصة لها,وإلغاء التدريبات العملية بالمواقع الإنتاجية,فهبط مستوي الخريجين وأصبحوا مجرد نماذج نمطية للمدارس النظرية فكان مصيرهم الأرصفة!
مع انصراف الطلاب عن الالتحاق بالمدارس التجارية لم تفكر وزارة التربية والتعليم في إصلاحها وسد ثغراتها وسلبياتها وإعادة تصحيح مسارها,بل لجأت لأسرع الحلول في بداية التسعينيات حينما قامت بتحويل بعض المدارس التجارية إلي مدارس للثانوي العام… وفي ظل هوجة الفوضي اتجه جشع أصحاب المدارس الخاصة إلي تحويل بعض المدارس التجارية الخاصة إلي مدارس للثانوي العام لغات سعيا لمزيد من الاستغلال والاستنزاف واستسلمت لهم الوزارة!!
قولوا لنا أين يذهب خريجو التعليم الفني بعد هذا التدني والانهيار؟!