منذ أن توطدت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين, نما حجم التجارة الثنائية بينهما بما يعادل 120 مرة, بينما بلغت الاستثمارات الأمريكية المباشرة في الصين حوالي 63.1 مليار دولار, في الوقت نفسه الذي تسارع فيه نمو الاستثمارات الصينية المباشرة في الولايات المتحدة, بالتزامن مع نمو استثماراتها غير المباشرة في سندات الخزانة وغيرها من الأصول الأمريكية. ولنا أن ننظر إلي واردات أمريكا من الصين, وإلي تنامي الاستثمارات الصينية في أمريكا. وقد ساعدت هذه العلاقة في خفض معدلات التضخم وارتفاع معدلات النمو في الولايات المتحدة لعدد من السنوات. وفي الوقت نفسه ساهمت هذه العلاقة الاقتصادية الثنائية القوية بين البلدين في انفتاح الصين ودفع حركة الإصلاح فيها, إلي جانب زيادة حجم التوظيف, وارتفاع معدلات النمو, وتعزيز الصناعة والتوسع الحضري, إضافة إلي حقن الاقتصاد الصيني بحيوية كبيرة. وتشير هذه العلاقة الاقتصادية الوثيقة بين الدولتين إلي أنهما تكملان بعضهما وتعتمدان علي بعض إلي حد بعيد.
كما يجني الشعبان الأمريكي والصيني مزايا الماركة التجارية ##صنع في الصين## التي تشير إلي الجودة العالية وانخفاض الأسعار, ما يساعد علي رفع دخول العائلات الأمريكية. وفي الوقت نفسه تحولت ماركات تجارية أمريكية مثل منتجات موتورولا وول-مارت إلي جزء لا يتجزأ من الحياة الحديثة الصينية.
كما يجني مكاسب مماثلة رجال الأعمال في كلتا الدولتين. فقد بلغت قيمة الصادرات الأمريكية من السلع والخدمات إلي الصين 87.3 مليار دولار في عام 2008, بينما بلغت عائدات الشركات الأمريكية العاملة في الصين 218.9 مليار دولار. وفي عام 2009 بلغت عائدات الشركات الأجنبية المستثمرة في الصين ما يقدر بنسبة 56 في المئة من إجمالي حجم الصادرات الصينية.
وبالطبع لا مناص من وجود بعض الخلافات الأساسية بين البلدين, لكن من الضروري أن نضع في الاعتبار دائما هذه الفوائد الاقتصادية المتبادلة, وأن يتم التصدي للمشاكل علي أساس الحوار والتشاور علي قدم المساواة, وفقا للمنظور الاستراتيجي لكل دولة علي حدة. ومن الضروري المحافظة علي المصالح المشتركة وتوسيعها, فضلا عن تعزيز النمو الاقتصادي في كلتيهما.
ويجب القول إن الصين والولايات المتحدة لا تزالان في مستويين مختلفين من النمو الاقتصادي, وسوف تظلان علي هذا الاختلاف لسنوات طويلة مقبلة. ففي خلال العقود القليلة الماضية, تم الارتقاء بمستوي الهيكلية الصناعية الأمريكية, بحيث تلبي حاجة الإنتاج الصناعي الرفيع المستوي, وكذلك تم الارتقاء بمستوي الخدمات, بينما انتقلت صناعات أميركا التقليدية تدريجيا إلي دول أخري. وعلي الصين وأميركا اغتنام الفرص التي وفرتها لهما العولمة. ذلك أن جوهر التجارة العالمية هو قدرة الدول علي استكمال المكاسب الاقتصادية بينها عبر التبادل التجاري. وعليه يمكن القول إن الصادرات الصينية إلي الولايات المتحدة, تتجه بالأساس نحو توفير المنتجات المتوسطة والمنخفضة المستوي مثل الملابس والأحذية ولعب الأطفال والإلكترونيات, وهي جميعها منتجات تكاد لا تنتج في الولايات المتحدة. وفي المقابل تتسم المنتجات الصناعية الأمريكية المصدرة إلي الصين بكونها ذات مستوي رفيع, وتزداد الحاجة إليها في الأسواق الصينية. وفيما لو تمكنت أمريكا من تخفيف القيود التي تفرضها علي منتجات التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة للأغراض المدنية في الصين, فسوف يساعد ذلك كثيرا علي رفع القدرة التنافسية لهذه الصادرات. وفي الوقت نفسه يساعد تخفيف القيود علي حفظ توازن العلاقات التجارية بين البلدين.
