أجمعت التيارات السياسية المختلفة والمثقفون علي إيجابية خطاب أوباما , وأنه يدشن لمرحلة جديدة من العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي قائمة علي المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل. وقالوا إن الخطاب يقدم فرصة تاريخية قد لا تتكرر لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي علي أساس حل الدولتين,كما أنه يضع حدا لغياب الثقة. وطالبوا الدول العربية بالتعاطي الإيجابي مع الخطاب والعمل علي الانفتاح الثقافي علي الغرب والحد من ثقافة الكراهية واحترام حقوق الإنسان وتحقيق مزيد من الديموقراطية , وذلك لمساعدة أوباما علي تحويل استراتجيته من مجرد الإيمان والوعود إلي اتخاذ خطوات فعلية .
أخطاء الماضي
أكد الدكتور جهاد عودة عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني علي ضرورة التكاتف لنقل المباديء العامة التي تضمنها خطاب أوباما إلي الواقع وتنفيذها. وقال إن أهم ما يميز الخطاب دعوته لفهم الإسلام باعتباره دينا يدعو للقيم الإنسانية الراقية,مضيفا أن الخطاب يفتح صفحة جديدة للعلاقة بين الإسلام والغرب متجاوزة أخطاء الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش,ذلك من أجل المشاركة في بناء العالم . كما تناول أوباما الديموقراطية بطريقة جيدة,حيث أكد أنها قيم عالمية نابعة من تجارب شتي من العالم وليست ثقافة أمريكية فقط,كما وجه حديثه إلي التيارات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي والتي تريد الديموقراطية للوصول إلي الحكم ثم الانقلاب علي الدولة ورفض هذا السلوك. فالخطاب ركز علي قضايا رئيسية من أبرزها الحوار والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة ثم السلام والعدالة الاجتماعية وأخيرا الديموقراطية وحقوق الإنسان.
واستطرد عودة قائلا: إن أوباما سيواجه تحديات صعبة لنقل المباديء والخطوط العامة إلي خطط تنفيذية وأن المناخ السياسي في المنطقة يسمح بذلك طالما امتلك الزعماء الشجاعة الكافية لاتخاذ خطوات جادة لتقريب وجهات النظر, فالعرب بالإضافة إلي المبادرة العربية للسلام المطروحة منذ قمة بيروت عام 2002 عليهم أن يقهروا ثقافة كراهية الآخر المنتشرة في المنطقة,وأن يعملوا علي سيادة نمط من الثقافة قائم علي التعددية واحترام الآخر واحترام حرية الاعتقاد والانفتاح علي العالم , وهنا يقع دور كبير علي مصر الدولة والمجتمع المدني لرفع الوعي بالقيم الإنسانية السامية والبحث عن مشتركات والتركيز عليها والإعلاء من قيم المواطنة .
وأضاف عودة أن مصر بدأت منذ خمس سنوات تطبيق إصلاحات سياسية لكن نحتاج للمزيد , وأننا في أمس الحاجة إلي قانون للمواطنة يشابه القوانين الفيدرالية الخاصة بمحاربة الكراهية والتمييز في الولايات المتحدة ذلك لمعاقبة من ينتهكون حقوق الغير أو يبثون الكراهيه للأديان والرموز والشخصيات.
تحديات التنفيذ
ورأي سيد عبد العال الأمين العام لحزب التجمع أن الخطاب ايجابي خاصة أن أوباما أكد علي أن مكافحة الإرهاب لا تتم بالأعمال العسكرية فقط بل يلزمها تنمية, وكذلك تمسك أوباما بحقوق الإنسان وتمكين المرأة والحديث عن الديموقراطية بأنها قيمة عالمية لا يمكن فرضها علي أي دولة من الخارج. وأشار عبدالعال إلي وجود ملاحظات علي خطاب أوباما قائلا إنه طالب حركة حماس بالاعتراف بإسرائيل أولا , وهذا يعرقل جهود التسوية , فإسرائيل هي المطالبة بالالتزام بالشرعية الدولية وبالاتفاقيات التي وقعتها . وكذلك اختلط الأمر بالنسبة للأسلحة النووية , فتعرض لطموح إيران النووي وحذر من ذلك,في حين تجاهل تماما الإشارة إلي إسرائيل التي تملك بالفعل أسلحة نووية.
