يمثل خطاب الرئيس أوباما في 19 مايو تحولا عن سياسات تبناها منذ توليه السلطة. فخلال العامين الماضيين جعل إنهاء نقاط الخلاف مع حلفاء مستبدين في المنطقة جزءا رئيسيا من إعادة بناء صورة أمريكا في العالم الإسلامي, وخاصة في مصر ومع سورية أيضا. وبقيامه بذلك, تجنب في كثير من الأحيان حتي ذكر كلمة الديموقراطية. ومثال علي ذلك هو رده علي ##الحركة الخضراء## في إيران في ربيع عام .2009
ويظهر آخر خطاب للرئيس الأمريكي نيته في جعل الإصلاح والديموقراطية في قمة أولوياته. بيد, جاءت أغلب ملاحظاته فقط بمثابة تحديث لمبادئ بوش. إن خطابا وفقا لهذه الخطوط كان ,سيعتبر أكثر] جرأة في عام 2008 وليس في .2011 وعلي هذا النحو افتقدت كلمة أوباما لرؤية استراتيجية. فلو لم يكن التونسيون والمصريون قد نجحوا في ضمان حريتهم بالفعل, لم يكن الرئيس الأمريكي ليلقي خطابه. لقد كان ذلك بالفعل خطابا تصحيحيا في مرحلة ما بعد الواقع.
وعلاوة علي ذلك, فعلي الرغم من التباين الشاسع بين نظرة الولايات المتحدة ورؤية السعودية لـ ##الربيع العربي##, إلا أن الرئيس أوباما لم يذكر الرياض علي وجه الخصوص أثناء خطابه. فالدور السعودي الرجعي ,تجاه ما حدث] — بدءا من تونس ومصر إلي البحرين بل وحتي سورية – يناقض سياسة التحول التي جاءت في خطاب الرئيس الأمريكي, كما أن هذا الدور يمثل تحديا أساسيا تجاه المضي قدما في سياسته.
وفيما يتعلق بسورية, إن الفكرة بأن الرئيس بشار الأسد يمكن أن يقود انتقالا حقيقيا إلي الديموقراطية هي فكرة مضحكة وإهانة لأولئك الذين يناضلون سلميا من أجل الديمقراطية. وإذا كان قد قيل لكل من زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي ارحلوا, فلماذا يعاند البيت الأبيض ضرورة تنحي الأسد؟ وبالنسبة لسوريا والبحرين أضاع الرئيس أوباما فرصة إبراز نقطة أكثر رؤيوية وهي أن حكم الأقلية هو أمر قد عفا عليه الزمن, كما أن الانتقال الكامل إلي الديموقراطية وضمان حقوق الأقليات في الوقت نفسه, هو البديل الذي يوفره القرن الحادي والعشرون. وهذا صحيح بوجه خاص في حالة البحرين.
وعلي نحو أعم, لم يكن هناك ذكر للنظم الملكية التي يجب تجديد شرعيتها باستمرار – كما نري ذلك مع النظم الملكية الناجحة في أوربا, علي سبيل المثال. وقد كان بإمكان الرئيس الأمريكي مدح المغرب والأردن علي الخطوات الابتدائية غير المكتملة التي اتخذاها نحو تحقيق هذه الغاية مع تشجيعهما في الوقت نفسه علي المضي قدما في هذا المسار, ودعوة البحرين أيضا إلي الامتناع عن النكوص عن مسارها, حيث يبدو أن الإمارة عازمة علي فعل ذلك.
وبشأن الازدهار الاقتصادي, فإن دعوة الرئيس الأمريكي لإعادة توجيه تفويض ##البنك الأوربي للإنشاء والتعمير## باتجاه شمال إفريقيا كانت دعوة خلاقة, حيث تضيف سندا جديدا للصندوق الحالي للإعفاء من الديون والمعونة وأموال المشاريع. كما أن عرض اتفاقية تجارة حرة علي مصر سيكون له حتي تأثير أكبر وسيؤدي إلي خلق عشرات الآلاف من فرص العمل.
أندرو جيه. تابلر
تمثل رسالة الرئيس أوباما حول ضرورة تنحي الأسد تحولا استراتيجيا مهما حول سوريا, مما يعني أنه إما علي الأسد أن يبدأ عملية تقاسم للسلطة بين نظامه الذي يمثل الأقلية العلوية والأغلبية من السكان السنة, أو أن يواجه عزلة دولية. كما تناول الرئيس الأمريكي أيضا بصورة علنية التورط الإيراني رابطا بصراحة بين دمشق وطهران.
