في كلمته إلي العالم الإسلامي من جامعة القاهرة في الرابع من يونيو الماضي تحدث الرئيس الأمريكي ##باراك أوباما## عن سبع قضايا رئيسة في الجزء الثاني من خطابه. هذه القضايا السبع هي محور العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي. ومن تلك القضايا السبع قضية ##الحرية الدينية## التي احتل المرتبة الخامسة ضمن السبع قضايا التي تحدث عنها ##أوباما##, مؤكدا في كلمته علي الحرية الدينية باعتبارها هي الحرية الأساسية التي تمكن الشعوب من التعايش.
ويأتي إبراز الرئيس الأمريكي لقضية الحريات الدينية اعتمادا علي دعوة وتوصية من لجنة الحريات الدينية الدوليةU.S. Commission on International Religious Freedom (USCIRF) التي أرسلت خطابا إلي باراك أوباما تدعوه إلي إبراز قضية الحرية الدينية في خطابه إلي العالم الإسلامي.
ومؤخرا, أصدرت اللجنة تقريرها السنوي عن العام الحالي 2009, الذي حمل توصيات إلي الكونجرس الأمريكي, وإدارة الرئيس الأمريكي ##باراك أوباما##, ووزارة الخارجية الأمريكية بشأن ثلاث عشرة دولة أسماها التقرير ##دول مثيرة للقلق## (وفي هذا العام أضيفت دولتان, هما: العراق ونيجيريا, إلي القائمة السابقة لـ##الدول المثيرة للقلق## التي ضمت الصين, بورما, كوريا الشمالية, إريتريا, إيران, باكستان, المملكة العربية السعودية, السودان, تركمانستان, أوزبكستان, وفيتنام.
نشأة لجنة الحريات الدينية الدولية
أنشئت لجنة الحريات الدينية الدولية اعتمادا علي قانون الحرية الدينية الدولية لعام .1998 وتهدف اللجنة لمراقبة حالة حرية الدين والفكر والمعتقد كما هو منصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتأسيسا علي قانون أنشئ مكتب الحرية الدينية الدولية بوزارة الخارجية الأمريكية جنبا إلي جنب مع لجنة الحرية الدينية الدولية .ويصدر مكتب الحرية الدينية الدولية, الذي يرأسه سفير متجول, تقريرا سنويا في الأول من سبتمبر من كل عام عن الحرية والاضطهاد الديني عالميا. في حين تصدر لجنة الحرية الدينية الدولية تقريرها السنوي في الأول من مايو. وحسب القانون فإن مهمتها ستنتهي في .2011
اعتمادا علي تقرير لجنة الحرية الدينية الدولية تعد وزارة الخارجية الأمريكية قائمة بـ##الدول المثيرة للقلق##, وهي تلك الدول التي تعمل أو تتغاضي عن انتهاكات الحق العالمي للحرية الدينية, من خلال تبنيها لسياسة ممنهجة ومستمرة للتعذيب, الاعتقال, الاختطاف والنفي لإنكار الحرية الدينية أو بطرائق أخري لإنكارها. وتحديد التقرير لتلك الدول يجعلها هدفا لإجراءات أمريكية دبلوماسية واقتصادية. وإضافة علي هذا يحدد قانون (IRFA) مجموعة من الأدوات السياسية والدبلوماسية يستخدمها الرئيس الأمريكي ضد تلك الدول, وأوصي بتسمية مستشار خاص للحرية الدينية الدولية ليساعد الرئيس في مهمة الحفاظ عليها عالميا.
يعد تقرير اللجنة السنوي بمثابة خريطة طريق لصانعي السياسة الخارجية الأمريكية, والدبلوماسيين علي حد سواء. ويعد, أيضا, وثيقة مهمة بشأن تجاوزات الدول للحرية الدينية والمعتقد والتفكير في كافة أنحاء العالم. ويقدم التقرير حلولا للدول التي يصنفها في قوائمه.
أهداف اللجنة
وعن الهدف من إنشاء لجنة الحريات الدينية الدولية تقول رئيستها فيليس جاير Felice D. Gaer: إن الهدف من اللجنة هو تقديم رؤية عن أبعاد الاضطهاد والتعصب الديني في الخارج. وككيان فيدرالي مستقل يضم أعضاء من الحزبين الكبيرين داخل الولايات المتحدة, الحزب الجمهوري والديمقراطي, تهدف اللجنة لتقييم واقتراح سياسات لصناع السياسة الخارجية الأمريكية لتعزيز الحرية الدينية والمعتقد والتفكير, وحماية الأفراد المعرضين لخطر انتهاك حرياتهم تلك.