ولفت عبد العال الانتباه إلي أن الخطاب تضمن توجهات عامة للسياسة الأمريكية وهي خطوة مهمة جدا,لكن تحتاج إلي أدوات تنفيذ وبرنامج عمل, خصوصا أن أوباما سيواجه هجوما شرسا من اليمين الأمريكي ومجموعات مصالح داخل الكونجرس .
حول سبل مساعدة أوباما لتحقيق الوعود التي قطعها في الخطاب أضاف عبدالعال,أنه يلزم أن يتعامل الحكام العرب بشفافية ووضوح وما يحدث داخل الغرف المغلقة يعلن للجمهور , وكذلك يجب أن يتوحد الموقف العربي علي أهداف محددة وواضحة وأن يتم التمسك بقرارات الشرعية الدولية ومناقشة القضايا المؤجلة مثل القدس وحق العودة وتفكيك المستوطنات.
نقطة فاصلة
اعتبر منير فخري عبدالنور سكرتير عام حزب الوفد الخطاب نقطة فاصلة في التاريخ لما يتضمنه من الدعوة إلي تعاون الحضارات والثقافات وفتح صفحة جديدة بين الغرب والعالم الإسلامي . وقال عبدالنور,إن أوباما تحدث بصراحة وجرأة وشجاعة ووضوح,وأكد عزمه علي حل المشكلة الفلسطينية من خلال إقامة دولتين,كما كرر مطالبه لإسرائيل بالكف عن بناء المستوطنات , وأعلن أوباما التزامه بالخروج من العراق قبل يوليو 2012 وفتح حوار مع إيران دون شروط . هذا بالإضافة إلي أن أوباما أكد علي أن نشر الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان من ثوابت السياسة الأمريكية ,لكنه لن يستخدم أسلوب سلفه بوش ويقوم بفرضها بالقوة,وكذلك تاكيد أوباما علي حرية العقيدة في العالم الإسلام وضرورة تحرير المرأة ومنحها الفرص المتساوية في التعليم .
أضاف عبدالنور أن أوباما سيواجه ضغوط صعبة من تيارات داخل الولايات المتحدة من أصحاب المصالح واللوبي الصهيوني واليمين الجمهوري لتعطيل خطواته,خاصة أن أوباما قارن في خطابه بين عذاب اليهود في الشتات وقتلي المحرقة وبين المعاملة التي يواجهها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة , وهذا الأمر لا يقبله اليهود الذين يرفضون تشبيه ما حدث لهم في الهولوكوست بأي انتهاكات تعرضت لها شعوب أخري.
وأوضح عبد النور أن بعض الدوائر في العالم الإسلامي ستنتقد خطاب أوباما أيضا لتناوله قضايا حرية العقيدة والديموقراطية وحقوق الإنسان وستعتبره تدخلا في الشأن الداخلي .
واستطرد عبدالنور منوها إلي أن أوباما بدأ الخطوة الأولي في الحوار , وهو يراهن علي العالم الإسلامي للاستجابة له حيث إن الحوار متبادل وفي اتجاهين,لكن المشكلة أن العالم الإسلام ليس لديه مشروع جاهز يقدمه أو مبادرة يتفاوض عليها . وأكد أننا أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر , وأنه تقع علي مصر مسئولية كبيرة لمساندة أوباما وانجاح مبادرته لأن فشله سيؤدي إلي عودةبندولالحكم في أمريكا إلي اليمين الجمهوري مرة أخري,ولذلك يجب ان يكون لدينا مشروع للحوار وأن نحدد ماذا سنفعل؟ وكيف يمكن لمصر أن تصبح نموذجا للعالم الإسلامي . وفي هذا السياق- حسب كلام عبدالنور _ يجب أن يعمل النظام المصري الي تحقيق مزيد من الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والانفتاح علي الثقافات الأخري والارتقاء بمستوي معيشتنا وأيضا منع ثقافة الكراهية للآخر السائدة.
ملعب الدول العربية
وعبر الدكتور عبدالرحيم علي الخبير في الحركات الإسلامية عن شكره لأوباما علي الخطاب الرائع والذي يعد من أفضل ما قيل في العلاقات بين الغرب و الإسلام , فهو يقدم رؤية جديدة للعلاقات علي أرضية التكافؤ والمساواة والحرية والمبادي الإنسانية الساميه التي أقرتها الأديان والحضارات , مفادها أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك. وقال إن هناك فرقا شاسعا بين رؤية بوش للعلاقة بين أمريكا والإسلام وبين رؤية أوباما المثقف الذي يرسم استراتجية جديدة في المنطقة .
