بالأمس القريب كان من الممكن أن تعرف الأم أصدقاء وصديقات ابنها وابنتها, وعلي قدر حكمتها ومهاراتها التربوية كان يمكنها إرشاد الأبناء في اختيار أصدقائهم,أو تقديم النصيحة بتجنب توطيد العلاقة معسأوص من الزملاء لأن طباعهم وأساليب تنشئتهم لاتناسب أبنائها,وكانت النصائح التربوية تحذر الأهل من أسلوب القمع أو التجسس في مراقبة علاقات الأبناء مع غيرهم وتحثهم علي أسلوب الحوار والإقناع الهادئ,إلا أن بعض الآباء كانوا يضربون بهذه النصائح عرض الحائط ويرغمون أبناءهم علي قطع علاقاتهم ببعض الزملاء أو الأصدقاء ولايسمحون لهم بمجرد الحديث معهم هاتفيا.. تذكرت كل هذا وضحكت في داخلي ضحكة صامتة عندما قالت لي بنت لم تتجاوز الـ14:هل تعلمين ياطنط أنا عندي كم صديق وصديقة؟فقلت كم؟فقالت250 friends فسألتها هل تقصدين زملاء مدرستك؟!..فضحكت وقالت:زملاء أو أصدقاء ما تفرقش..دول كلهم علي الـFacebook.
ورغم أنني أتعامل مع الكمبيوتر منذ 12 عاما تقريبا إلا أنني استخدمه في إطار عملي للبحث عن معلومات أو متابعة الأخبار المختلفة أو استقبال وإرسال الإيميلاتالرسائل الإلكترونيةوالتي حلت محل الفاكسات,وغيرها من التعاملات الإلكترونية المتعلقة بطبيعة عملي,وأبعد ما أفعله أن أتواصل مع إحدي قريباتي التي تعيش في كندا منذ سنوات طويلة,وأتاح الإنترنتلنا تبادل أخبارنا العائلية وبعض الصور الفوتوغرافية القليلة في بعض المناسبات المهمة بالنسبة لنا.
ولكن بعد أن فاجأتني ابنة الـ14 بأن لديها صداقات عنكبوتية عبر مايسمي بـFacebookفتحت الإنترنت وأجريت بحثا عن هذا الموقع لأعرف قصته, فعرفت أنه موقع إلكتروني أنشأه طالب جامعي يدعي مارك جوكربيرج من جامعة هارفارد الأمريكية في عام 2004 ليتواصل طلبة تلك الجامعة معا بتبادل أخبارهم وصورهم وسرعان ما أقبل عليه طلاب جامعات مختلفة,ففتح مارك أبواب موقعه أمام من يرغب في استخدامه وكان ذلك عام 2006 وفي غصون عام واحد أصبح رواد الموقع يزيدون علي 50 مليون شخص من جميع أنحاء العالم,وبالطبع يعد الشباب رواده الأساسيين لأنهم الأكثر مهارة في التعامل مع لغة الكمبيوتر,فضلا عن أنهم وجدوا علي هذا الموقع شيئا من الخصوصية بعيدا عن أيدي الكبار.
عدت أسأل ابني وابنتي عن هذا الموقع,فبدأ كل منهما يطلعني عليه سريعا,فوجدت صورهم في رحلاتهم الجامعية وأعياد الميلاد والأعياد,وكذلك صور أصدقائهم في مناسباتهم المختلفة ووجدت أعداد أصدقاء كل منهم المسجلة علي الموقع بالمئات وليس بالعشرات..من كل هؤلاء الأصدقاء؟!ومتي تعرفتم علي هذه الأعداد الضخمة؟..فقالوا:الموضوع بدأ بعدد من أصدقائنا في المدارس وفي الكليات وبعض الأقارب في الخارج الذين نعرفهم,ولكل شخص مجموعة من أصدقاء آخرين,تظهر صورهم عندما نفتح هذه الصفحة الإلكترونية فيعرضون علينا صداقتهم وتسجيلهم إن أردنا ولنا أن نقبل أو نرفض.
قلت:أي باختصار هذه العلاقات العنكبوتية الإلكترونية هي حصيلة أصدقائكم الفعليين وأصدقاء أصدقائكم الذين تعرفونهم والذين لاتعرفونهم!!فأجابوني بالإيجاب فسألتهما علي استحياء أن يسجلوني علي هذا الموقع لاكتشف بنفسي أعماقه,وبالفعل فعلوا ذلك نيابة عني وبخطوات كثيرة ومعقدة,ولم يمر أكثر من يوم..وبالرغم أنني لم أختار أكثر من خمسة أو ستة أصدقاء للتواصل معهم من بينهم ثلاثة هم زوجي وابني وابنتي..فوجدت عشرات وعشرات طلبات التعارف وانضمام الأصدقاء الذين لا أعرف أحدا منهم,وبالطبع إستعنت بأبنائي وسألتهم من هؤلاء؟! فقالوا هذا صديق فلان وهذه صديقة فلانة وبالطبع إذا اخترت أي منهم سيعرض عليك أصدقاء أولئك بدورهم أن تنضمي إليهم.
شعرت برهبة وفزع من هؤلاء المجهولين الذين رأوا صوري الفوتوغرافية الخاصة والأسرية التي لم أكن أحب ألا أن يراها أقرب المقربين ممن إخترت صداقاتهم..وبدأ أبنائي يمسكون بيدي وهي تضغط عليالماوسليحركوها لاكتشاف أبعاد الموقع كما كنت أمسك يدهم الصغيرة ليكتبوا أ.ب لأول مرة -فهناك مايسمي wallحيث يمكننا أن نكتب رسائل صغيرة لأي فرد من أصدقائنا علي هذا الموقع العنكبوتي,ولكن حذروني من أن هذه الرسائل المكتوبة عليالحائطسيراها كل الأصدقاء,فعرفت أنهارسائل مشاع للجميع فرفضت أن أكتب كلمة واحدة,وشعرت بأنه موقع يخترق الخصوصيات,فسألتهم متوسلة أن يلغوا انضمامي نهائيا في هذا الموقع الذي لا أعرف أبعاده,وربما أقع في أي تورط غير محسوب إلي أن أتقن آلياته.
المشكلة أنه لم يكن لدي كأم الخبرة في هذا المجال لأقدمها لأبنائي أو أحذرهم مما أجهله!!..وكل ما طمأنني نسبيا أنني قمت بتربيتهم بعيدا عن القهر أو الأوامر وزرعت في داخلهم مهارات الانتقاء من خضم مايعرض علينا في أي مكان مستشهدة دائما بما قاله الكتاب المقدسكل الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء توافق….وكل الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء تبني.
ولم أجد ما أقوله لهما سوي أن أخاطبهم بلغة العصر فأرسلت لهما رسالة إلكترونية علي عنوان كل منهما الإلكتروني بها دراسة بريطانية تحذر قائلة سمعتك علي الإنترنت قد تفسد فرصتك للعملإذ تقول الدراسة إن 20% من أصحاب العمل يبحثون عن معلومات عمن يطلبون العمل عبر الإنترنت وأن النتائج تؤثر علي قرار اختيارهم للتعيش,وتحذر الدراسة من وضع صور مرحة أو طائشة علي الـface book ,أو تدوين معلومات خاصة بهم لأصدقائهم غير مدركين أنها قد تكون متاحة لآخرين يهتمون بالحصول علي معلومات معينة عنهم.
وسألت الله أن يحفظهم ويرشدهم.
n.bar [email protected]