ما إن تسير في شوارع الولايات المتحدة ويعرف الأمريكيون أنك مصري, إلا ويسألونك بشغف عن الأحداث المتلاحقة التي تجري في مصر الآن, أسئلة من قبيل: من المسئول عن المظاهرات الجارية الآن؟ .. ما مستقبل علاقاتكم من الولايات المتحدة وإسرائيل؟ .. ما هي فرص قيام ديموقراطية حقيقية في مصر؟ .. من الذي سيقود البلاد في الفترة القادمة؟ وما دور الجيش وجماعة الإخوان فيما يحدث الآن؟ .. تساؤلات تدور في ذهن المواطن الأمريكي العادي الذي وجد فجأة الشأن المصري يطفو في صدارة متابعات القنوات التليفزيونية الإخبارية وافتتاحيات أغلب الصحف الأمريكية سواء الشهيرة عبر الولايات المختلفة أو المحلية محدودة الانتشار في المدن الصغيرة. حاولت الصحف الأمريكية طوال أيام الأزمة الأخيرة تحليل الأحداث المتلاحقة ومحاولة تفسير التوجه الأمريكي الرسمي تجاهها والتنبؤ بما يمكن أن تسفر عنه الأيام القادمة.
موقف إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وصف بالتردد والارتباك في التعامل مع المظاهرات الضخمة التي تدور في مصر. تقول مجلة ##فورين بوليسي## إن أوباما وفريقه دعموا الرئيس مبارك في بداية الأزمة, وعبر عن ذلك نائب الرئيس جون بايدن الذي قال للمجلة إن مبارك يعد حليفا رئيسيا لواشنطن في أشياء عديدة, فهو مصدر استقرار يساهم في الحفاظ علي التوازن السياسي في الشرق الأوسط بفضل جهوده لدعم السلام في المنطقة والخطوات التي قام بها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل, مؤكدا أنه لا يمكن أن يشير إليه أبدا بأنه ##ديكتاتور##.
وبدأت الإدارة الأمريكية في تغيير موقفها تدريجيا حتي وصلت إلي النقيض بمطالبة مبارك بالرحيل وتمهيد انتقال السلطة الآن بدلا من الانتظار لشهر سبتمبر المقبل. وتشير جريدة ##شيكاغو تريبيون## في افتتاحيتها إلي أنه بالرغم من أن واشنطن لا تستطيع التحكم فيما يحدث وفرض رؤيتها الأخيرة, لكنها تمتلك بعض النفوذ, الذي يتمثل في المعونة الاقتصادية وتقدر سنويا بنحو 1.5 مليار دولار أغلبها يذهب لصالح الجيش, وتضيف أن أوباما لابد أن يستخدم هذا النفوذ لإقناع مبارك بأن حكمه قد ولي وأن قيامه بنقل السلطة الآن ربما يساعد من اختاره لخلافته في السيطرة علي زمام الأمور.
هذا التردد والارتباك في الموقف الأمريكي تفسره جريدة ##لوس أنجلوس تايمز## بأنه يرجع إلي تباين مواقف وآراء المسئولين السياسيين في واشنطن في كيفية التعامل مع الأزمة, ففي حين يحذر البعض من إبعاد مبارك الذي يعد لاعبا أساسيا في محاربة التطرف الإسلامي والحفاظ علي السلام مع إسرائيل, يخشي البعض الآخر من تذمر المتظاهرين ضد الولايات المتحدة, ويشير هؤلاء إلي أن الرهان علي مبارك ربما يكون مقامرة تكرر بها واشنطن الخطأ الذي ارتكبته مع إيران عام 1979, حينما دعمت الشاه الإيراني علي حساب الثوار مما أدي إلي أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران في ذاك الوقت, فضلا عن قيام نظام معاد للولايات المتحدة من وقتها وحتي الآن.
العلاقات مع إسرائيل
من جانبه يوضح الكاتب الأمريكي المعروف توماس فريدمان في مقاله بجريدة ##نيويورك تايمز## أن إسرائيل ستتأثر بما يحدث الآن في مصر, مؤكدا تنامي القلق في إسرئيل من إمكانية انهيار معاهدة السلام مع مصر والتي كانت, بحسب فريدمان, بمثابة الأساس غير الرسمي الذي قامت عليه السياسات الإسرائيلية خلال الـ 35 عاما الماضية. أضاف الكاتب أنه علاوة علي ذلك قد تجبر إسرائيل علي توقيع اتفاق سلام حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التملص منه خلال السنتين الماضيتين. ويستند فريدمان في رؤيته إلي أن الحكومة المصرية القادمة لن تتحلي بالصبر مع اسرائيل – مثلما فعل مبارك – في حالة عدم قيام الأخيرة بجهد كاف لتحقيق السلام, ويشير إلي أن هذه الحكومة ستبتعد عن إسرائيل لأنها لن تكون في حاجة إلي مراهنة علي علاقات وثيقة بدون ضامن وهو ما قد يثير حفيظة المصريين وقتها.
سيناريوهات الأزمة
حول سيناريوهات الأزمة الحالية, يري المفكر الشهير فرانسيس فوكوياما في مقال بجريدة ##وول ستريت جورنال## أنه إذا غادر مبارك ومساعدوه السلطة الآن فهذا لا يعني أن الديموقراطية ستتحقق في مصر مع أول انتخابات حرة ونزيهة تجري في البلاد, مشيرا إلي أن التجارب السابقة في كل من جورجيا وأوكرانيا وقيرغستان, حتي التجارب التي تدخلت فيها أمريكا في العراق وأفغانستان, لم تحقق في البداية النتائج المرجوة لخلق حكم ديموقراطي فعال, ويعتقد فوكوياما أن أكثر القوي المنظمة مصر الآن هما الجيش وحركة الإخوان المسلمين, أما المصريون الليبراليون الذين يريدون مستقبلا ديموقراطيا فعليهم أن يقوموا بتنظيم أنفسهم إذا أرادوا أن يلعبوا دورا في الفترة المقبلة.
يقول الكاتب إن تأخر سعي العالم العربي نحو الديموقراطية عن دول آسيا وأوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية وحتي بعض الدول الأفريقية يعود إلي قادة الدول العربية نفسهم بدرجة كبيرة, ويطرح مثالا بالرئيس مبارك الذي لاحق المعارضة الليبرالية في مصر وقلم أظافرها, بينما أتاح الفرصة للإخوان للمشاركة بدرجة معينة حتي يخيف الولايات المتحدة والدول الغربية.
أما جريدة ##واشنطن بوست## فتتساءل هل يمكن حدوث التغيير في مصر طالما ظل مبارك في الحكم؟ وتقول إن المتظاهرين والمعارضة التي تشكلت من جماعات معتدلة, في البداية, تطالب كلها برحيل مبارك حالا وفي حالة تمسكه بالسلطة فإنها قد تتحول نحو مطالب راديكالية ويسيطر عليها المتطرفون. وتري أن سبعة أشهر ستعرقل الاصلاح التي تطالب به الإدارة الأمريكية والمعارضة.
الإخوان والحكم
علي الجانب الآخر يتناول الكاتب ماجيد نواز في مقاله بجريدة ##وول ستريت جورنال## مدي إمكانية وصول جماعة الإخوان المسلمين إلي الحكم في مصر. يقول الكاتب – الباكستاني الأصل – إنه كان معتقلا في مصر لمدة أربع سنوات في سجن للنشطاء الإسلاميين, قبل أن يعدل عن الاتجاه الإسلامي بعد ذلك. يضيف أنه زامل في نفس الزنزانة كلا من محمد بديع المرشد الحالي لجماعة الإخوان وعبد المنعم أبو الفتوح القيادي في الجماعة. ومن خلال تعايشه مع بعض هذه القيادات يري نواز أنه لايوجد بينهم من يمتلك الحضور أو المكانة التي تؤهله لتوحيد الشعب خلفه مثلما استطاع الخوميني أن يخطف السلطة في طهران, ويواصل بأن أشخاصا مثل عمرو موسي أو محمد البرادعي أو أيمن نور يمتلكون حضورا بين الناس أفضل مما يمتلكه قادة الإخوان.
ويوضح الكاتب أن الإخوان في عهد مبارك كان يمكنهم أن يزيدوا من تواجدهم في البرلمان, لكن في مصر – التعددية, الوطنية, الجديدة – علي الأرجح سيرفض الشعب أية محاولات منهم للانفراد بالسلطة واغتصابها, مضيفا أن علي صانعي السياسة في مصر أن يضغطوا علي الجماعة لإخماد مواقفها المتطرفة إذا ما أصبحت قوة شرعية في الفترة المقبلة.