خلق الله الإنسان في جنة وأقامه في وسط الجنة يتمتع بكل شئ لكي يشعر بالحرية والسعادة مع الله وفي وسط كل الخليقة الموجودة من حوله في جنة عدن شرقا ولأجل دوام السعادة والعشرة الإلهية أراد الرب أن يجعله مطيعا وملتزما فحدد له سلوكا خاصا من ناحية الأكل أي اراد أن يعلمه حياة القناعة والصوم والطاعة للأوامر الإلهية فقال له أثناء تنصيبه سلطانا علي المخلوقاتمن جميع شجر الجنة تأكل أكلا وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت(تك2:16), ومن هنا نكتشف أول وصية للرب كانت موجهة إلي البشرية كلها في شخص آدم وهي الامتناع أي الصوم فهو تدريب علي الطاعة والعلاقة مع الرب والتي فشل فيها آدم الأول وخسر حياة الحرية والسعادة وطرده الرب خارج الجنة وبدأت رحلة عذاب البشرية كلها وعرفت الإنسانية أن الصوم هو أول وصية إلهية كسرها يقود إلي الموت الروحي والمرض لذلك كان المصري القديم كما يروي هيرودوت(484-425 ق.م) أن المصريين القدماء كانوا يصومون ثلاثة أيام كل شهر كما يصوم سقراط(469-399ق.م) عشرة أيام عندما كان يريد أن يحل مشكلة أو يقوم بعمل وهكذا أبو قراط الطبيب اليوناني القديم (460-377ق.م) كان يعالج المرضي بالصوم والانضباط النفسي والروحي فالصوم نعمة وفضيلة عرفها الإنسان منذ بدايته.
الصوم في تاريخ الكتاب المقدس
وردت كلمة صوم في الكتاب المقدس حوالي 50مرة تقريبا كانت كلها لصالح الإنسان والمجتمعات التي تريد أن تعبد الله وتتعايش معه في طاعة تقودها إلي حياة النصرة والمعرفة كما نري في الآيات التالية:
1-فسأل داود الله من أجل الصبي وصام داود صوما ودخل وبات مضطجعا علي الأرض(2صم12:12).
2-والآن قد مات فلماذا أصوم هل أقدر أن أرده بعد أنا ذاهب إليه وأما هو فلا يرجع إلي(2صم12:23).
3-وكتبت في الرسائل تقول نادوا بصوم واجلسوا تابوت في رأس الشعب(1مل21:9).
4-فنادوا بصوم واجلسوا تابوت في رأس الشعب(1مل21:12).
5-فخاف يهوشافاط وجعل وجهه ليطلب الرب ونادي بصوم في كل يهوذا(2أخبار20:3).
6-وناديت هناك بصوم علي نهر أهوا لكي تتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقا مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا(عز8:21).
7-وفي اليوم الرابع والعشرين من هذا الشهر اجتمع بنوا إسرائيل بالصوم وعليهم مسوح وتراب(نح9:1).
8-صالحة الصلاة مع الصوم والصدقة خير من ادخار كنوز الذهب(طوبيا12:8).
9-وصرخ كل الشعب إلي الرب بابتهال عظيم وذللوا نفوسهم بالصوم والصلاة هم ونساؤهم(يهوديت4:8).
10-اعلموا أن الرب يستجيب لصلواتكم إن واظبتم علي الصوم والصلوات أمام الرب(يهوديت4:12).
11-ودعا الشيوخ كلهم فأكلوا بعد انقضاء الصوم(يهوديت6:20).
12-وكان علي حقويها مسح وكانت تصوم جميع أيام حياتها ما خلال السبوت ورؤوس الشهور وأعياد آل إسرائيل(يهوديت8:6).
13-وفي كل كورة حيثما وصل إليها أمر الملك وسنته كانت متاحة عظيمة عند اليهود وصوم وبكاء ونحيب وانفرش مسح ورماد لكثيرين(اس4:3).
14-اذهب اجمع جميع اليهود الموجودين في شوشن وصوموا من جهتي ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلا ونهارا وأنا أيضا وجواري نصوم كذلك وهكذا أدخل إلي الملك خلاف السنة فإذا هلكت هلكت(اس4:16).
15-فخعلت ثياب الملك ولبست ثيابا للحزن والبكاء وعوض الأطياب المختلفة ألقت علي رأسها رمادا وزبلا وذللت جسدها بالصوم وجميع المواضع التي كانت تفرح فيها من قبل ملاها من نتاف شعر رأسها(اس14:2).
16-أما أنا ففي مرضهم كان لباسي مسحا اذللت بالصوم نفسي وصلاتي إلي حضني ترجع(مز35:13).
17-وأبكيت بصوم نفسي فصار ذلك عارا علي(مز69:10).
