العنوان ليس لنا, بل لصحيفة الفيجارو الفرنسية في افتتاحية 22 مايو الجاري. الصحيفة تستعير من الطب كلمة ## أعراض##, أي أعراض متراكمة للمرض, وتقصد هنا رخاوة كارتر, والليونة المفرطة لمواقفه السياسية الخارجية, حين كان رئيسا بين 30 يناير 1977 و30 يناير .1981
ترك كارتر في رئاسته إنجازا كبيرا باتفاق ##كامب ديفيد## بين بيجن والسادات, ذلك الاتفاق الذي أدناه جميعا في حينه بكل قوة, وخونا السادات بسببه, فإذا الأعوام والتجارب المرة تكشف أن موقف السادات كان هو الصحيح, إذ نجح في استرداد الأرض المصرية المحتلة بالتفاوض, وليس بالحروب المغامرة الفاشلة, التي أدت للمزيد من قضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية.
هذا الإنجاز ما يذكر لكارتر, وهو مهم, ولكن يذكر عنه أيضا في تقييم أدائه كيف أدت سياسته لنجاح الخمينية, وقيام نظام الملالي. فقد كان مهووسا لحد النخاع, وهوسا غير طبيعي, بما كان يعتبره حقوق الإنسان, فضحي بالشاه, وساعد علي صعود الخمينية, التي أعدمت في سنتها الأولي ما يزيد عمن أعدمهم الشاه في سنوات, والتي سلبت حقوق المرأة, مع مواصلة سياسة الشاه التوسعية.
ونحن نعرف القاضي ##صادق خلخالي##, ذلك القاضي الذي كان يصدر أحكام الإعدام بالجملة, وينفذها حتي في المستشفي. لقد كان مجنونا بالقتل كجنونه بخنق القطيطات التي قيل إن عدد من قتل منها في حياته بلغ المئات.
لم يكافئ خميني كارتر بغير خطف الدبلوماسيين لمدة 444 يوما, وبوصفه لكارتر بالدجاجة من غير رأس! كارتر لم يكتف بمواقفه خلال رئاسته, بل عارض حرب تحرير العراق بقوة, شأن اوباما, ناسيا هوسه المفرط بحقوق الإنسان في العراق وعمليات الإبادة الجماعية, وأخيرا, ومنذ العام الماضي, شرع بجولاته في منطقتنا, ساعيا للحصول علي رضا السيد خالد مشعل, وداعيا لإدراج حماس في عملية السلام علي قدم المساواة مع القيادة الفلسطينية الشرعية.
إن مقال الصحيفة الفرنسية المذكورة هو عن الجدال الدائر حاليا بين اوباما والكونجرس حول جوانتينامو, وامتناع الكونجرس عن الموافقة علي المبالغ التي طلبها الرئيس الأمريكي لهذا الغرض, ومطالبة أعضاء الكونجرس من الإدارة بتقرير واضح واف عن المعتقلين, ورافضين نقلهم للسجون الأمريكية.
إن الأمريكيين حساسون جدا للموضوع الأمني رغم معاناتهم الشديدة اليوم من الأزمة الاقتصادية, وإن اعتقال إسلاميين أربعة متهمين بالتخطيط لنسف معابد اليهود وإسقاط الطائرات النفاثة الأمريكية, يقوي اليوم مخاوف المواطن الأميركي من عمليات إرهابية جديدة, مثل 11 سبتمبر.
لقد جاء أوباما باسم ##تنظيف ##البيت الرث## الوسخ, الذي تركه بوش, خلال خطاب تنصيبه, واليوم يؤكد عزمه علي ##تنظيف خراج جوانتينامو##[دمل]. فكيف سيعالج الأمور مع المستجدات؟ لقد اضطر للتراجع عن نشر صور لجنود أميركيين في العراق وأفغانستان بعد نشر قسم منها, وتراجع عن رفض المحاكم العسكرية, ليعود إلي تبنيها وفق مواصفات جديدة كما يقال, ولابد أنه سيفكر أكثر بعد اطلاعه علي التقرير السري الجديد للبنتاجون حول عودة 74 معتقلا سابقا أفرج عنهم ولكنهم عادوا للإرهاب وأحدهم هو اليوم ## أمير## القاعدة في اليمن.
