مطرانية الجيزة واحدة من مطرانيات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمحافظات مصر.. وهي كباقي المطرانيات تلاحقها الفتن الطائفية التي باتت وكأنها سمة من سمات هذا الوطن.. وربما لأن مطرانية الجيزة من المطرانيات متسعة المساحة والتي تمتد بطول 150 كيلومترا فإن أحداث الفتن فوق أرضها تتوالي واحدة بعد الأخري.. في العياط.. وفي بمها.. وفي جرزا.. وفي العمرانية.. وفي أطفيح.. وأخيرا في إمبابة.. وما حدث في إمبابة كان يفوق كل أحداث الفتن التي سبقتها.. ليس لكثرة عدد الضحايا, ولا لضخامة الخسائر.. ولكن لأنها جاءت مدبرة ومخططة لإحداث شرخ عميق في الأمة وفي هذا التوقيت, واستخدام سيدة تتلاعب بالأديان في تمزيق الوطن وتعرضه للسقوط والانهيار.. الأنبا ثيئودوسيوس أسقف عام الجيزة تحدث إلي وطني وكشف كل الحقيقة حول ما حدث في إمبابة.
* كيف تري نيافتكم ما حدث في إمبابة؟
* * ما حدث في إمبابة حلقة من مسلسل مستمر من الشمال إلي الجنوب ومن الشرق إلي الغرب, وكل يوم نشاهد حلقة جديدة عن نفس المسلسل, اليوم هنا وبالأمس هناك ولا نعرف غدا أين؟!.. أدوار المسلسل أصبحت معروفة.. مجموعة تخطط, ومجموعة تحرق وتنهب وتسرق وتهدم, ومجموعة تصلح, والمسلسل مستمر في ظل الغياب الأمني.. وبعد تراجع قوات الشرطة ظهرت الأصالة المصرية, وخرجت اللجان الشعبية مسيحيين ومسلمين تسهر طوال الليل تحمي وتؤمن دور العبادة.. لكن الثورة البيضاء انقلبت إلي ثورة سوداء.. والمؤسف أن ضباب الثورة السوداء لم يصب إلا الأقباط فقط, وبدأت القوي السياسية التي تلبس عباءة دينية تتطاول علي الكنائس فتهدم وتسلب وتحرق, ولكن سطح مصر الوطني عندما يسقط سيسقط علي الجميع لا يفرق بين مسلم ومسيحي.. والكنيسة القبطية حريصة كل الحرص علي ألا يسقط هذا السطح, وهي لا تتطلع إلي شئ في الأروقة السياسية, ولكنها تتطلع إلي حرية الأديان, وحرية العبادة, واحترام الآخر, وعدم التمييز في المعاملة والقوانين.. وفي ظل غياب هذا تنسج خيوط الفتن, ويطلقون الشائعات للوصول إلي مآربهم.. وشهدت منطقة إمبابة الأسبوع الماضي تردد شائعة أن الكنيسة تحتجز سيدة مسلمة, وكانت هذه الشائعة هي الفتيل الذي أشعل الفتنة.
* من هذه السيدة؟
* * هي عبير طلعت.. وهي سيدة مسيحية من كفر شحاتة بمركز ساحل سليم بأسيوط تعرفت بشاب مسلم فتركت زوجها وأسرتها وبدأت تتلاعب بالأديان, فغيرت اسمها, وادعت أنها آنسة وتزوجت المسلم بعقد عرفي رغم أنها متزوجة من مسيحي زواجا مدنيا, وعاشت مع الزوج الثاني بعزبة تيمور بمركز قويسنا بالقرب من مدينة بنها, ولأن حياة الرذيلة لا تستمر فقد عادت إلي أسرتها بأسيوط ولكن زوجها رفض قبولها وأقام دعوي قضائية لطلاقها, أما والدتها رحبت بعودتها كعودة الابن الضال.. وقدمت عبير طلبا إلي الكنيسة بعودتها إلي المسيحية في 7 فبراير 2011 بعد أن قدمت توبة, ومن يومها وهي تقيم مع والدتها وتتحرك مع أهلها بكل حرية, وجاءت إلي أقاربها بإمبابة, وسألنا عن موقفها في مكتب الإرشاد الديني بالبطريركية وتحققنا من أنها تقدمت بطلب عودة بتاريخ 2011/2/17 وتحمل شهادة ميلاد (مستخرج رسمي) في 2011/3/13 مثبتا به أنها مسيحية, ومعها أيضا تزكية من كاهن الكنيسة بأسيوط أنها قدمت توبة حقيقية وقانون كنسي بضمها إلي الكنيسة مرة أخري, وهذا كله محفوظ بالملف الخاص بها بمكتب الإرشاد الديني.
* وهل تقبل الكنيسة المرتد عن مسيحيته؟!
* * أود أن أجيب بسؤال آخر.. هل من حق الكنيسة التي تبحث عن أبنائها وبناتها لخدمتهم وتقديم النصح والإرشاد لهم أن تتركهم فريسة للذئاب؟!.. قوانين الكنيسة تسمح لأي عضو مسيحي إذا أنكر الإيمان أن يعود بعد تقديم توبة, وأخذ قانون كنسي -صوم وصلاة حتي يشفي روحيا- وبعدها يعود إلي حظيرة الكنيسة, ولأن للكنيسة بيوت ضيافة لاستقبال الذين يفدون إلي العاصمة للعلاج بالمستشفيات أو لقضاء مهمة أو خلافه, ونرحب بهم ونستضيفهم, وحسبما روت عبير أنها جاءت إلي بيت الضيافة بصحبة والدتها وأقاربها تحمل بطاقة مسيحية وحسب ما روت أنها أقامت بحرية كاملة, فالكنيسة لا تحتجز أحدا, والشائعة التي انطلقت في إمبابة كانت مخططة ومدبرة لإحداث فتنة طائفية.
