جالت حكاياتألف ليلة وليلة جميع أنحاء العالم, وتأثر بها عدد لا يحصي من كتاب العالم, ومن هؤلاء الشاعر الألماني جوته الذي استلهم حكايات شهرزاد في عمله الروائيفيلهلم مايستر وكذلك الكاتب الفرنسيفولتير والأرجنتينيخورخي لويس بورخيس, غير أن ألف ليلة وليلة أثارت ومازالت تثير جدلا كبيرا في الشرق بسبب العبارات والإيحاءات الجنسية الواردة فيها, وقد وصلت هذه الانتقادات حدا جعل البعض يعلن عداءه لهذا الكتاب.
ولعل هذا ما جعل عددا من المحامين, يطلقون علي أنفسهمرابطة محامين بلا قيود يقومون بتقديم بلاغ للنائب العام, طالبوا فيه بمصادرة كتابألف ليلة وليلة وحبس ناشريه بالهيئة العامة لقصور الثقافة, بزعم أن الكتاب يخدش الحياء العام, وطالب المحامون في بلاغهم بالتحقيق مع الدكتور أحمد مجاهد, رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة, والأديب جمال الغيطاني وجمال العسكري وسعد عبد الرحمن وسوزان عبد الرحمن, بصفتهم المسئولين عن سلسلة الذخائر التي تصدر عن الهيئة, ومحاكمتهم بموجب المادة178 من قانون العقوبات المصري, التي تعاقب بالحبس لمدة سنتين والغرامة لكل من ينشر مطبوعات أو صورا خادشة للحياء العام, واعتبار الكتاب الصادر في جزءين دليلا ضدهم.
والجدير بالذكر أن سلسلةالذخائر تم إصدارها في التسعينيات من القرن الماضي لنشر النصوص التراثية النادرة التي لم تعد تطبع.
التعامل مع التراث بشكل غرائزي
وعلي صعيد آخر رفض أدباء مصر ما اعتبروه تربصا بالإبداع والمبدعين من خلال المطالبة بمصادرة كتاب ألف ليلة وليلة الذي صدرت منه طبعة جديدة, وقال بيان أصدره مؤتمر أدباء مصر: إن الأدباء يرفضون رفضا قاطعا محاولات البعض مصادرة الطبعة الجديدة من ألف ليلة وليلة, وطالب الأدباء النائب العام بحفظ هذا البلاغ امتدادا لروح مصر الحضارية وتاريخ قضائها أسوة بالحكم التاريخي الذي أصدرته دائرة الاستئناف بمحكمة شمال القاهرة بعد مطالبة أعضاء في مجلس الشعب بمصادرة الكتاب.
كما أدان وزير الثقافة فاروق حسني فكرة حظر نشر وطباعة الكتاب, موضحا أن التعامل مع التراث بهذا الشكل الغرائزي, يعني أن نقوم بتكسير الآثار الفرعونية التي يوجد بها بعض التماثيل والنقوش للإلهمين إله الخصوبة وفق المعتقد الفرعوني, مؤكدا علي أنه لن يسمح بحظر هذا العمل الذي ينتمي للتراث الإنساني.
ومن ناحية أخري قرر الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة إعادة طبع دراسة الكاتبة الراحلة سهير القلماوي عنألف ليلة وليلة حيث تعد هذه الدراسة التي تمت عام 1941 هي الأولي من نوعها, وأشرف عليها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين, ونالت عنها الباحثة درجة الدكتوراة, حيث تحاول هذه الدراسة التدليل علي أن أصولألف ليلة وليلة عربية ولم تؤثر بعض المفردات والحكايات التي تسربت إليها في إلغاء هوتيها العربية. بينما جاء رد جمال الغيطاني علي هذه الدعوي بأنها جزء من الحملة الدعائية ضد المثقفين,مشددا علي أن ألف ليلة وليلة أشهر تعبير عن الأدب الشعبي والعربي, كما أنها جزء من الأدب الإنساني العالمي, مثلها مثلالإلياذة والأوديسة كما أن هناك اهتماما عالميا بهذا العمل لذلك فالدفاع عن هذا الكتاب واجب المثقفين في جميع أنحاء العالم.
