لاشك أن المحبة الإلهية تقف علي رأس السلم, لأنه إذا أردنا أن نشبه المحبة بسلم فيه 7درجات, فالمحبة الإلهية تقف علي القمة, أما أدني السلم فتقف المحبة الجسدية, فتعالوا نصعد السلم من أدناه إلي أعلاه.
1-المحبة الجسدية:وهذه أدني درجات المحبة, بل أنها ليست محبة بل شهوة, وتسمي باليونانيةإيروس إنها المحبة التي أسقطت شمشون من رتبة قاض من قضاة بني إسرائيل, إلي شخص يدير الطاحونة في بيت السحن, مقيدا بالسلاسل, وذلك بعد أن قلعوا عينيه(قضاة16:21). فالشهوة-بالفعل-تعمي عقل الإنسان وتجعله ينزل إلي مراتب دنيا. نفس الأمر حدث مع أمنون الذي قال:إني أحب ثامار(2صم13:4), وكانت محبته جسدية, انتهت إلي أنهأبغضها بغضة شديدة جدا, حتي أن البغضة التي أبغضها إياها, كانت أشد من المحبة التي أحبها إياها(2صم13:15) قائلا لخادمه:اطرد هذه عني خارجا واقفل الباب وراءها(2صم:13:17).
إنهاالمحبة التي تأخذ دون أن تعطي, وهي محبة اللذة التي تعقبها الندامة والإحساس بالذنب(Sense of guilt).
2-المحبة العاطفية: وهذه أفضل قليلا, إلا أنها مرتبطة بالنفس الإنسانية, فالعاطفة أحد مكونات الجهاز النفسي للإنسان. وهذه المكونات هي خمسة:
أ-الغرائز: كغريزة الخوف والجوع والعطش والاقتناء والجسد….إلخ.
ب-الحاجات النفسية: كالحاجة إلي الحب, والأمن, والانتماء, والنجاح, والتقدير, والمرجعية…
وهذان المكونان:الغرائز والحاجات النفسية, هما موروثان في الكيان الإنساني, نولد بهما.
وهناك 3عناصر أخريمكتسبة, نكتسبها يوما فيوما في مسيرة الحياة وهي: العواطف والعادات والاتجاهات.
ج-العواطف: والعاطفة انفعال يتكرر فيثبت, نحو شخص أو شئ أو قيمة. أي أن يحس الإنسان بسعادة داخلية عند مقابلة شخص معين, أو عند التفكير في شئ معين(كالمال), أو في قيمة معينة(كالشهامة)….وحين يتكرر هذا الانفعال يثبت فينا في شكل عاطفة, هذه العاطفة قد تكون إيجابية(نحو ما هو إيجابي), أو سلبية(نحو ماهو سلبي).
د-العادات: والعادة تتكون لدي الإنسان من تكرار ممارسة معينة, وقد تكون إيجابية(مثل عادة الصلاة أو قراءة الإنجيل أو التناول) وقد تكون سلبية (كالتدخين والكلام السلبي وغير ذلك).
هـ-الاتجاهات: وهي توجهات الإنسان وخطوط حياته, وهذه أيضا بحسب ما يريد الإنسان, فإما أن تكون اتجاهات إيجابية(كالاتجاه الروحي أو الدراسي أو الثقافي أو خدمة الآخرين) أو سلبية(كالاتجاه لجمع المال أو ممارسة الرذيلة أو الإدمان بأنواعه المختلفة).
المحبة العاطفية-إذن-هي أسمي من الجسدية, ولكنها إذا لم ترتفع إلي مستوي العقل والروح, سرعان ما تهبط إلي مستوي الجسد والخطيئة وهذا يجعلنا نصعد درجة أخري لنصل إلي المحبة العقلانية…
3-المحبة العقلانية:
وهي المحبة المبنية علي دراسة وتحليل ووعي وعقلانية…بحسابات جيدة, تدرك الأمور الصحيحة وتميزها عن الأمور الخاطئة.
وكلمةعقل معناهارباط وليس فقط معناها الفهم. أي أن الفهم السليم يقود إليربط وضبط المشاعر العاطفية والغرائز والجسد.
لهذا فما أجمل أن يشبع شبابنا بدراسات فكرية وثقافية, بالإضافة إلي الدراسات الدينية والكنسية, فيدرس الكتاب المقدس, والروحيات, العقائد, والطقوس, والتاريخ الكنسي, وأقوال الآباء…فهذه كلها تنمي الفكر والشخصية وتشحن العقل بمواد إيجابية, فلا ينغمس في السلبيات. وقديما قالوا لنا:عقل الكسلان معمل للشيطان.
من هناك تصير: الثقافة الكتابية . والثقافة الكنسية. والثقافة العامة.
مقومات ثلاثة للعقل المسيحي الكنسي المثقف. فإذا ما أحب إنسانا أو شيئا أو قيمة سيختار كل ما هو إيجابي وبناء ويبتعد عن كل ماهو سلبي وهدام….فهو بالعقل يضبط العاطفة والجسد معا.
4-المحبة الروحية:
وهذه أسمي كثيرا من المحبة العاطفية, والمحبة العقلية, لأنها محبة نابعة من الروح التي في داخلنا. والروح هي العنصر الإلهي الذي به نتصل بالسماء, وندخل في عشرة مع الله. ومع أن الإنسان الطبيعي لديه حرب داخلية بين الجسد والروح, إلا أن الإنسان الروحي يستطيع بعقله المستنير وروحه الشبعانة بالله, أن يضبط كيانه الداخلي كله, في اتجاه ما يرضي الرب, ويبني الإنسان.
وقد علمنا قداسة البابا قائلا:الإنسان الروحي هو الإنسان الذي روحه تقود جسده, وروح الله يقود روحه…وهكذا بالصلاة والشبع بوسائط النعمة, يختبر قول الحكيم:النفس الشبعانة تدوس العسل(أم 27:7).
الروح الشبعانة تحب الآخرين بأسلوب روحي, مقدس ونقي, محبة روحيةأغابي.
وهكذا بالروح والعقل نضبط ونقدس العاطفة والجسد. إنها المحبة التي ينبغي أن نسلك بها مع جميع الناس:الأصدقاء والزملاء, الأقارب وغير الأقارب…وهي التي طالما نصحنا بها معلمنا يوحنا الحبييب حين قال:
نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلي الحياة,لأننا نحب الأخوة(1يو3:15).
من لايحب أخاه يبقي في الموت(1يو3:15).
إن أحب بعضنا بعضا, فالله يثبت فينا(1يو4:12).
الله محبة, ومن يثبت في المحبة يثبت في الله, والله فيه(1يو4:16).
(يتبع)