وربما الأمر الأكثر مفاجأة هو أن أوباما كان محددا جدا في مطالبه نحو سوريا. فمنذ السبعينات من القرن الماضي, تتفادي واشنطن الإعلان عن أية مطالب من دمشق نظرا لسياسة التعاطي البناء التي تتبعها الولايات المتحدة والتي تأخذ فيها عملية السلام مع إسرائيل الأسبقية علي جميع القضايا الأخري. وقد بدأت هذه السياسة بوضع السلام كهدف نهائي ثم عملت إلي الوراء لتحقيقه. ونتيجة لذلك تجنبت واشنطن انتقاد دمشق علانية أو تقديم حوافز سلبية خشية أن يتخلي النظام السوري عن السلام. غير أن بشار الأسد لم يكن ماهرا كوالده في أداء هذه اللعبة, كما أن مخالفات سورية – بما في ذلك نقلها صواريخ سكود لـ حزب الله وتدخلها في لبنان وأنشطتها النووية – قد أصبحت في نهاية المطاف كبيرة من أن يتم تجاهلها.
والآن تدرك الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا أنه علي الرغم من أن النظام السوري لم يصل بعد إلي نقطة اللاعودة إلا أنه أيضا عاجز عن التكيف مع مطالب المحتجين. ويمكن للرئيس الأسد إما الاعتماد علي هيئات الأمن المرتبطة بأقليته لقمع الاحتجاجات, أو القيام بإصلاح وإبرام صفقة سياسية. غير أن أي إصلاح كهذا سيقوض قاعدته, كما أن هذه المعضلة تستنزف النظام ببطء. وفي الحقيقة, إن سجله الماضي في الإصلاح يشمل بالفعل أحد عشر عاما من الفرص الضائعة. وقد اعتقد الأسد خطأ أن بإمكانه تحقيق الانفتاح للبلاد وربطها بشبكة الانترنت ورفع التوقعات المحلية, إلا أنه في الوقت نفسه يتجنب تمرير تشريعات للوفاء بوعوده, كما هو الحال في قطاعي المصارف والتأمين. إن الموقف الآن خارج عن السيطرة, كما أن الشعب مستمر في تحدي خمسة فرق عسكرية, عن طريق الاحتجاج في الشوارع.
وقبل خطاب الرئيس أوباما وضعت واشنطن عددا من العقوبات ضد سوريا, شملت قرارات تنفيذية, وإدراجا لأفراد ,علي قوائم تسمح بتجميد كل ما لديهم من أصول مالية علي الأراضي الأمريكية] من بينهم الأسد نفسه. وحاليا, تم وصم معظم المدرجين بانتهاكات لحقوق الإنسان وليس لسلوك سوريا الإقليمي. كما تم استهداف جهاز الأمن بأكمله مما يجعل أفراده منبوذين دوليا. وعلي الرغم من أنه قد لا تكون هناك أية أصول لهؤلاء المسئولين في الولايات المتحدة إلا أن قيام دول الاتحاد الأوربي وغيرها بوضع عقوبات مماثلة سوف تجعل الأمر أكثر صعوبة لكي يستثمر أفراد هذا النظام في الخارج.
والآن تحتاج واشنطن إلي وضع خطة لإنهاء نظام الأسد, سواء من خلال اتفاق لتقاسم السلطة أو انهيار النظام بصورة تامة. وفي كلتا الحالتين ينبغي علي واشنطن أن تساعد المعارضة علي وضع خطة لمستقبل بدون الأسد.
روبرت ساتلوف
كرر خطاب الرئيس أوباما العديد من المواقف الأمريكية السابقة تجاه عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية, بما فيها انتقادات لحركة حماس وأسف علي ,استمرار] النشاط الاستيطاني الإسرائيلي, وتحذيرات من جهود فلسطينية للتحايل علي المفاوضات عن طريق الأمم المتحدة. إن الموضوع الذي كان جديدا هو مصادقة الرئيس الأمريكي الرسمية علي أسلوب المفاوضات الذي يستند علي مناقشة الحدود والأمن أولا, وتفصيله لأطر الحل النهائي لهذه المواضيع. وتحديدا, شمل ذلك بقوله أن السياسة الأمريكية تتصور الآن تركيز الحدود النهائية بين إسرائيل ودولة فلسطينية علي حدود عام 1967 مع مقايضات للأراضي متفق عليها بين الجانبين, وانسحاب ##كامل, وعلي مراحل## لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي. والنتيجة كما قال هي دولة فلسطينية لها حدود دولية مع مصر والأردن وإسرائيل.