18-ركبتاي ارتعشتا من الصوم ولحمي هزل عن سمن(مز109:24).
19-كذلك الإنسان الذي يصوم عن خطاياه ثم يعود يفعلها من يستجيب لصلاته وماذا نفعه اتضاعه(سيراخ 34:31).
20-ها أنكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بكلمة الشر لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء(اش58:4).
21-أمثل هذا يكون صوما اختاره يوما يذلل الإنسان فيه نفسه يحني كالإسئلة رأسه ويفرش تحته مسحا ورمادا هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب(اش58:5).
22-أليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحرارا وقطع كل نير(اش58:6).
23-حين يصومون لا أسمع صراخهم وحين يصعدون محرقة وتقدمة لا اقبلهم بل بالسيف والجوع والوبا أنا أفنيهم(إر14:12).
24-فادخل أنت واقرأ في الدرج الذي كتبت عن فمي كل كلام الرب في آذان الشعب في بيت الرب في يوم الصوم واقرأه أيضا في آذان كل يهوذا القادمين من مدنهم(إر36:6).
25-وكان في السنة الخامسة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا في الشهر التاسع أنهم نادوا لصوم أمام الرب كل الشعب في أورشليم وكل الشعب القادمين من مدن يهوذا إلي أورشليم(إر36:9).
26-فوجهت وجهي إلي الله السيد طالبا بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد(دا:3).
27-قدسوا صوما نادوا باعتكاف اجمعوا الشيوخ جميع سكان الأرض إلي بيت الرب إلهكم واصرخوا إلي الرب(يو1:14).
28-ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح(يؤ2:12).
29-اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صوما نادوا باعتكاف(يؤ2:15).
30-فأمن أهل نينوي بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم إلي صغرهم(يون3:5).
31-قل لجميع شعب الأرض للكهنة قائلا لما صمتم ونحتم في الشهر الخامس والشهر السابع وذلك هذه السبعين سنة فهل صمتم صوما لي أنا(زك7:5).
32-هكذا قال رب الجنود إن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجا وفرحا وأعيادا طيبة فأحبوا الحق والسلام(زك8:19).
33-فلما رأوا الجيش مقبلا إلي لقائهم قالوا ليهوذا كيف نطيق قتال مثل هذا الجمع القوي ونحن نفر يسير وقد استرخينا اليوم من الصوم(1مكابين3:17).
34-فعلوا كلهم وتضرعوا إلي الرب الرحيم بالبكاء والصوم والسجود مدة ثلاثة أيام بلا انقطاع ثم حرضهم يهوذا وأمرهم بالاجتماع(2مكابين13:12).
35-حينئذ أتي إليه تلاميذ يوحنا قائلين لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيرا وأما تلاميذك فلا يصومون(مت9:14).
36-فقال لهم يسوع هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا مادام العريس معهم ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون(مت9:15).
37-وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم(مت17:21).
38-وكان تلاميذ يوحنا والفريسين يصومون فجاءوا وقالوا لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسين وأما تلاميذك فلا يصومون(مر2:18).
39-فقال لهم يسوع هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم مادام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا(مر2:19).
40-ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون في تلك الأيام(مر2:20).
41-فقال لهم هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشئ إلا بالصلاة والصوم(مر9:29).
42-وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيرا ويقدمون طلبات وكذلك تلاميذ الفريسيين أيضا وأما تلاميذك فيأكلون ويشربون(لو5:33).
43-فقال لهم أتقدرون أن تجعلوا بني العريس يصومون مادام العريس معهم(لو5:34).
44-ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم حينئذ يصومون في تلك الأيام(لو5:35).
45-أصوم مرتين في الأسبوع وأعشر كل ما اقتني(لو18:12).
46-وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه(أع13:2).
47-ولما مضي زمان طويل وصار السفر في البحر خطرا إذ كان الصوم أيضا قد مضي جعل بولس ينذرهم(أع27:9).
48-فلما حصل صوم كثير حينئذ وقف بولس في وسطهم وقال كان ينبغي أيها الرجال أن تذعنوا لي ولا تقلعوا من كريت فتسلموا من هذا الضرر والخسارة(أع27:21).
49-وصليا بأصوام واستودعاهم للرب الذي آمنوا به(أع14:21-24).
50-لايسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون علي موافقة إلي حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضا معا لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم(1كو7:5).
