الأم المريضة نفسيا عبء علي أسرتها.. لمن تلجأ؟
أين الأخصائي النفسي في مدارسنا..؟
ليس كل قلق أو اكتئاب مرض نفسي
قد يعاني الكثيرون من مشاعر متضاربة وأعباء نفسية ثقيلة ولايجدون من يستمع إلي شكواهم وآخر مايخطر علي بالهم هو الذهاب لطبيب نفسي,ظهر ذلك واضحا عندما تحدث أحد الأطباء النفسيين وهو د. ياسر عبد الرازق أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس في أحد اللقاءات الإعلامية بالتليفزيون وانهالت أسئلة المواطنين والذي معظمها كشف عن معاناة مريرة وهم متعايشون معها في صمت,فإحدي السيدات سألته: ماذا تفعل وقد انقلبت حياتها وتبدلت شخصيتها بعد وفاة والدتها منذ عامين حيث فقدت رغبتها في استمرار الحياة وهي لاتستطيع أن تلبي احتياجات أولادها وأصبحت عصبية لأتفه الأسباب وعندما سألها الطبيب عن شهيتها للطعام أجابت أنها بالكاد تأكل لاستمرار الحياة وكانت نبرتها حزينة للغاية,نصحها د. ياسر بضرورة الذهاب لطبيب فقد تكون محتاجة إلي دواء يساعدها علي الخروج من هذا الاكتئاب,فشيء جميل أن يكون لدي الإنسان وفاء نحو عزيز فقده ولكن إذا طال حزنه وأثر هذا علي استمرار الحياة بشكل طبيعي,خاصة مع وجود أولاد فلابد من استشارة نفسية .
والإحصائيات تؤكد أن هناك تزايد مستمر في الدول الفقيرة والمحدودة الدخل ,ولذلك وضعت منظمة الصحة العالمية في اجتماعها الإقليمي في دورته السابعة والخمسين هذا العام موضوع الصحة النفسية للأمهات والأطفال والمراهقين ضمن أولي الأولويات للموضوعات الصحية التي تم مناقشتها علي مدي ثلاثة أيام,ولكن هل هناك اهتمام في مصر بالصحة النفسية للمواطنين مثل الأمور الصحية الأخري هذا ما سنعرفه من خلال هذا التحقيق..
حسب آخر إحصاء عالمي أتضح أن الاضطرابات النفسية والعصبية والإدمانية تمثل 14.4% من العبء العالمي للأمراض,بينما تمثل الأمراض النفسية حوالي 27.6% بين النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 إلي44 عاما,وهي الفئة العمرية الأكبر أثرا من وجهة نظر الصحة الإنجابية ومن أكثر الأمراض النفسية شيوعا لدي الأطفال والمراهقين قلة الانتباه,فرط الحركة والنشاط البدني,وعدم التركيز,الاضطرابات السلوكية,اضطرابات التعلم وتقلب المزاج. ويذكر التقرير الخاص بالصحة علي مستوي العالم لعام 2001 أن 20% من الأطفال والمراهقين في العالم يعانون من مرض نفسي يسبب لهم إعاقة وتمثل الاضطرابات النفسية للأمهات والأطفال والمراهقين مشكلة تتزايد معدلات انتشارها في الدول الفقيرة والنامية أكثر بكثير مما هي عليه في الدول المتقدمة.
فيصل معدل انتشار الاضطرابات النفسية لدي الأمهات لحوالي من15% إلي 36% ولدي المراهقين البالغين من10% إلي 30% في دول شرق المتوسط ومنها مصر .
وبالطبع يصاحب الاضطرابات النفسية الشائعة للأمهات نتائج ضارة علي الصحة الإنجابية وكانت التوصية الرئيسية في القرار الذي اعتمدته جمعية الصحة العالمية في اجتماعها الخامس والخمسين بضرورة إدماج خدمات الصحة النفسية ضمن نظام الرعاية الصحية في جميع المستويات وإجراء بحوث وتقييم ورصد لمعدلات زيادة الأمراض النفسية أو انخفاضها في كل دولة.
