بعد انتهاء الاستفتاء علي التعديلات الدستورية أصبح المجتمع مقبلا علي الانتخابات البرلمانية والمحدد لها سبتمبر المقبل, وبدأت الأحزاب في ترتيب أوراقها, في الوقت الذي يدعو فيه عدد كبير من الأحزاب والقوي السياسية لإجراء الانتخابات الرئاسية أولا وتأجيل الانتخابات البرلمانية كي تحصل الأحزاب علي فرصتها في الالتحام بالجماهير بعد سنوات الحرمان وتأسيس منابر جديدة تعبر عن ثورة يناير.
وفي ظل هذا الجدل وأيهما أفضل لمصر.. يحاول التحقيق الإجابة علي هذا السؤال
الانتخاب الرئاسي الأفضل
من جانبه قال محمد فرج الأمين العام المساعد لحزب التجمع للتثقيف السياسي إن إجراء الانتخابات الرئاسية أولا هو السيناريو الأفضل للمجتمع, من أجل منح الأحزاب الموجودة في الشارع فرصتها في الالتحام بالجماهير بعد سنوات من القمع والقيود, كذلك منح الجماهير فرصة التعرف علي أحزاب جديدة لصقل الحياة الحزبية في مصر وفتح منابر عديدة تجعل الناخب يختار ما يتفق مع مبادئه.
أوضح فرج أن إجراء الانتخابات الرئاسية يسمح بتمهيد المجتمع لحياة سياسية قوية ينتج عنها انتخابات مجلس شعب تختلف عن الانتخابات البرلمانية الماضية, وعقب ذلك يتم تشكيل لجنة تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد بعد أن تجمع داخلها كل التيارات السياسية والقوي الوطنية والعمال والفلاحين حتي يتم وضع دستور جديد لا يصنع وفقا للأغلبية والأقلية وإنما يعبر عن عقد اجتماعي جديد بين المواطنين بكل فئاتهم الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والدينية وتتحد كل فئات وقوي المجتمع داخل هذا الدستور من أجل دولة ديموقراطية أساسها المواطنة والمساواة وإعلاء القانون بين كل المصريين المواطنين.
دعا فرج إلي تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية حتي لا يستخدمها بشكل مطلق فور انتخابه, وإنما يأتي رئيس جمهورية بصلاحيات محدودة, والبرلمان المنتخب هو الضمانة الوحيدة لعدم قيام الرئيس باستغلال سلطاته لتنفيذ ما يريد, وأن يتم توعية المواطنين بأهمية الانضمام إلي الأحزاب من أجل تقوية الحياة الحزبية وإفراز أحزاب قوية تنافس علي الانتخابات وتسمح بالمنافسة الشريفة بين الأحزاب وهو ما يخلق مجتمعا ناضجا به مؤسسات تقوم بمراقبة الأوضاع ووضع رؤي نقدية للتعديل.
من أجل تحقيق أهداف الثورة
قال الدكتور عادل سليمان مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية إن الجدل الدائر في المجتمع حاليا حول إجراء الانتخابات الرئاسية أولا أم البرلمانية أولآ مفيد من الناحية السياسية لتنشيط الحراك السياسي, ولكن من ناحية المضمون إن إجراء انتخابات برلمانية أولا سيكون السيناريو الأفضل من أجل انتخاب برلمان منتخب من الشعب يختار لجنة لوضع دستور جديد.
أوضح د. سليمان أن الفترة الراهنة ينبغي التعامل معها بحذر من أجل تهيئة الظروف المحيطة بالانتخابات, خاصة أن انتخاب رئيس جمهورية أولا دون وجود برلمان منتخب يراقب الرئيس هو أمر في غاية الصعوبة, ولن يجد الرئيس القادم من يراقبه سوي المؤسسة العسكرية وهذا الوضع من الممكن أن ينتج عنه الكثير من المشكلات.
دعا د. سليمان إلي تكاتف القوي السياسية من أجل إجراء انتخابات برلمانية قوية تفرز برلمانا قويا يسمح بتمثيل كل التيارات السياسية الموجودة في المجتمع, لأن الفترة الحالية لا تتطلب إقصاء قوي علي حساب قوي أخري, ومن أجل المصلحة العامة لابد من فتح الحوار والمشاركة لكل القوي السياسية, وعلي الشارع الفرز بين التيارات واختيار المسار الأفضل للناخب, خاصة أن فتح مرحلة تأسيس الأحزاب بالإخطار سيعمل علي خروج عشرات الأحزاب للنور وبالتالي سيجد الناخب أمامه أحزاب تحمل أفكار مختلفة, وعليه أن ينضم للحزب الذي يتفق مع أفكاره ومبادئه والتصويت لمرشحيه في الانتخابات البرلمانية.
نوه سليمان أنه بالرغم من تعدد منابر الأحزاب إلا أن المواطن اعتاد علي الانتخاب الفردي, ولذلك المجتمع ليس بحاجة إلي وقت للتعرف علي برامج الأحزاب المتنافسة, كذلك الأحزاب الجديدة أو القديمة مهما حصلت من وقت فلن يمنحها فرصتها لترتيب أوراقها, وقد يمتد هذا الوضع لسنوات, ولذلك لابد من حسم الموقف وإجراء الانتخابات البرلمانية والبدء في تشكيل لجنة إعداد دستور جديد, ثم يتم انتخاب رئيس جمهورية في وجود برلمان قوي يراقب ودستور جديد يعبر بالبلاد إلي المستقبل, والمجلس العسكري بموجب الإعلان الدستوري سيحمي البلاد خلال هذه الفترة الحرجة للعبور إلي المستقبل وبناء دولة ديموقراطية مستقلة ذات سيادة, وفي حالة زيادة فترة وجود الجيش في السلطة سيظل موجودا لسنوات تحت شعار من أجل تحقيق أهداف الثورة.
الرئاسية لصالح الأحزاب
ومن ناحية أخري قال د. سامي سليمان أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية إن المجتمع حاليا يحتاج إلي إجراء انتخابات رئاسية أولا, وبعد ثورة يناير لابد أن يكون لدي المواطنين أحزاب مختلفة يختار منها ما يتفق مع أفكاره, ولابد من منح هذه الأحزاب الجديدة فرصتها للتواجد والالتحام بالجماهير, وبالطبع هناك أحزاب قادرة علي إعادة تقييم أوضاعها في وقت قليل وهناك أحزاب تحتاج لسنوات لإعداد نفسها, وبالتالي الحديث هنا عن الأحزاب الكبيرة والأحزاب التي ستظهر للنور خلال الأيام المقبلة هي التي بحاجة لوقت مناسب, بدلا من إجراء انتخابات برلمانية أولا ينجح فيها نفس الوجوه القادة علي الحشد سواء عبر المال أو الدين أو القبليات, دون أي اعتبار للأفكار السياسية.
أوضح د. سليمان أن حزب الوفد ظهر بعد ثورة 1919 بسنوات وأصبح له جذور عميقة في الحياة السياسية في مصر, ولذلك من الممكن أن تظهر أحزاب جديدة تمنح نفسها فرصة التواجد في السنوات المقبلة وإثراء الحياة السياسية, والوضع الراهن يكشف عن رغبة فئات عديدة لتشكيل أحزاب وسينتج عن ذلك منح المواطنين الاختيار وفق قائمة متنوعة وليس أمام اختيارات محدودة.
أكد د.سليمان أن المشكلة الرئيسية الحالية هي عدم وضوح الرؤية في كثير من الموضوعات في المرحلة الانتقالية التي يديرها المجلس العسكري, حيث اتسمت هذه الفترة بالارتباك وطرح أفكار عديدة لم تر النور, ومطالب مختلفة للقوي السياسية استجاب المجلس العسكري لبعضها وتجاهل البعض الآخر دون مبرر.
بينما يذهب محمد العجاتي المدير التنفيذي لمنتدي البدائل العربي لرأي يخالف كل ما سبق, حيث قال: إن إجراء الانتخابات البرلمانية في الظروف الراهنة يعمل علي وصول نفس الوجوه القديمة للبرلمان حيث إن الأحزاب والقوي السياسية الحالية مشغولة بمطالب الثورة وتدافع من أجل تحقيقها ومطالبتها بخوض غمار منافسات الانتخابات البرلمانية يجعلها تنتقل من الحالة الثورية إلي الحالة الانتخابية وهذا أمر يزيد من الأعباء علي الأحزاب, بدلا من منحها فرصتها في الاستعداد للانتخابات.
أشار إلي أن الإخوان المسلمين أكدوا عدم ترشحهم إلا علي نسبة 30% من مقاعد البرلمان وهو التزام أدبي فقط فماذا لو نافسوا علي نسبة أكبر؟ فالانتخابات ستجري علي حسن النوايا ومن ثم ربما تهيمن قوي معينة علي البرلمان, ومن ثم لابد من تأجيل الانتخابات البرلمانية.
نوه العجاتي إلي أن إجراء الانتخابات الرئاسية ربما يترتب عليه رئيس معه صلاحيات عديدة وفقا للإعلان الدستوري وفي غياب البرلمان, ومن ثم لابد من تشكيل مجلس رئاسي لإدارة البلاد في مرحلة التحول الديموقراطي, خاصة أن نماذج دول أوربا الشرقية نحو التحول الديموقراطي تؤكد تشكيل مجلس رئاسي أدار عملية التحول الديموقراطي, وفي نماذج دول أمريكا اللاتينية تم انتخاب رئيس من رحم الحركات الثورية وأشرف الرئيس بنفسه علي فترة التحول الديموقراطي, وعلي المجتمع المصري أن يأخذ أيا من هذه التجارب من أجل التحول الديموقراطي الحقيقي.