بات من الواضح أن الأزمة البرلمانية البحرينية الراهنة وهي أخطر الأزمات التي مر بها البرلمان الحالي, والناجمة عن إصرار جمعية الوفاق طلب استجواب وزير شئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد عطية الله آل خليفة المتهم من قبلها بالفساد والفئوية, في مقابل إصرار رئيس المجلس النيابي خليفة الظهراني والكتل النيابية الأخري علي رفض هذا الاستجواب, نقول: بات من الواضح أن هذه الأزمة هي أزمة جدية تهدد السلطة التشريعية بالشلل إذا ما استمرت جميع الأطراف المعنية علي مواقفها الثابتة دون الوصول إلي مخرج حل وسط مشرف يحفظ ماء وجه الجميع كبديل عن التنازل المجاني المهين والذي يشكل إحراجا أمام قواعدها الانتخابية. ويزيد من تعقيد الموقف ودقته مرور أربع جلسات والأزمة تراوح مكانها, حيث يتكرر ذات السيناريو من الإصرار المتبادل علي المواقف نفسها, فانسحاب رئيس المجلس خليفة الظهراني, فاندلاع المجابهات الصاخبة بين النواب من دون البت في القضايا الآنية المهمة المطروحة علي جدول الأعمال, اللهم النزر اليسير منها هذا إذا تيسر الأمر بمناقشتها.
لا يبدو في الأفق حتي الآن أي مخرج لحل وسط, الأمر الذي يذكرنا بتشابه هذا السيناريو المتكرر الممل مع سيناريو شلل المجلس النيابي اللبناني منذ عدة شهور لغياب الاتفاق علي انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية حيث فشل الاجتماع المطلوب لتحقيق النصاب 17 مرة علي التوالي.
ومع ذلك فثمة عدة أسباب تدفعنا للتفاؤل بأن الأزمة البرلمانية البحرينية لن تكون بأية حال من الأحوال صورة طبق الأصل للأزمة اللبنانية, وأن ثمة حل وسط مشرف يرجح أن يتم التوصل إليه خلال الجلسة المقبلة, وأن سيناريو حل البرلمان الذي يلوح رئيس المجلس النيابي من مخاوف وقوعه مذكرا ببرلمان 1973 ليس صحيحا, فلا السلطة البحرينية, من الوارد أن تتخذ مثل هذه الخطوة, وبخاصة بعدما اتعظت من التجربة البرلمانية السابقة وأمنت للتجربة الجديدة كل ما يجنبها اتخاذ مثل هذا القرار, ولا جمعية ”الوفاق” التي قاطعت الدورة البرلمانية السابقة في وارد الاكتراث أو التخوف من لجوء السلطة إلي خطوة كهذه مستبعدة أصلا وذلك كما هو واضح جيدا من قراءة مواقفها واتجاهاتها من قبل أي مراقب أو محلل سياسي.
لكل هذه العوامل والأسباب نبني تفاؤلنا بأن الرموز العقلانية والحكماء من النواب سيبذلون قصاري جهودهم رغم قلتهم بالتضافر مع الجهود الحثيثة التي تبذلها رئاسة الحكومة والقيادة السياسية ورئاسة الغرفة الثانية المعينة (مجلس الشوري) لفتح الطريق المسدود الذي وصلت إليه الأزمة لإنقاذ السلطة التشريعية من الشلل, وتفادي الوصول إلي أي سيناريو غير محمود العواقب من السيناريوهات المتوقعة المشار إليها آنفا, بما فيها انسحاب الوفاق من البرلمان ومن ثم الحفاظ علي سمعة التجربة النيابية الوليدة, فضلا عن سمعة المشروع الإصلاحي البحريني. وفي هذا الصدد وتأكيدا لذلك تبرز أهمية ودلالات المبادرات والمساعي الأخيرة التي بادرت إليها الأطراف والجهات العقلانية المذكورة. كموقف الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الذي اجتمع مع رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني, أكد فيها الأول خلال المقابلة للثاني أن إنجاح التجربة الديموقراطية يتطلب عملا مشتركا بين جميع مكونات المجتمع ومؤسساته الرسمية والشعبية, بمعني أنه لا يجوز تجاهل أي مكون من هذه المكونات أوقات الأزمات المستعصية. وكذلك اجتماعه بكتلة الوفاق بناء علي طلبها برئاسة الشيخ علي سلمان, وحرصه علي التأكيد خلال هذه المقابلة تقديره للدور الذي تقوم به الكتل البرلمانية وفي ضمنها ”الوفاق” علي الساحة الوطنية والبرلمانية, وأن مجلس النواب, بكتله وأعضائه, شركاء مع الحكومة في تحمل المسئولية الوطنية, وكل له دوره الذي كفله الدستور, كما أكد رئيس الحكومة البحرينية أن الحق الرقابي للنائب مكفول دستوريا علي أعمال الحكومة بجميع وزرائها دون استثناء. كما أكد أيضا ضرورة عدم إعاقة الأدوات البرلمانية.
هذا إلي جانب مبادرة رئيس الغرفة المعينة (مجلس الشوري) وهو في ذات الوقت رئيس البرلمان بغرفتيه المنتخبة والمعينة علي الصالح إلي الاجتماع بقيادة ”الوفاق” في مقرها للبحث عن سبل أو مخارج للطريق المسدود الذي وصلت إليه الأزمة البرلمانية.
فهل نري سيناريو آخر يختلف عن سيناريو الأزمة البرلمانية الكويتية في الخروج من الأزمة؟