وعلي بكين وواشنطن أن تنظرا نظرة كلية شاملة لتشابك مصالحهما واعتمادهما علي بعضهما اقتصاديا. صحيح أن جزءا كبيرا من صادرات الشركات الأمريكية المستثمرة مباشرة في الصين, قد انعكس علي أرقام الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة. بيد أن جزءا كبيرا من هذا الفائض التجاري الصيني أصبح جزءا من استثمارات الصين في أمريكا, سواء في سندات الخزانة وغيرها من أصول عملة الدولار, مؤديا بذلك إلي تعزيز الاقتصاد القومي الأمريكي علي المدي البعيد.
كما يجب التأكيد علي اتساع المصالح المشتركة بين الصين وأمريكا اليوم. كما توفرت فضاءات جديدة للتعاون بينهما علي المستويين الثنائي والدولي, في ثلاثة مجالات علي أقل تقدير.
أولهما: علي الدولتين أن تسلطا جهودهما علي استقرار الاقتصاد العالمي وتعافيه. وقد بات الاقتصاد العالمي مهددا الآن بسبب أزمة الديون السيادية الأوربية, وخطة الاتحاد الأوربي لإنقاذ اليونان من أزمة ديونها, مع ملاحظة أن الأزمة نفسها تهدد بالانتشار في دولتين أخريين من دول القارة هما إسبانيا والبرتغال. وعلي بكين وواشنطن أن تتعاونا مع المجتمع الدولي بغية الحفاظ علي الاستقرار, وتعزيز التعاون في مجال السياسات الاقتصادية, وضمان تعافي الاقتصاد العالمي.
ثانيا: تشهد الدولتان تحولا واضحا في أنماط إنتاجهما الاقتصادي. فبينما تعمل الصين علي رفع حجم الطلب المحلي والسعي نحو التطور العلمي, يلاحظ أن أمريكا تعمل علي تغيير نمط نموها القائم علي ارتفاع سقف الديون وانخفاض سقف المدخرات, علي أمل أن تحول اقتصادها إلي نمط نمو أكثر استدامة. وعلي بكين وواشنطن أن تدعما التغييرات الهيكلية الاقتصادية الجارية في كلتيهما, مع توسيع مستوي التعاون الثنائي في مجالات بعينها مثل الطاقة النظيفة وترشيد استهلاك الطاقة وخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من القضايا ذات الصلة بالتصدي لخطر التغير المناخي. وفي وسع الدولتين التفكير في التعاون الثنائي في مجالات تطوير البنية التحتية, والابتكارات العلمية التكنولوجية, وتوسيع المراكز الحضرية وتوفير الخدمات الحديثة للمواطنين.
ثالثا: تعتبر الصين والولايات المتحدة شريكين أساسيين في إنشاء نظام اقتصادي عالمي متساو ومفتوح وعادل لجميع الأمم والشعوب. وعليهما العمل معا من أجل تعزيز التجارة الحرة والاستثمار واستقرار الأسواق المالية والإصلاح, بما فيه إصلاح الهياكل المالية العالمية. ومن جانبنا نتطلع في الصين إلي تعزيز التعاون الثنائي مع واشنطن وتقليص فجوة الخلافات معها, وإلي ضخ دماء حيوية جديدة في شريان العلاقة الاقتصادية الثنائية مع واشنطن, أملا في حفز الشراكة الشاملة معها في القرن الحادي والعشرين.
وزير المالية الصيني
واشنطن بوست