وتضيف ##جاير## إن مهمة اللجنة هي أن تصبح توصياتها قانونا داخل الكونجرس الأمريكي وسياسات تتبناها السلطة التنفيذية. وتعمل لجنة الحرية الدينية الدولية علي تقديم رؤية وتفكير جدي عن كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتعامل بصورة جيدة مع تحديات التطرف الديني, التعصب, والاضطهاد في كافة أنحاء العالم, لاسيما الدول ذات الاهتمام الخاص علي أجندة السياسة الخارجية الأمريكية, مثل: باكستان, أفغانستان, العراق, إيران والصين.
لا تفرض اللجنة عقوبات علي الدول, ولكن لديها سلطة رصد انتهاكات الحرية الدينية بالخارج, وتقديم توصيات وسياسات للحكومة الأمريكية تنتهجها حيال تلك الدول. حق أي من دولتين توقعان علي اتفاق ـ كاتفاق الحد من الأسلحة أو اتفاقية تجارية ـ بضرورة وفاء كل طرف بالتزاماته التي تنص عليها الاتفاقية ينطبق علي اتفاقيات حقوق الإنسان, بما فيها تلك الاتفاقيات المتعلقة بالحرية الدينية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. فبدلا من إجبار الدول علي تنبي القيم والمبادئ الأمريكية تشجع اللجنة الدول علي الوفاء بالتزاماتها لحماية الحرية الدينية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية. وليس من حق الدول الاستبدادية التمسك بحجة ##الشئون الداخلية## وعدم التدخل في شئونها الداخلية للتنصل من تعهداتها والتزاماتها الدولية لتحقيق الحرية الدينية وحقوق الإنسان.
أعضاء اللجنة
تأسيسا علي قانون الحرية الدينية الدولية يختار الرئيس الأمريكي ثلاثة من أعضاء اللجنة, وأربعة تختارهم قيادات بالكونجرس من الحزب الذي هو خارج البيت الأبيض (أي عكس حزب الرئيس), وعضوين تختارهما قيادات بالكونجرس من حزب الرئيس, وحاليا يعينون لمدة عامين, ومن الممكن إعادة تعيين المؤهل منهم لفترة ثانية.
وأعضاء اللجنة يعبرون عن أهداف اللجنة وليسوا معبرين عن أفكارهم الخاصة أو المنظمات الدينية التي ينتمون إليها. وأعضاء اللجنة هم فيليس جاير في منصب الرئيس. وإليزابيث برودرومو ومايكل كرومارتي في منصب نائب الرئيس. وعضوية كل من دون أرجيو , الإمام طلال عيد , ريتشارد لاند , ليونارد ليو , ونينا شيا. وسفير اللجنة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية ليس له الحق في التصويت داخل اللجنة, وحاليا منصبه شاغر.
وحسب تشريع اللجنة فإنه يتم اختيار أعضاء اللجنة من بين شخصيات بارزة لديهم معرفة وخبرة في المجالات ذات الصلة بمسألة الحرية الدينية الدولية, والشئون الخارجية, وتجربة مباشرة بالخارج فيما يخص قضايا الحرية الدينية, وكذلك معرفة وخبرة بحقوق الإنسان والقانون الدولي. ويختار أعضاء اللجنة لخبراتهم وليس لانتماءاتهم الدينية, ولذلك ليست كل الديانات ممثلة في اللجنة.
إنجازات اللجنة
أوصي تقرير اللجنة هذا العام بإضافة دولتين, هما: العراق ونيجيريا, إلي قائمة وزارة الخارجية لـ##الدول المثيرة للقلق##. وفي تقريرها هذا العام أعلنت اللجنة عددا من الدول في قائمة الدول ##تحت المراقبة##, وتضم تلك القائمة هذا العام هذه الدول: أفغانستان, روسيا البيضاء, كوبا, مصر, إندونيسيا, لاوس, روسيا, الصومال, طاجيكستان, تركيا وفنزويلا. لم تصل هذه الدول بعد إلي مصاف ##الدول المثيرة للقلق##, حسب قانون IRFA. تحتاج هذه الدول إلي مراقبة دقيقة لطبيعة وحجم انتهاكات الحرية الدينية داخلها وكذلك حالات تغاضي الحكومات عن تلك الانتهاكات.
