في العام الماضي فقط, كانت العلاقات الأمريكية التركية تشهد اضطرابات عاصفة, بسبب خلافات حول عدد من القضايا – مثل علاقات تركيا مع إسرائيل وكيفية التعامل مع إيران النووية – مما قوض الرباط التاريخي لواشنطن مع أنقرة.
بيد تقضي اليوم الولايات المتحدة وتركيا شهر عسل, حيث أقام الرئيس أوباما ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ما يحتمل أن تكون العلاقة الأفضل بين رئيس أمريكي ورئيس وزراء تركي خلال عقود. وتعمل كذلك الرياح السياسية المتغيرة عبر أنحاء الشرق الأوسط علي تقريب تركيا والولايات المتحدة أكثر من ذي قبل منذ التباعد بينهما بسبب حرب العراق في عام .2003
ويبدو أن أوباما وأردوغان قد أصبحا فعلا أصدقاء: فقد ذكرت وسائل الإعلام التركية أنه بعد وفاة والدة أردوغان في الشهر الماضي, كان أوباما من بين قادة العالم الذين اتصلوا به وأنهما ##تحدثا لمدة 45 دقيقة عن مشاعرهما##. وهذا الوئام الشخصي هو أساس العلاقة الأمريكية التركية الجديدة.
لقد استغرق الأمر بعض الوقت للوصول إلي هذه النقطة. فحتي العام الماضي, كانت علاقات تركيا مع واشنطن مترنحة. كما أن سياسة أنقرة تجاه إيران كانت متأرجحة, وغالبا ما تحدت جهود واشنطن لفرض عقوبات مدعومة دوليا علي طهران.
فعلي سبيل المثال في يونية 2010, صوتت تركيا في مجلس الأمن الدولي ضد اقتراح بفرض عقوبات علي إيران ترعاها الولايات المتحدة. وعلي مدار نحو شهرين بدا الأمر وكأن ذلك التصويت سوف يقطع الروابط الأمريكية التركية. لكن المحادثات المباشرة بين أوباما وأردوغان علي هامش مجموعة العشرين في تورونتو في يوليو 2010 غيرت كل شيء.
ووفقا لما أعلمني به مسئولون أتراك وأمريكيون, أخبر أوباما أردوغان بمدي انزعاجه من تصويت تركيا في الأمم المتحدة كما ساعدت صراحته علي تنقية الأجواء بين البلدين. ثم سرعان ما تغيرت سياسة تركيا. فقد توقفت أنقرة عن الدفاع عن طهران وبدأت بالتعاون مع واشنطن.
ومنذ الصيف, بدأت العلاقات تتحسن بصورة ملحوظة. فالزعيمان يتحدثان بشكل متكرر – علي الأقل اثنتي عشرة مرة هذا العام وحده – وكثيرا ما يتفقان بشأن الأمور السياسية. فلننظر إلي التوافق بشأن ##الربيع العربي##. فتصريحات تركيا حول الانتفاضات في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دفعت أوباما إلي تقدير تركيا وهي عضو مسلم كبير في حلف شمال الأطلسي يرضي بشكل فريد سعي أوباما إلي إيجاد حلفاء أقوياء, أغلبية سكانهم من المسلمين, ويكونون سعداء للعمل مع الولايات المتحدة.
وبعد أن خلصت أنقرة إلي أن الحكام المستبدين مثل معمر القذافي في ليبيا سوف يسقطون – إن عاجلا أم آجلا – بمجرد مجابهتهم معارضة الجماهير, بدأ البلدان بتنسيق سياساتهما بشأن ##الربيع العربي##.
وكان التعاون متعمقا بشأن خاص تجاه سوريا. فقد ظهرت تركيا بصفتها الخصم الرئيسي في المنطقة للقمع الوحشي الذي قام به نظام الأسد تجاه المتظاهرين, وهو أمر جيد بالنسبة لأوباما, الذي يركز علي القضايا الداخلية قبل انتخابات عام .2012 وتأمل كل من واشنطن وأنقرة في حدوث ##هبوط آمن## في سورية ووضع نهاية لحكم بشار الأسد دون انزلاق البلد إلي الفوضي. ويقدر أوباما استعداد أنقرة لتحمل عبء السياسة تجاه سورية, بدءا من فرض عقوبات ضد الأسد إلي دعم المعارضة, وفق استراتيجية رعاها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو.
ومن المرجح أن يستمر التحسن في العلاقات الأمريكية التركية. فعندما تولي أردوغان السلطة في عام 2002, دشنت أنقرة سياسة التقارب تجاه إيران. غير أن عودة تركيا كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط أثارت المنافسة مع إيران – البلد الآخر الساعي للهيمنة في المنطقة. وقد بدأت منافسة ##ناعمة## بين البلدين عندما دعم كل منهما فصائل متعارضة في انتخابات عام 2010 في العراق. وقد مهد هذا الصراع الطريق لقيام منافسة كاملة بشأن سورية, حيث تدعم طهران وتمول نظام الأسد فيما تدعم أنقرة وتستضيف أعضاء من المعارضة.
ولا تزال هناك توترات بين واشنطن وأنقرة, بما في ذلك تلك المتعلقة بمستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية. لكن عندما أبحر أسطول من تركيا إلي غزة في أوائل نوفمبر, طلب البيت الأبيض من أنقرة ألا تسمح بوجود أي أتراك علي متن السفن, وذلك لتفادي تكرار حادث مايو 2010 الذي قتل فيه الإسرائيليون تسعة أتراك كانوا علي متن سفن متجهة إلي غزة. وقد التزمت أنقرة بذلك وتم تجنب وقوع أزمة أخري.
وعلي المدي الطويل, سوف تعمل المنافسة التركية الإيرانية علي تقريب أنقرة من واشنطن, وربما من إسرائيل. فعلي سبيل المثال, عندما تكمل الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق, سوف تتنافس تركيا وإيران اقتصاديا وسياسيا لكسب النفوذ في العراق.
وبعد عقد من الخلافات مع الولايات المتحدة, أصبحت تركيا أكثر قربا بعد الجفاء. وفي حين أن العلاقة بين أوباما وأردوغان قد وضعت أسسا جديدة للعلاقات الأمريكية التركية, إلا أن البلدين سيلتزمان بمصالح مشتركة في الشرق الأوسط حتي بعد أن يترك هذان القائدان السلطة.
واشنطن بوست