* هل لنيافتكم دليل علي أن الفتنة كانت مدبرة ومخططة؟
* * عبير لم تكن محتجزة بالكنيسة ولا ببيت الضيافة, فأبوابنا مفتوحة, وكان لها أن تستغيث بمن تري, خاصة وأنها تحمل تليفونا محمولا.. وعندما بدأت الشائعة تنتشر وأبلغوني بها قلت لكاهن الكنيسة اسمحوا للإخوة المسلمين بالدخول, ولم تكن عبير داخل الكنيسة ولا داخل البيت.. وهي حسبما قالته للصحافة إنها كانت قريبة من الأحداث وسمعت أصوات هتافات قبل انفجار المنطقة.. فكانت حرة طليقة وكانت قادرة علي الذهاب لهم ولو ذهبت لهم لكانت خطة الفتنة الطائفية لم تكتمل ولا نعلم إصرارها علي الاختباء في أماكن غير معروفة قبل وقوع الحادث, وهذا يثبت أن هناك خيوطا لم تكتمل بعد لإحداث الفتنة.. ومما يؤكد وجود خطة لإحداث الفتنة تحريض بعض الشيوخ عن طريق النت لأصطحاب أسلحة وجراكن بنزين إلي منطقة إمبابة لحرق الكنائس.. وأيضا بداية ما حدث في يوم السبت الأسود كان عقب صلاة المغرب في الأرض الفضاء القريبة من الكنيسة حيث أطلقت جموع المصلين الصيحات لبث الرعب والذعر في قلوب المسيحيين, واضطر المسيحيون المعتدي عليهم للخروج للدفاع عن أنفسهم إزاء تراخي قوات الأمن في حمايتهم.. وكان الأمر في قصة عبير يجب أن ينصرف إلي صوت العقل والحكمة, وليس صوت الرصاص والحرق والتدمير.
* * أضف إلي هذا أن الكنيسة تؤمن بحرية الأديان, وحرية العقيدة, ولا تتدخل في عقيدة أحد, والمسيحية انتشرت من أجل تعاليم السيد المسيح السامية التي ترفع العقل الترابي إلي الفكر السماوي في فضائل التسامح, والمحبة, والتقوي, ومعايشة الآخر, واحترام حقوق الآخرين, وتقديم النفس للآخرين لإسعادهم.. وحينما كان السيد المسيح يعلم تلاميذه ويجول يصنع خيرا علي الأرض بدون تمييز كان لا يطلب من أحد أن يسير وراءه, والذين اعتنقوا الدين المسيحي اعتنقوه عن قناعة أن السيد المسيح جاء مخلصا للبشرية كلها, وقال في إنجيل معلمنا يوحنا إنه لا يقدر أحد أن يأتي إلي إن لم يعط من أبي, ومن هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلي الوراء ولم يعودوا يمشون معه, فقال يسوع للاثني عشر لعلكم أنتم أيضا تريديون أن تمضوا (يوحنا 6: 66). وهنا السيد المسيح لا يطلب من أحد أن يمضي وراءه إلا إذا كان يحمل تعاليمه في داخل قلبه.. وإلي اليوم الإنسان الذي يترك تعاليم المسيح والمسيحية -لأي غرض- الكنيسة تقوم بنصحه وإرشاده, وبعد ذلك له كل حقوق الحرية التي كفلها السيد المسيح, الذي يريد أن يتبعه يتبعه, والذي لا يريد أن يتبعه لا يتبعه, ولهذا فإننا نطالب بعودة جلسات النصح والإرشاد الديني كما كانت من قبل وهذه كافية لدرء الفتنة, وعلي الذين يريدون خراب البلاد أن يبحثوا عن وسائل أخري..
وعلي الدولة أيضا تطبيق قراراتها الأخيرة الرادعة وتفعيلها في الشارع المصري, وتقديم الجناة للمحاكمة مع سرعة إصدار أحكام القضاء العادل.. وأيضا إعطاء المسيحيين حقوقهم كمواطنين مصريين لهم ما يجب أن يطبق علي كل المصريين من قوانين.
* ظهرت بعض الصيحات تطالب بالحماية الدولية للأقباط.. ما رأي نيافتكم في هذا؟
* * منذ دخول المسيحية مصر والقديس مرقس غرس الإيمان المسيحي في قلب مصر بمفرده, وحطم العبادة الوثنية بدمائه التي سالت في أرض الإسكندرية, وباستشهاده نبتت المسيحية في كل ربوع مصر, ولم يطلب حماية من أحد إلا الله وحده, وحماية الله أقوي وأقرب إلينا من أية قوة موجودة علي الأرض.. وهذا هو عمق الإيمان المسيحي, لأن الله هو ضابط الكل وصاحب العجائب والمعجزات.. وهو صانع السلام الذي أتي إلي أرض مصر وتنقل في ربوعها وقدس البلاد, ومن هنا فإننا نؤمن أن السيد المسيح لن يترك المسيحية في مصر تضار من أعمال الشر, والكنيسة مطمئنة بمسيحها الذي يعمل فيها ويعمل بها.