خلال إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق ##جورج دبليو بوش## كان للجنة إنجازات جلية في عديد من القضايا والمناطق. فمع تزايد الأزمة في إقليم دارفور السوداني, كانت اللجنة أول من دعا إلي تسمية مبعوث خاص للسودان, والتي أخذ بها الرئيس بوش بتعيين أول مبعوث أمريكي إلي السودان. بالإضافة إلي أن اللجنة عملت علي إقناع الكونجرس الأمريكي إلي أن قانون السلام في السودان يتطلب ضرورة اتخاذ إدارة الرئيس بوش خطوات لمنع وصول عائدات النفط إلي الحكومة السودانية في حال عدم التزامها بما تمخضت عنه مفاوضات السلام. وبالنسبة لباكستان, عملت اللجنة علي إبراز للمسئولين الأمريكيين ومسئولي الحكومة الباكستانية الأوجه غير الديمقراطية للنظام الانتخابي بالنسبة لأقليات, والذي ألغي في عام .2002 وفي عام 2001 نجحت اللجنة في أن يبرز الرئيس الأمريكي الأسبق ##جورج دبليو بوش##, اعتمادا علي توصية من اللجنة, قضية الحرية الدينية كحق عالمي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة, وقد فعل ##بوش## ذلك من خلال التأكيد علي عدم اتخاذ الحكومات الحرب علي الإرهاب كذريعة لانتهاك الحرية الدينية.
أوباما وحرية الدينية
مع تولي ##باراك أوباما## قيادة الولايات المتحدة, وقبل أن يلقي ##أوباما## خطابه للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة في الرابع من يونيو الماضي أرسلت اللجنة برسالة إلي الرئيس الأمريكي ##باراك أوباما## تطلب منه إبراز قضية الحرية الدينية في خطابه إلي العالم الإسلامي, وبالفعل سمي الرئيس الأمريكي قضية الحرية الدينية ـ القضية الخامسة في خطابه ـ كأحد القضايا الخلافية بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي, والتي تهدد العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي.
عن قضية التسامح في الإسلام أشار ##باراك أوباما## إلي نشأته عندما كان طفلا في إندونيسيا, إذ كان يري المسيحيين يمارسون طقوسهم الدينية بحرية في ذلك البلد الذي يشكل فيه المسلمون الغالبية. ويقول إن العالم اليوم في حاجة إلي روح التسامح التي شاهدها هناك. فيقول: ##إذ يجب أن تتمتع الشعوب في جميع البلدان بحرية اختيار العقيدة وأسلوب الحياة القائم علي ما تمليه عليهم عقولهم وقلوبهم وأرواحهم بقطع النظر عن العقيدة التي يختارونها لأنفسهم, لأن روح التسامح هذه ضرورية لازدهار الدين##.
ويري أن هناك تحديات تواجه روح التسامح, فيقول ##ثمة توجه في بعض أماكن العالم الإسلامي ينزع إلي تحديد قوة عقيدة الشخص وفقا لموقفه الرافض لعقيدة الآخر##. والتعددية الدينية بالنسبة لباراك أوباما ثروة يجب الحفاظ عليها. داعيا في كلمته إلي إصلاح خطوط الانفصال في أوساط المسلمين; لأن الانقسام بين السنة والشيعة قد أدي إلي عنف مأساوي ولاسيما في العراق, مشيرا أيضا إلي ضرورة الحفاظ علي حقوق بعض الأقليات الدينية كالموارنة في لبنان أو الأقباط في مصر.
ويري أوباما في كلمته أن الحرية الدينية هي الحرية الأساسية التي تمكن الشعوب من التعايش, ولذا يدعو إلي البحث عن سبل لحماية هذه الحرية. مشيرا إلي أن القواعد التي تنظم التبرعات الخيرية في الولايات المتحدة علي سبيل المثال أدت إلي صعوبة تأدية فريضة الزكاة بالنسبة للمسلمين, وهذا هو سبب التزامه بالعمل مع الأمريكيين المسلمين لضمان تمكينهم من تأدية فريضة الزكاة.
وفي هذا السياق دعا أوباما في كلمته إلي ضرورة امتناع البلدان الغربية عن وضع العقبات أمام المواطنين المسلمين لمنعهم من التعبير عن دينهم علي النحو الذي يعتبرونه مناسبا, فعلي سبيل المثال تفرض بعض الدول الثياب التي ينبغي علي المرأة المسلمة أن ترتديها.
ويقول في كلمته: ##إننا بكل يسر لا نستطيع التظاهر بالليبرالية عبر التستر علي معاداة أي دين. ينبغي أن يكون الإيمان عاملا للتقارب فيما بيننا, ولذلك نعمل الآن علي تأسيس مشاريع جديدة تطوعية في أمريكا من شأنها التقريب فيما بين المسيحيين والمسلمين واليهود##.
وفي خطابه إلي العالم الإسلامي عمل الرئيس الأمريكي علي إبراز للمسلمين وغير المسلمين الدور والالتزام الأمريكي التاريخي بضرورة نشر مبادئ التسامح والحريات بما فيها الحرية الدينية كأحد حقوق الإنسان وهي المهمة الأساسية لجنة الحريات الدينية الدولية التي تسعي بجدية إلي نشرها في كافة أنحاء العالم.
تقرير واشنطن