الفيجارو تختتم المقال بقولها: إنه إذا كان أوباما غير قادر علي ##لبس أحذية بوش##, فعليه تجنب ##أعراض الكارترية##! لقد كتبنا أكثر من مرة عن عواقب السياسة المائعة والمضطربة لأوباما, لاسيما تجاه إيران, التي أطلقت للتو صاروخا بمدي 2500 كم, وها هو حزب الله يهدد بأخذ السلطة في لبنان, وحماس تهدد من جانبها, والقاعدة ترفع رأسها بقوة أكثر, وإيران تمد مخالبها حتي الصومال, ومع ذلك تأمل الإدارة الأميركية ##إقناع إيران## بعدم المضي في مشروعها النووي العسكري, وعدم التدخل في شؤون كل بلدان المنطقة. ##إقناع##, ولكن كيف؟!
هناك مقال آخر جدير بالإشارة وبالاتجاه نفسه تقريبا, نشره الصحفي الأمريكي ##يوجين روبنسون## في ##واشنطن بوست## في 18 الجاري, ونشرت ##الشرق الأوسط## ترجمته العربية بنفس التاريخ. الكاتب عنون مقاله كالتالي: ##كيل الصاع بصاعين##, معلقا علي قمة الأميركيتين الأخيرة في ترينداد وتوباجو, ومواقف الفنزويلي ##شافيز## ورئيس نيكارجوا, ##أورتيجا## وسلوك أوباما نحوهما.
الأول أهدي الرئيس الأمريكي كتاب فيه تحامل محموم علي الولايات المتحدة, والثاني ألقي خطبة طويلة, استغرقت 55 دقيقة, تهجم فيها بشراسة وعنف علي السياسات الأمريكية في أميركا اللاتينية والكاريبي, وعندما سئل أوباما عن رأيه في الخطاب, أجاب ##طال 55 دقيقة##.
يقول كاتب المقال: ##كان أوباما محقا في عدم التراجع عن إلقاء كلمته, لكن الصورة التي بدا بها شافيز وخطاب اورتيجا كان الهدف منها أن تكون صفعة للولايات المتحدة, وعندما تحدث أوباما بعد ذلك, فقد كان عليه أن يصدر دعوته الموعودة ##بشراكة متساوية## مع الدول الأخري في أمريكا الجنوبية, بأنها ستضم تلك الدول التي تفضل تجاوز خلافات الماضي بدلا من حملها إلي المستقبل##, والكاتب يقصد وجوب التوضيح بأن لا شراكة مع رؤساء غوغائيين وحاقدين من أمثال شافيز وأورتيجا.
يضيف الكاتب أنه كان صحيحا إظهار الاحترام لقادة الدول المجاورة الصغيرة والكبيرة في قمة الأمريكتين; ##لكن أولئك الذين لم يكونوا مهذبين بما يكفي لإظهار احترامهم له, لا يستحقون سوي الصفع _ المجازي بالطبع – بمؤخرة اليد الرئاسية##.
ماذا يقول الكاتب عن الشتائم الإيرانية اليومية للولايات المتحدة وارتفاع شعار ##الموت لأميركا## في المظاهرات؟!! هل إن سلوكا كهذا يتغير بالنقاش المنطقي الهادئ؟!! نعم, إن الدبلوماسية تقتضي اللباقة والاحترام, علي أن يكونا في محلهما, وللدبلوماسية تحل الكثير من القضايا الدولية الكبيرة, ولكن لها حدودا في التعامل مع أنظمة وحكومات تتحدي القانون والقرارات الدولية, مثل كوريا الشمالية وإيران والسودان, أو تمارس سياسات التدخل والتوسع, وتشجع المنظمات الإرهابية والعنف. أجل, للدبلوماسية حدود, وليس لها سحر تحويل الشياطين إلي ملائكة.