ألف خرافة…نواة ألف ليلة وليلة
بحث المستشرقملر في تاريخ ألف ليلة وليلة, وكان أول من فطن إلي أنه يتكون من أجزاء, وقسم قصص الكتاب إلي ثلاثة أجزاء, الأول نواة الكتاب ويشمل القصص التي أخذت من كتاب فارسي يسميألف خرافة مثل قصة الملك شهريار وأخيه شاه الزمان, والصياد والجني, وحكاية الحصان المسحور, وسيف الملوك, وحكاية قمر الزمان, وغيرها من الأساطير التي يرجع أصلها إلي الأساطير الهندية والفارسية, وقد ترجمت هذه القصص إلي العربية في القرن الثالث الهجري. أما القسم الثاني من الكتاب فهي القصص التي وضعت في بغداد, ومنها قصص هارون الرشيد, وأبي نواس, والقصص التي تتناول حياة الجواري والأنس والطرب, وحكايات الحب والهيام, والقصص التي تصف الحضارة العباسية وما كان في العرق من عمران. وأخيرا القسم الثالث, وهي القصص التي أضيفت إلي الكتاب في مصر, وهي تمتاز بروحها الشعبية ولغتها السهلة كحكاية الوزيرين نور الدين وشمس الدين, ومزين بغداد, وعلي بابا والأربعين حرامي وعلاء الدين, ومعروف الإسكافي. وقد أجمع كثير من الباحثين علي أن النصوص العربية لألف ليلة وليلة التي انتهت إلينا في التاريخ الحديث قد أخذت عن النص المصري الذي طبعت منه أول طبعة في مطبعة بولاق عام1835 حيث جمع مخطوطاته شيخ مصري لم يستدل علي اسمه.
ذخيرة أدبية ضخمة
والمتتبع لفن القصة يجد أن عشاقها ورجال الأدب في العصر الحديث يهتمون بهذا الكتاب الذي يزخر بأكبر مجموعة قصصية عربية, تمتاز بالصراحة وصدق التعبير, وخصب الخيال, والتصوير البديع, والأساطير الجذابة والعواطف الجياشة, والشخصيات الرائعة والمغامرات الباهرة والأجواء الساحرة التي يعيش فيها القارئ كأنما يعيش في أحلام لذيذة, حقا فإن ألف ليلة وليلة تمثل صورة تاريخية صادقة لحياة المجتمع الشرقي في القرون الوسطي, وما كان عليه أهله من طبائع وعادات, وما كان لهم من اخيلة وأفكار, وعقائد وآراء, وبسالة المحاربين والذود عن الدين, وما كان لهم من آراء حول المرأة, ومن أجل كل هذا بدأ الغربيون منذ أوائل القرن التاسع عشر يهتمون بقصص ألف ليلة وليلة, يعدونها ذخيرة أدبية ضخمة حتي إن فولتير قال عنها:إنني لم أزاول فن القصة إلا بعد ما قرأت ألف ليلة وليلة أربع عشرة مرة. أما القصاص الفرنسياستندال فتمني أن يمحو الله من ذاكرته ألف ليلة وليلة ليعيد قراءتها فيستعيد لذته.
شهريار…وحكايات شهرزاد
تبدأ الليالي بقصة الملك شهريار الذي يعلم بخيانة زوجته له فيأمر بقتلها وقطع رأسها, وأن ينذر علي أن يتزوج كل ليلة فتاة من مدينته ويقطع رأسها في الصباح انتقاما من النساء. حتي أتي يوم لم يجد فيه الملك من يتزوجها, فيعلم أن وزيره لديه بنت نابغة اسمها شهرزاد, فقرر أن يتزوجها وتقبل هي بذلك, وتطلب شهرزاد من أختها دنيازاد أن تأتي إلي بيت الملك وتطلب من أختها أن تقص عليها وعلي الملك قصة أخيرة قبل موتها في صباح ذلك اليوم, فتفعل أختها دنيازاد ما طلب منها, وفي تلك الليلة قصت عليهما شهرزاد قصة لم تنهه, وطلبت من الملك أنه لو أبقاها حية فستقص عليه بقية القصة في الليلة التالية, وهكذا بدأت شهرزاد في سرد قصص مترابطة بحيث تكمل كل قصة في الليلة التي تليها حتي وصلت بهم الليالي ألفا وليلة واحدة,فوقع الملك في حبها وأبقاها زوجة له, وتاب عن قتل الفتيات, واحتفلت مدينة الملك بذلك لمدة ثلاثة أيام.