أضاف أن أوباما أعاد الاعتبار إلي المفاهيم الإسلامية الصحيحة والتي تنتصر للعدالة ولحقوق المرأة والآخر والشريك في الوطن .
وأكد د. عبدالرحيم أن الكرة الآن في ملعب دول المنطقة خاصة مصر والسعودية,وكذلك قوي الإسلام السياسي كحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين , جميعا عليهم دور في خلق عالم خال من الكراهية ومطلوب منهم تحرك عاجل من الدول وقوي المجتمع المدني المحبة للحرية والسلام لوضع استراتجية ذات بعد زمني للتعامل مع القضايا التي طرحها أوباما,كما أن الأنظمة العربية عليها دور في التقرب من شعوبها ومناقشة القضايا لتي تهمه , فلبنان مطالب بتحديد شرعية حمل السلاح , الحزب ام الدولة وكذلك مصر عليها تحقيق الديموقراطية والحريات . وطالب عبدالرحيم بالدخول في شراكات في مختلف المجالات وعلي كافة الأصعدة الرسمية والشعبية مع الولايات المتحدة , فخلال عام يمكن ان نجني بعض من ثمار خطاب أوباما .
إيجابية الخطاب
وقال الدكتور جمال عبدالجواد الخبير بمركز الأهرام لدراسات السياسية والاستراتجية,إن الخطاب جاء إيجابيا وبشكل يفوق التوقعات , وأن أوباما أعطي أولوية للقضايا التي تشغل المواطن العربي والإسلامي , ولذلك يجب الاستفادة من قوة دفع وصول أوباما للحكم والأفكار التي طرحها والتي تشكل ملامح السياسة الأمريكية خلال الفترة القادمة , فأوباما يعد أول رئيس أمريكي يعطي أولوية للصراع العربي الإسرائيلي وهو في بداية حكم , ويقوم بانتقاد الموقف الإسرائيلي بشكل علني وواضح , إضافة إلي أنه أكد أن مصلحة إسرائيل ومصلحة الدول العربية ومصلحة أمريكا تكمن في التوصل إلي تسوية سلمية للصراع.
وتطرق د.عبدالجواد إلي حديث أوباما عن الديموقراطية باعتبارها نظام الحكم الأفضل لكل الشعوب والذي يكفل الحرية والمساواة والمشاركة , والتي لا يمكن فرضها من الخارج , فهي نتاج رغبة محلية وتجربة إنسانية عالمية,وبذلك أوجد أوباما نقطة توازن بين الإيمان العميق بفكرة الديموقراطية وحقوق الإنسان وبين خصائص كل شعب وظروفه واختاره لطريقة حكمه فالديموقراطية لن تاتي بضغوط من الخارج. وهنا تجنب أوباما أخطاء الرئيس السابق,حيث أدت الضغوط لتحقيق الديموقراطية في قيام النظام المصري الحاكم بتعطيل الاصلاحات الديموقراطية.
وأضاف د.عبدالجواد أنه ما لم تمتد أيادي العرب لمساعة أوباما فلن ينجح , فأوباما لا يملك عصا سحرية , فالعرب عليهم واجب يتضمن تطبيق إصلاحات سياسية حقيقية ونشر ثقافة حقوق الإنسان والتعددية الثقافية ومنع أبواق الكراهية المنتشرة في المنطقة إضافة إلي التحرك الإيجابي للتعامل مع ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
تأييد إسلامي
يذكر أن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أكد في بيان له أن أعضاء المجمع يعدون الخطاب دليلا علي بدء عهد جديد واعد من العلاقات بين أمريكا والعالمين العربي والإسلامي, ويمهد الطريق أمام حوار حقيقي بين الحضارات, بدلا من الصراع الذي قد يرغب بعضهم في إقناعنا باستحالة تجنبه. ووصف الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو, أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي الخطاب بأنه مبادرة جديدة للتعايش والاحترام المتبادل مع العالم الإسلامي, كما تحدث عن قضايا مشتركة, وتعرض لسماحة الإسلام وإسهامات المسلمين في الحضارة الغربية والمجتمع الأمريكي, ووعد بوقف الاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية, كما أن الرئيس الأمريكي تحدث عن شراكة جديدة تبني علي أساس الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة.