تحدثنا في العدد السابق عن 4 أنواع من المحبة وهي:
1- المحبة الجسدية 2- المحبة العاطفية 3- المحبة العقلانية 4- المحبة الروحانية.
ونستكمل حديثنا اليوم عن:
5-المحبة الزوجية 6-محبة الأعداء 7- المحبة الإلهية
5-المحبة الزوجية:
وهذه محبة خاصة أعطاها الرب لكل من دعاهم للزواج المقدس وهم غالبية البشر, فالبتولية لعدد قليل ممن دعاهم الرب لذلك, سر الزيجة هو السر الذي فيهيجمع الله الزوجين ليصيرا واحدا. فقد قال الرب يسوع بفمه الطاهر:الذي جمعه الله لا يفرقه إنسان(مت19:6), والزواج المقدسيكون الاثنان جسدا واحدا(مت19:5). ولهذا صاح الرسول بولس قائلا:هذا السر عظيم, وشبه الزواج المقدس باتحاد المسيح بالكنيسة(أف5:22).
ولهذا يحرص طقس سر الزيجة أن نقرأ فصلين:
أفسس5: هذا السر عظيم…يقصد الرسول بولس عظمة سر الزواج.
متي:19الذي جمعه الله لايفرقه إنسان ليعرف الجميع أن هذا سر مقدس, يوحد فيه الروح القدس العروسين, ليصيرا واحدا في الرب.
ولهذا نرفض الاكتفاء بزواج مدني دون زواج كنسي, فالذي يجمع الزوجين في عرفنا المسيحي والكنسي هوالله وليس موظف السجل المدني. نعم نحن نوثق الزواج الكنسي مدنيا بحسب نظام الدولة وقوانينها, ولكننا نحرص علي عمل روح الله في هذا السر المقدس, وحضور المسيح في البيت, فنهتم بكنيسة الزواج كسر مقدس. باركه الرب بحضور عرس قانا الجليل(يو2:1-11) وقال عنه الرسول:ليكن الزواج مكرما عند كل واحد والمضجع غير نجس(عب13:4).
والمحبة الزوجية المقدسة فيها كل أنواع المحبة السابقة, وبأسلوب مقدس وطاهر, ولسان حال الأسرة الجديدة يقول:
المسيح هو رب هذا البيت,
والضيف غير المنظور علي المائدة,
والمستمع الصامت لكل حديث
ويحرص الطقس الكنسي أن يرتدي العروسان ملابس كنسية, ليعرفا أنهما بصدد تكوين كنيسة صغيرة, فيها يتمجد اسم الله, ويرتفع صوت التسبيح, ويزداد عدد القديسين بزوجين مقدسين, وأطفال يتربون في محبة الله ومخافته.
6- محبة الإعداء:
وهذه قمة حياة المحبة لدي البشر, حين يحب الإنسان عدوهمن قلب طاهر بشدة(1بط1:22). ذلك لأنها محبة مستحيلة علي البشر, ولكنها ممكنة فقط, حينما نقتني قلب المسيح,الذي أظهر محبته لنا, إذ أنناونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا(رو5:8). وهذه هي المحبة: ليس أننا نحن أحببنا الله, بل أنه هو أحبنا, وأرسل ابنه كفارة لخطايانا(1يو4:10)…ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه(يو15:13).
ونحن نشكر الرب يسوع لأنه وضع نفسه ليس عن أحبائه, نعم هو يحبنا, أما نحن قد كنا أعداء, ولكننا صولحنا مع الله بموت ابنه(آلية)…علامة الصلح بدم صليبه(كو1:20), فهوسلامنا, الذي جعل الاثنين واحدا(أف 2:14)…وهكذايصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلا العداوة به (أف2:16).
ومحبة الأعداء ليست هي فقط محبة المشاعر, ولا محبة الكلام, ولا حتي محبة الخدمة وتقديم أعمال طيبة للآخرين, بل هي محبة باذلة, ليست فقط لنصف لتر من الدم يحتاجه أخي, بل بذل كل الدم من أجله.
إنها محبة بالرغم من وليست محبة لأن…فالمحبةلأن أخي يحبني, ويعاملني معاملة طيبة, ولا يتأخر عن خدمتي…هذه محبة إنسانية عادية. أما المحبةبالرغم من من أنه لايحبني, وربما يؤذيني, ويأخذ حقي…فهذه المحبة المسيحية الحقيقية لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا(رو5:5).
هذه هي المحبة الحقيقية القادمة من الله كلي المحبة, تنسكب في قلوبنا بغزارة, وتفيض علي الجميع, ورغم كل شئ!!
هكذا أحب المسيح صالبيه…وغفر لهم!!
وهكذا أحب اسطفانوس راجميه…وصفح عنهم!!
7-المحبة الإلهية:
هنا ندخل إلي محراب آخر, محراب الألوهة, حيث إلهنا غير المحدود واللانهائي, والذي كل ما عنده غير محدود ولا نهائي.
فهو قادر علي كل شئ وحكمته لا نهائية ومحبته غير محدودة.
وهي المحبة التي أوصانا الرسول بولس أن نتعرف عليها قائلا:ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم, وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة, حتي تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين, ماهو العرض والطول والعمق والعلو, وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة, لكي تمتلئوا إلي كل ملء الله(أف3:17-19). الرسول يدعونا إلي التعرف علي هذه المحبة الإلهية, غير المحدودة في طولها(عبر الدهور) وعرضها(كل البشر) وعمقها (يرفع الخطاة من المزبلة) وعلوها (يصعد بهم إلي سماء المجد). فإذا قلنا كيف للبشر أن يدركوا هذا الحب اللانهائي, يجيبنا الرسول قائلا, بالرب يسوعالقادر أن يفعل فوق كل شئ, أكثر جدا مما نطلب أو نفتكر, بحسب القوة التي تعمل فينا(أف3:20).
نحن نحب الأعداء بقلب المسيح الذي يسكن فينا, وبنعمته العاملة في ضعفنا…وغير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله(لو18:27).
إن محبة المسيئين والظالمين تغير قلوبهم وتجعل من الأعداء أصدقاء:إذا أرضت الرب طرق إنسان, جعل أعداءه أيضا يسالمونه(أم16:7)…لايغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير(رو12:21)…وهكذا تنطفئ نيران الحقد, لتشتعل شموع المحبة!!!
تعالوا يا أحبائي نصعد درجات سلم المحبة, فنرفض المحبة الجسدية, ولا نكتفي بالمحبة العاطفية أو العقلانية, بل نحب الجميع محبة روحانية (أغابي)…وإن كانت غالبية البشر مدعوة للزواج, فلتكن بين كل زوجين محبة باذلة اتحادية, أما إن اضطهدنا آخرون, فنحن نحبهم لنغيرهم, ويصيروا أصدقاء.
وهذا كله مستحيل, مالم تنسكب المحبة الإلهية في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا.
وخير ما نختم به وصية الرسول يوحنا الحبيب, الذي لم يكف أن يرددها حتي آخر أيام حياته علي الأرض, التي بلغت قرب قرن كامل, إذ كانوا يحضرونه علي مقعد إلي الكنيسة, فيقول وصيته الخالدة:إيها الأحباء لنحب بعضنا بعضا(1يو4:7) ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه(يو4:16).