* أعتقد اليوم أنه من حقي أن أقول وبعد مرور سبع سنوات علي إنشاء المسرح القبطي في مصر,أنه صار كيانا متكاملا خالصا -قد تنقصه الإمكانات وفرص العرض والاشتراك في المهرجانات المعروفة أو الكبري- إلا أنه بصورة أو بأخري شكل نفسه ورسم صورة تحمل كتلة من المفاهيم الجديدة,أولها وأهمها أنه مسرح ليس منعزل عن السائد -وثانيها أنه- أي المسرح القبطي- وإن كان يمثل بحكم التسمية هدفا قبطيا.فهو يرمي إلي التنوير العام بحيث إنه يندمج مع المجتمع ويعطي قاعدة بلاغية للفعل الحضاري.وهي ألا تخطئ أو لا تتخلف والنهي عن الخطأ لا يعني نفيه,فلقد أصابت نصوص مسرحية كثيرة في مضمار حديثنا,وصححت أمام الجماهير مفاهيم كانت لاصقة في الأذهان فأفادت الأجيال.
بين دقلديانوس والإرهاب
في إطار عروض المسرح القبطي تأتي مسرحية ”أقوي الفرسان”.تأليف الأديب منتصر ثابت.وهو مسرحي راسخ مهموم بمشاكلنا ومتابع عن قرب قضايا الوطن قديما وحديثا.يتناول في العرض رؤية معاصرة لسيرة أمير الشهداء مارجرجس الروماني.ثم يتناول التفرقة التي أصابت الجسد المسيحي الواحد وشتتت بين صفوفه.يربط النص بين دقلديانوس والإرهاب وكلاهما يطيح بالحقيقة ويطمس العدل.وقد تأثر الفكر الإنساني بصفة عامة في التراث المصري قديما وحديثا -بهذه المبادئ فاصطنع المنطق,واتخذ من القياس والتأويل آداتين لتفسير تمرد الشعب علي بعض قرارات الحكام,ولهذا مردود منذ الفراعنة,منذ اعترافات الفلاح الفصيح وقصائد ”حوت حورس” التي ترجمها الفرنسي ”روبرت باشير” في نهايات القرن الثامن عشر ونقلها إلي اللغة العربية الدكتور لويس بشارة.وصولا إلي مسرحنا الحديث الذي اتفق علي أنه أدب المقاومة.
مسرحية ”أقوي الفرسان” رؤية جديدة قدمها المخرج المتحمس مجدي حكيم في فلسفة إخراجية أحسبها معاصرة شاملة إذ تعتبر مفردات الماضي الكلاسيكية أساسا للانطلاق نحو الجديد ونحو دلالات تربط بين القديس الذي استشهد في زمن ماض وفي ظروف غير ظروفنا,وبين ما نحن عليه من إحياء لهذه الأشكال بألوان جديدة وأساليب تكاد تقول لنا:إن الهدف واحد للإرهاب مهما اختلف المعني,الكلمة موجودة إذن في أغلب العروض المسرحية ويختلف دورها باختلاف الألوان الدرامية والموضوعات الأدبية أو المسرحية وأساليب الإخراج,وأغلب من تناولوا هذا الموضوع بالبحث أخذوا الدلالات اللغوية بمعناها,أي الكلمات التي ينطق بها الممثلون أثناء العرض.وقد كان للشاعر صلاح عبد الصبور رأيه الخاص في هذه القضية فهو يري ضرورة أن تتحقق للأديب فرديته ووحدانيته بعيدا عن تأويل التراث,كذلك لابد أن يكون للشاعر صوته الخاص فوق المسرح واستعماله الخاص للغة لأن اللغة ملك لكل الناس.ولعل عبدالصبور حقق ذلك في مسرحياته ”ليلي والمجنون” و”مسافر ليل” و”الأميرة تنتظر” ولكن ماذا نقول عن عرض مثل ”عندما يموت الملك” و”مأساة الحلاج”؟هو عاد أيضا إلي ما يخالف رأيه فقد ذكرنا بتضافر الخاص والعام أي بتضافر القضية الخاصة والرؤية العامة.فهو فعل مثلما فعل منتصر ثابت اغترف من التراث وحاول تطويعه علي واقعنا الحاضر أو تحديثه.في قضية الإرهاب من ناحية ثم قضية أخري متداخلة أو هي من إحدي ثمار الإرهاب هي التفرقة التي تصيب المؤمنين وتجعلهم شتاتا.
دلالات خاصة
المنظر الأول من المسرحية يتكون من مجموعة من الرموز ذات الدلالات الخاصة تكثف النص الذي يريده المؤلف,إذ تفتح الستار علي منظر تراثي ومعاصر معا…وهي عبقرية أحسبها للمخرج مجدي حكيم الذي ينادي منذ زمن ليس بطويل برؤية مسرحية خاصة أري أنه في طريقه إلي اكتمالها لكي تكون من بين خصوصياته.فهو حينما يتمرد علي القديم إنما لكي يكمله وليس ليردمه أو يحاكمه ليس لنفيه وإنما ليجعله ويزيده ثراء وحياة ورؤي…فالتيمة الرئيسية للعمل هي القوة والبحث عن القوة,هل هي في المال أم السلطة أم الإرهاب أم العضلات أم المظاهرات أم السكوت والخنوع.مجدي حكيم نجح بامتياز في تناغم الرمزي والواقعي وانسجام الأدوات بحرفية عالية,ولأول مرة تناقش المسرحية بجرأة واقتحام قضية ”انشقاق الكنيسة”.
* الديكور للفنانة مواهب الفيشاوي جاء مواكبا للأحداث تماما وسباقا في تكوين رؤية للحوار المتدفق فوق المسرح.موسيقي الفنان الكبير هاني شنودة عبرت عن الأحداث بعمق.أما أشعار وأغاني الشاعر محمد عبد المعطي فكانت موفقة جدا.وهو شاعر شديد الحساسية فقدته الحياة الأدبية منذ شهور إثر حادث أليم.ولم يشاهد افتتاح المسرحية.
أما الفنان الكبير يوسف داود فكان كعادته عملاقا ومنفعلا بدوره المعقد -دور الإمبراطور دقلديانوس- وهو أداء عبقري,أما دور مارجرجس فقدمه الفنان المبدع مجدي شكري وأحسبه قد عايش حياة القديس إلي حد الاندماج وتطويع المفردات في الحوار لصالح الرؤية النفسية للدور فكان بارعا…وتألق معهما الفنانون جميعهم,جورج ألبير الذي يتألق في كل دور يلعبه باحتراف وثقة وناجح نعيم وسميح ولسن وغيرهم.
كما لعبت الاستعراضات دورا مهما في العمل قام بتصميمها ضياء شفيق,أما المكياج فكان لصلاح لالا,شارك في التمثيل أيضا مني عطية وسارة مسعد.