علاج رسمي
لوقت قريب كانت المنظومة الصحية الرسمية في مصر لايدخل فيها العلاج النفسي ضمن التخصصات العلاجية والاكتفاء بمستشفي الأمراض النفسية والعقلية بالعباسية فهل هذا هو الحال حتي الآن؟
كان لنا حديث حول هذا الموضوع مع الدكتور نصر السيد وكيل أول وزارة الصحة ومساعد الوزير للرعاية الصحية الأولية وممثل الوزير في اجتماعات منظمة الصحة العالمية حيث قال:
توجد حاليا 300 عيادة نفسية في المستشفيات العامة والمركزية والتأمين الصحي .
وهذه خطة وضعتها الوزارة مؤخرا تنفيذا لتوصيات منظمة الصحة العالمية بضرورة إدماج الصحة النفسية ضمن المنظومة الصحية والمنظمة تساعد وزارة الصحة في كيفية وضع خطة واستراتيجية كاملة للرعاية الصحية النفسية وكيف نستطيع إنشاء عيادات نفسية سليمة وعمل تأهيل نفسي للمرض؟وتقوم المنظمة بعمل تدريبات للعاملين الصحيين والتمريض للعمل في العيادات النفسية,ووجدنا أن وجود العيادة النفسية ضمن باقي العيادات الصحية يشجع المرضي علي الذهاب للطبيب النفسي وتلقي العلاج دون حرج من أن الشخص يذهب إلي عيادة طبيب نفسي أو يذهب إلي مستشفي الأمراض النفسية ويوجد اهتمام شديد في مصر بتخصص الأخصائي النفسي بينما توجد دول لديها نقص شديد في هذا التخصص, فمعظم الأطباء النفسيين في دول الخليج مصريون,ولذلك وضعنا التخصص النفسي ضمن التخصصات الملحة فيستطيع الطبيب بعد ستة أشهر من عمله وبعد تسلمه للتكليف أن يسجل للحصول علي دبلومة أخصائي نفسي وكان قبل ذلك لايمكنه التسجيل إلا بعد عامين من تخرجه فالتخصصات الملحة هي التخدير والعظام والنفسية ولكن المشكلة حاليا في المجتمع الذي لايزال غير متقبل لفكرة التعايش مع المريض النفسي,فقد يظل الشخص لفترة في المستشفي للعلاج من الاكتئاب المرضي وقد يشفي تماما فنجد أن أهله لايريدون احتضانه مع أن جزءا من استكمال علاجه هو عودته إلي المجتمع والاندماج فيه وأن يشعره من حوله بالاهتمام لأمره وبحبهم له.
وركزت المناقشات في الورقة التقنية حول الصحة النفسية للأمهات والأطفال والمراهقين.لأن الأم هي محور المنزل فإذا كانت مضطربة نفسيا,يؤثر هذا علي المنزل كله وخاصة علي الأولاد.وهناك تركيز علي الأمهات اللاتي يصبن باكتئاب قبل الولادة مباشرة وبعدها أيضا,لمدة الحمل وسنة مابعد الولادةحيث يقدر معدل انتشار الاضطرابات النفسية في هذه الفترة بحوالي من10% إلي50% من إجمالي الحوامل .
والتواصية العالمية في هذا الموضوع هي تقديم التدخلات العلاجية من خلال المجتمع المحلي والمدارس وكما ذكرنا في مواقع الرعاية الصحية الأساسية.
غياب الأخصائي النفسي!
لايوجد أي اهتمام في مدارسنا الحكومية بالأخصائي النفسي فيوجد في المدارس الدولية في مصر ما يسمي التقييم النفسي للتلاميذ,ويتم علي يد متخصصيين نفسيين ولكن في المدارس الحكومية لايوجد سوي الأخصائي الاجتماعي ووظيفته معرفة مشاكل التلاميذ من الناحية المادية مثل عدم قدرة تلميذ علي دفع المصروفات الدراسية أو الملابس المدرسية ومساعدته في هذه الأمور,أما نفسية التلاميذ ومشاكلهم فهي خارج نطاق الاهتمام ونحن ننادي من خلال هذا التحقيق بضرورة الاهتمام بصحة التلميذ النفسية داخل المدارس وتوفير عيادات نفسية داخل منظومة الصحة المدرسية,خاصة في مرحلة المراهقة.
التشخيص
وفي هذا السياق تقول الباحثة الأمريكية الدكتورة نورما كلارك مديرة برنامج رعاية المراهقين في عيادة هيوستن إن تشخيص الأمراض النفسية للمراهقين أو فهم تصرفاتهم ليس سهلا حتي بالنسبة للخبراء في الصحة العقلية,وفسرت ذلك بأن مخ المراهق في تطور دائم ومزاجه وتصرفاته تمر بحالة من التذبذب بشكل كبير في هذه المرحلة العمرية كما لاحظت كلارك من خلال تجاربها وأبحاثها أن المراهقين يميلون بطبيعتهم إلي التكتم ولايكشفون عما يفكرون فيه,وصعب التمييز عندهم بين ماهو طبيعي وماهو من صنع الخيال.ولكن المراهقين لديهم القدرة علي التصرف بشكل طبيعي خلال الاستشارات النفسية وبذلك يصعب علي الطبيب أن يشخص حالته وهنا يشعر المراهق بالإخفاق,وذلك إدا كان مصابا بأي اضطراب نفسي فعلا ويشعر بأنه وصي عليه وهذا ينعكس علي تصرفاته وقدرته علي إقامة صداقات مع أشخاص أسوياء وعلي الطبيب المعالج أن يخلق جسورا من الثقة والتفاهم مع المريض المراهق حتي يتحدث معه بصراحة ويقوده هذا لتشخيص سليم وعلاج فعال.
العلاج سهل
وفي مقابل ذلك كثيرا ما يذهب الأشخاص إلي طبيب نفسي معتقدين أن لديهم مرضا نفسيا خطيرا قد يكون اكتئابا وعدم قدرة علي التواصل مع الآخرين أو قلقا شديدا وعدم قدرة علي النوم وأخذ ساعات طويلة قبل أن يشعر الشخص بالنعاس وقد يكون نومه متقطعا ويشعر بالحزن والضيق والعصبية لأتفه الأسباب,ولكن قد تكون هذه أعراض طبيعية نتيجة ضغوط الحياة أو بالنسبة للطلبة الخوف من الفشل وعدم تحقيق النجاح المطلوب أو فراق شخص عزيز وفي حديث مع د. يسري عبد المحسن أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بقصر العيني تحدث قائلا:
إن أصحاب هذه الأعراض التي تعد تقلبات مزاجية, أو شعورا بالقلق المبالغ فيه أو شعورا بالخوف الشديد وعدم الإحساس بالأمان قد تكون مرتبطة بالإرهاق البدني أو الذهني أو لضغوط شديدة في العمل وعدم القدرة علي تحقيق الذات والشعور بالرضي نتيجة الانتقاد المستمر للشخص والتشكيك في قدرته علي عمل الأشياء,كل ذلك قد يصيب الشخص بنوع من الضيق والاكتئاب وقد يكون بسبب خلافات أسرية أو اجتماعية أو بعض الأمراض الجسمانية وقد يكون الشخص ليس لديه القدرة علي مواجهة المشاكل بشجاعة أو عدم القدرة علي التفريغ أو التعبير عما بداخله بصدق في مواجهة مع نفسه كل هذه الضغوط قد تشعر الإنسان بأنه في دائرة التعب النفسي,والطبيب النفسي يستطيع من خلال الاستماع إلي المريض وإلي شكوته للتعرف علي هذه التقلبات والانفعالات والتضارب في الأفكار وغياب الرؤية الصحية وانعدام الخبرة وعدم النضج أو القدرة علي التعامل مع صراعات الحياة ويمكن ببعض النصائح التي يعطيها الطبيب للمريض أن يبث الثقة في نفسه من خلال الدعم النفسي وأيضا بنصيحة المحيطين بالمريض بطريقة جيدة تنزع من داخله الشعور بالخوف والاضطراب