الموضوع اليوم يدور حول رغيف العيش. العيش هو الاسم الصحيح وليس الخبز. العيش يعني المعيشة أساس الحياة, فالعيش هو أول شئ فوق المائدة, يحتاج إليه الفقير والغني, والصغير والكبير. وأصبح الحصول عليه عملية شاقة ومرهقة, والحصول علي عدة أرغفة تستلزم من الأسرة الفقيرة الوقوف أمام المخبز ساعات طويلة, وفي هذا الطابور تقع الخلافات والمعارك بالكلام وبالأيدي. وقد سمعنا عن قتيل في طابور العيش كان يحارب للحصول علي أرغفة عيش لا تغني ولا تسمن من جوع.. الحجم صغير جدا لا يكفي طفلا, والنوعية حدث عنها ولا حرج.
أما الدولة فهي تدعم هذا العيش بالمليارات. وكان آخر تصريح صدر يوم الجمعة الماضي هو أن الدولة سوف تدعم رغيف العيش بمبلغ 7 مليارات جنيه ليتم توفيره للمواطنين علي مدي عام كامل. أين يذهب هذا الدعم ومن الذي يحصل عليه ويدخل إلي جيوب من؟! هذه هي القضية وهذا هو السؤال.. الإجابة هي الفساد. اختفي الإنسان المستقيم من بين الناس, وكل واحد يريد أن يستغل أخاه, وأصبحت الأمانة الحقيقية عملة نادرة. الفساد طال كل شئ وتربع علي عرش الاحتياجات مع رغيف العيش, وأصبح الفساد هو السلوك العام والشر المستشري, والقوة هي التي تحكم السلوك. أين يذهب الدعم؟ الأمور واضحة للعين المجردة. الدقيق المدعوم يذهب إلي كثير من أصحاب المخابز التي تغلق أبوابها بعد الظهر بحجة أن كمية الدقيق المقررة لها انتهت, وفي الوقت نفسه تمتلئ الشوارع بعربات الخبز تحمل العيش المصنوع من الدقيق الأبيض الرغيف بعشرة قروش.. ثم بخمسة عشر وعشرين قرشا وأخيرا بخمسة وعشرين قرشا, ونوع بحجم أكبر يباع بنصف جنيه. والناس مضطرة إلي الخضوع والإذعان لهذا الاستغلال لأنهم عاجزون عن الشراء من المخبز والوقوف في الطوابير عدة ساعات. وبعد عدة أيام من هذه الأسعار بدأ التلاعب بشئ آخر وهو تصغير حجم الرغيف حتي كاد يساوي رغيف المخبز الذي يباع بخمسة قروش. في كل بلد مجموعة من الأسر تنتج هذا الخبز وتكتب بالخط العريض اسم صاحب عربة الخبز وثمن الرغيف. من أين تحصل هذه الأسر علي الدقيق الذي تحوله إلي خبز؟ هل يحصلون عليه بالطرق المشروعة؟ هل تبيعه الدولة لهم؟
لا أظن أنه يصل إلي أيديهم بأساليب مشروعة, والمسئولون يعرفون ذلك, ويعرفون الطرق والأساليب التي يستخدمها هؤلاء المستغلون.. والتقاعس عن متابعتهم ومطاردتهم وإيقاف هذا الفساد والاستغلال الذي يتم جهارا نهارا بلا خوف من عقاب رادع.
كنت أتحدث مع صبي يبيع العيش الرغيف بخمسة وعشرين قرشا. سألته لماذا صغر حجم الرغيف جدا ولم يعد جيد الصنع؟ وكانت إجابته من أغرب ما يكون.. قال ببجاحة غريبة لو عايزة دقيق أجبلك واخبزي أنت في البيت بمعرفتك. نهره زميله وقال له إخرس وخرس بالفعل.
وفي قصة عجيبة حدثت بالصدفة عن تلاعب صاحب مخبز بالشرقية بالحصة المخصصة له من الدقيق وفي أثناء الحملة التموينية التي قامت بعد شائعات عن صاحب المخبز أنه يتصرف في 12 شيكارة يوميا وزن كل شيكارة 50 كيلو. وبمداهمة منزله سقطت زوجته بجوار السرير خوفا من رجال الحملة, واكتشفت الحملة أين خبأ صاحب المخبزالدقيق المدعوم فقد تبين وجود ستة أشولة من الدقيق المدعوم أسفل السرير, وتحرر محضر بالموافقة وأحيل التاجر إلي النيابة! هل عرفنا أين يذهب الدقيق المدعوم؟ إذا استمر الحال بهذا الشكل فلن يكفي 7 مليارات ولا 20 مليارا دعما لرغيف الخبز!