الأصوام في العهد الجديد
مع أن السيد المسيح نفسه قد مارس فضيلة الصوم ليصحح ما سقط فيه آدم الأول في كسره وصية الطاعة والصوم وأعطي فرصة للشيطان أن ينتصر عليه في قضية الأكل إلا أن السيد حقق انتصارا كبيرا في صومه وانتصاره علي الشيطان وبذلك أضحت وصية الصوم مستمرة وفضيلة محببة يجب أن يتحلي بها كل مؤمن بالإله الواحد وكان واجبا علي الآباء الرسل في العصر الأول للكنيسة أن يضعوا بها أصواما محددة تتفق عليها كل الكنائس وتتحد في تنفيذها ليشعر الجميع أنهم أعضاء في جسد المسيح الواحد وإذا انقطع عضو عن الصوم يعتبر كعضو ميت في جسد حي يجب أن يقطع لذلك أوصي الآباء في الدسقولية(أي تعاليم الآباء الرسل) بالأصوام وعلي المؤمنين ممارستها تشبها وحبا بالسيد المسيح وقديسيه فالكنيسة لا تصوم لبشر إنما تصوم لله متشفعة بالقديسين ومتمثلة بهم كقول الكتاباذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا إلي نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم(عب13:7) فكنيسة العهد الجديد منظمة ومرتبة بحسب تعليم الآباء الأولين لذلك نظمت أصوامها وجعلتها فضيلة يجب أن يتحلي بها الجميع تحت تعليم الاتحاد الجسدي والروحي في العبادة للكنيسة الجامعة الرسولية.
وعرفت الكنيسة الأصوام السبعة التي هي1-الصوم الكبير 2-صوم الميلاد 3-صوم الآباء الرسل 4- صوم السيدة العذراء مريم 5-صوم يومي الأربعاء والجمعة 6-صوم يونان 7-صوم البرامون.
هذه الأصوام كلها أقرها وأشار إليها الآباء الرسل في تعاليمهم وقوانيهم وصدقت عليها المجامع المسكونية والمكانية فهي كانت تمارس في الكنيسة منذ العصور المسيحية الأولي إلا صوم يونان وصوم الثلاثة أيام المضافة إلي صوم الميلاد والتي تذكرنا بالصوم الذي نقل الجبل الشرقي لمدينة القاهرة والمعروف بالمقطم وهما أضيفا إلي أصوام الكنيسة في القرن العاشر الميلادي في عهد البابا الأنبا إبرام بن زرعة البابا62 في تعداد بطاركة الكنيسة القبطية وهو سرياني الجنس وكان محبوبا وناسكا وأوصي بصوم كل من صوم نقل الجبل وصوم يونان ويذكر كتاب ريحانة النفوس شاهدا أن المسيحيين الأوائل كانوا يصومون قبل عيد الميلاد أربعين يوما ويقول آباء الكنيسة أن صوم الميلاد الذي يسبق عيد الميلاد هو استعداد لاستقبال شريعة العهد الجديد أقنوم الكلمة المتجسد كما فعل موسي عند استلامه لوحي العهد القديم وصام أربعين يوما هكذا نحن نصوم هذه المدة لنستقبل شريعة العهد الجديد في شخص مولود بيت لحم السيد المسيح فهو صوم يهيئ النفس لاستقبال ميلاد المخلص والفادي ويذكر القديس اكيمنضس السكندري في بعض كتاباته في القرن الثاني الميلادي أن هذا العيد كان يعيد به في عيد الظهور الإلهي في السادس من شهر كانون الثاني واستمر إلي القرن الرابع والقرن الخامس في كنيسة الإسكندرية وهذا لاعتبار أن السيد ولد في نفس اليوم وبعد تمام 30سنة اعتمد من يوحنا المعمدان في نفس اليوم ويذكر لنا ابن العسال في المجموع الصفوي ص172ومن الأصوام ما جري مجري الأربعاء والجمعة وهو الصوم المتقدم للميلاد وأوله أول نصف هاتور وفصحة يوم الميلاد كما يذكر لنا أحد مواقع الإنترنت بعض الكتابات التاريخية لآباء الكنيسة فجاءنجد في القرن الرابع القديس وفي القرنين الخامس والسادس, وأصبحت العظات في الآحاد التي تسبق عيد الميلاد, تكرس لموضوع العيد. بربيتيوس أسقف مدينة تور في فرنسا(481-490) يذكر صوما يسبق عيد الميلاد ويبدأ في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني. وانتقلت هذه الممارسة إلي بعض الكنائس الفرنجية.
عزيزي إنها رحلة قصيرة جدا في سطور التاريخ عن صوم من أصوام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية شهد له التاريخ والكتاب ولم نتعرض فيها إلي وعظ أو روحانية بل ذكرنا ما قاله الآباء والكتاب المقدس والتاريخ عن الصوم وتاريخه في حياة البشرية وإلي اللقاء في صوم آخر
المصادر:الكتاب المقدس- الدسقولية- اللآلئ النفيسة-أصوامنا العامة السبعة مواقع مختلفة من الإنترنت.
[email protected]