فمثلا من الأشياء الشائعة ضغط الأهل علي الابن أو الابنة ومطالبته بضرورة التفوق والحصول علي مجموع مرتفع للالتحاق من وجهة نظرهم بإحدي كليات القمة,وإلا سيصبح مصيرهم مظلما!! وسيكون الفشل هو نصيبهم في الحياة وبالتالي يشعر الأبناء بنوع من الضغط العصبي الشديد والإحساس بأن حياتهم متوقفة علي تفوقهم الدراسي ويفقد الابن أو الابنة أي اهتمام بنشاط آخر يحبه ويجد فيه تفريغا لطاقته لأنه ليس هناك شيء في حياته أهم من الاستذكار فقط وقد يتفوق الشخص دراسيا ولكن قد يشعر بعدم الرضي ويفقد اهتمامه بأشياء كان يحبها وهذا علي المدي الطويل يؤثر في نفسيته وهناك فرق بين الأمور العرضية المرتبطة بظروف معينة وبين المريض النفسي الذي يحتاج إلي علاج دوائي,ومن أهم مؤشرات المرض النفسي عدم التكيف الاجتماعي مع الآخرين,اضطرابات الشخص في العمل وقلة إنتاجه لدرجة أنه لايستطيع مواصلة عمله بشكل طبيعي ,وقد يصاحب هذا أعراض جسمانية تتعلق بالأجهزة الحيوية بالجسم مثل الجهاز الهضمي والقلب والجهاز التنفسي ومن أبرز الأمراض النفسية الشائعة في عصرنا هذاالقلق النفسيلايستطيع الإنسان أن يعرف سببا أو مبررا لحالة القلق أو الأرق التي يعاني منها,وهنا لابد من التدخل بالعقاقير ويوجد الآن عقاقير ليست لها أعراضا جانبية.
روشتة مجانية
ويقدم خبراء الصحة النفسية مجموعة من النصائح العملية التي يمكن أن تجنب الكثيرين الدخول في دائرة الأمراض النفسية منها علي سبيل المثال:
اقرأ كتبا عن كيفية مواجهة الاكتئاب وتجارب الآخرين في التخلص منه والنصائح الطبية في هذا الأمر.
00 إذا كانت لديك أفكار انتحارية ومخاوف شديدة حاول ألا تكون بمفردك,تواصل مع الأهل والأصدقاء الذين تشعر معهم بالراحة.
00 إذا كانت هناك بعض الأطعمة تلاحظ أنها تؤثر علي مزاجك مثل السكريات أو القهوة حاول الإقلال منها.
00 عند شعورك بالاضطراب أو القلق يجب أن تأخذ حمام دافيءوتعطر نفسك بعد الحمام فهذا سيعطيك شعورا بالاسترخاء .
00 لاتذهب إلي الفراش إذا كنت من الذين يجدون صعوبة في النوم,إلا عند النوم فقط,حيث سيرتبط الفراش في ذهنك بالنوم,فلا تقرأ أو تأكل أو تشاهد التليفزيون في الفراش,بل الفراش للنوم فقط.
00 مارس رياضة خاصة المشي في مكان به هواء طلق,بعيدا عن الازدحام والعوادم ويمكن أن تقرأ بعض الكتب الفكاهية أو أن تدخل علي مواقع مسلية علي جهاز الكمبيوتر.
00 اذهب للتسوق واشتري لنفسك هدية أو شيئا جديدا محببا لنفسك,وحاول إسعاد الآخرين وخاصة الأطفال,فقد تري في سعادتهم سعادتك واستقرارك النفسي.
00 وقبل كل ذلك عليك بالتقرب إلي الله وقراءة النصوص الدينية المشجعة والتي تعطي رجاء وعزاء يمكن أن يخلصك من دائرة اليأس والإحباط والاكتئاب.
ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
الله يخرجك من الضيق إلي رحب لا حصر فيه.