ويشكل هذا التفصيل للرؤية الأمريكية ابتعادا مهما عن الصيغ الرسمية السابقة. فعلي الرغم من النقاشات والمفاوضات السرية إلا أن الموقف الأمريكي تمثل دائما بأن قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي ترتكز عليه عملية السلام, قد تصور تعريف حدود ##آمنة ومعترف بها## مختلفة عن حدود عام .1967 وعلاوة علي ذلك, فعلي مدي العقود الأربعة منذ الموافقة علي القرار كان الفهم الأمريكي الثابت هو أن ترسيم الحدود لإصلاح أوجه القصور الأمني التي شجعت علي اندلاع حرب 1967 قد تطلب تحريك الحدود باتجاه الشرق. ولم يحدث من قبل أن أكد رئيس أمريكي علانية أثناء فترة رئاسته بأن إصلاح حدود عام 1967 يتطلب من إسرائيل التنازل عن أراضي ما قبل .1967 إن فكرة المقايضة التي تطورت لتلبية المطالب الإسرائيلية عن طريق دمج كتل استيطانية معينة هي ليست فكرة جديدة, وربما تكون في الحقيقة المفتاح الذي يختاره الإسرائيليون والفلسطينيون لحل نزاعهم. لكن هذه هي المرة الأولي التي تحظي فيها هذه الفكرة موافقة علنية من البيت الأبيض. (للمزيد عن قضية تبادل الأرض انظر مشروع الخريطة الحديث لديفيد ماكوفسكي بعنوان: ##تصور الحدود: خيارات لحل قضية الأراضي الإسرائيلية-الفلسطينية##).
وبصورة أعم يؤكد تفسير تعليقات الرئيس الأمريكي علي عملية السلام بأنه قد وجد فارقا جديدا في رؤيته للعلاقة الأمنية والسياسية مع إسرائيل. فطوال الفترة التي قضاها في منصبه حتي الآن, كان قد مال إلي فصل الشراكة الاستراتيجية – التي هي علاقة قوية – عن العلاقة المرتبطة بالسياسة وعملية السلام — التي هي علاقة متوترة. لكن من الواضح أن هناك جوانب استراتيجية قوية لعملية السلام, ليس أقلها هو الاضمحلال في قوة الردع الإسرائيلية نتيجة الانشقاقات في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية تجاه قضية مهمة مثل التعريف النهائي لحدود إسرائيل.
وفيما يخص عملية السلام نفسها كرر الرئيس أوباما دعوات الرئيس كلينتون حول قيام دولة فلسطينية ##غير ذات طابع عسكري##, وانسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي ##علي مراحل## من الأراضي الفلسطينية, لكنه أدخل الفكرة الجديدة, وهي انسحاب ##كامل## لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي, رافضا من الناحية العملية الاقتراح من فترة كلينتون حول وجود مفتوح الأجل للجيش الإسرائيلي في ثلاث ##منشآت## داخل الضفة الغربية. وعلاوة علي ذلك, لم يذكر اللاجئين كما لو كانت القضية عاطفية بحتة دون مكون أمني. إن مسيرة اللاجئين علي الحدود الإسرائيلية في الأسبوع الماضي قد أبرزت ذلك التحدي الأمني بمنتهي الوضوح.
وعموما, كرس الرئيس الأمريكي قدرا عظيما من خطابه المتعلق بـ ##رياح التغيير## إلي عملية السلام, مما أدي إلي صرف الانتباه عن الفكرة الرئيسية للخطاب – وهي الديمقراطية والإصلاح – واتهامه القادة العرب بما ارتكبوه علي مدي سنوات. وفي خطابه في القاهرة في يونيو 2009, كانت عملية السلام واحدة من بين سبعة بنود علي أجندته; ومع ذلك, ففي خطابه في 19 مايو, كانت العملية واحدة من ثلاثة مواضيع فقط. وفي الحقيقة, خصص الرئيس أوباما 1200 كلمة لعملية السلام يوم الخميس, أي بزيادة 20 بالمائة عما قاله حول هذا الموضوع في القاهرة.
واللافت أن الرئيس الأمريكي لم يعرض في الحقيقة أساسا منطقيا لاستمرار التركيز والإلحاح علي عملية السلام. فقبل عامين قال إن عملية السلام المتوقفة كانت مصدرا رئيسيا للتوتر بين المسلمين والغرب, لكن نظرا لعدم وجود علاقة تذكر بين الانتفاضات العربية الأخيرة وإسرائيل, لم يكرر إدعاءه هذا في خطابه يوم الخميس. وبدلا من ذلك, تحدث عن إرهاق المجتمع الدولي من عملية فشلت في تحقيق نتائج. وعلاوة علي ذلك, بعد أن أدخل مجموعة من الأفكار الجديدة, لم يعرض آلية جديدة – مثل تعيين مبعوث جديد أو القيام بزيارة إلي الشرق الأوسط أو عقد قمة تفاوضية – لكي تترجم تلك الأفكار إلي أفعال. وبدلا من ذلك, أطلق ببساطة تلك الأفكار علي الأثير.
أعد موجز هذا المقرر أندرو إينجل.
معهد واشنطن