يوسف سيدهم: نظم المجلس القومي لحقوق الإنسان مؤتمرا عاما للمواطنة دعا إليه جميع التيارات السياسية والفكرية, وأصدر وثيقة المواطنة تتضمن خطوات عملية لعلاج الخلل في حقوق المواطنة, وتأتي أهمية هذه المبادرة أنها صادرة من جهاز قومي تابع للدولة يمثل المصريين جميعا.
كانت هناك إرهاصات سابقة خلال الأعوام الأخيرة لمناقشة مبادئ المواطنة ورصد أشكال التمييز الواقع ضد بعض المواطنين بسبب ديانتهم لكن تعرضت تلك الإرهاصات للشجب والإدانة.
نصت الوثيقة علي اعتبار سنة 2008 عاما للمواطنة وأن المجلس القومي لحقوق الإنسان يهيب بمجلسي الشعب والشوري بالنظر إلي التوصيات والأخذ بها خاصة في إصدار قانون موحد لدور العبادة و قانون لمنع التمييز وإيجاد حل لمشكلة البهائيين والعائدين إلي المسيحية.
وبالرغم من بعض اللغط الذي سبق انعقاد المؤتمر العام للمواطنة, والذي فسره البعض بأنه ارتباك تنظيمي من جانب المجلس القومي لحقوق الإنسان, وفسره البعض الآخر بأنه استبعاد – تنظيمي من جانب المجلس – لعناصر بعينها, إلا أن مضمون الوثيقة الختامية والالتزامات الواضحة فيها والدعوة لمتابعتها وتفعيلها خلال عام 2008 لتقييم ما تحقق منها, تستحق منا جميعا أن ننحي جانبا أية شكوك أو هواجس انتابتنا إزاء المؤتمر, وأن نشاركة جهوده الجادة نحو تفعيل الوثيقة فما لا يدرك كله لا يترك كله, ولاتزال هناك أمور كثيرة تنتظر التغيير المرحلي الهاديء, وبدلا من العويل والبكاء علي ما لم يتم إدراكه فلنعمل جميعا علي بلوغ التغيير, حتي وإن كان خطوة محدودة تليها أخري ليكون التغيير الحقيقي في التراكم المأمول.
تعتبر الثيقة إعلان حقوق المواطنة تسجيلا وتوثيقا للالتزامات التي تدعو إليها لإصلاح أوجه الخلل في معايير حقوق الإنسان يتم خلاله تفعيل حوار مجتمعي متعدد المستويات يهدف إلي إعداد التشريعات ووضع السياسات اللازمة لتعزيز مبدأ المواطنة وتحويله لبرامج عمل وواقع يلمسه المواطنون جميعا بلا تمييز من حيث الجنس أو الدين أو الطبقة أو الفكر أو الانتماء السياسي كما أن التعديل المهم بإدراج مبدأ المواطنة في صدر دستور مصر عام 2007 يمثل تحديا تاريخيا يضع مصر علي مفترق طرق, فهو استحداث يمثل فرصة واعدة لتطورات إيجابية فيما يتعلق بالتوازن بين السلطات وحقوق المواطنين وفعالية المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
خاصة وقد تجاوزنا مرحلة الرصد وعلينا الانتقال إلي مرحلة الحلول. فماذا يمكن للمجلس أن يفعل خلال عام المواطنة؟ وكيف نفعل هذه الوثيقة؟ وليجب الدكتور مصطفي الفقي باعتباره أحد أعضاء هذا المجلس علي تلك التساؤلات.
بلد شعارات
د.مصطفي الفقي: مصر أكثر بلد ترفع شعارات ولا تنفذها, مثل دولة الفضائيات, عام القضاء علي البطالة, عام المواطنة, دون أن نري ما المتحقق علي أرض الواقع. وهذه حالة مصر ية خالصة لابد من دراستها.
فكلمة المواطنة ترددت كثيرا ووجد فيها المصريون نوعا من الخلاص لما تحتوي عليه من معاني تكافؤ الفرص والمساواة رغم الاختلاف, وتقوم علي فكرة الوطن الذي يضم أبنائه جميعا دون استثناء: المرأة والرجل, المسيحي والمسلم وسبب انتشار وتردد هذه الكلمة.
الوحدة الوطنية (العلاقة بين المسلم والمسيحي) كذلك هموم الأقباط التي أثقلت كاهلهم علي مدار عقود طويلة.
هذا الشكل لمفهوم المواطنة انعكس علي التعديلات الدستورية الأخيرة حيث تمسك الكثيرون بالمادة الثانية الخاصة بالشريعة, وللتوازن والموائمة السياسية صدرت المادة الأولي عن المواطنة في صدر الدستور, والتي جاءت كفلسفة للوجود والتاريخ المصري ومظلة وضمانة وحماية لكل من يلوذ بها مرأة أو مسيحي أو بهائي.
أما الواقع المصري فمحمل بكثير من أسباب التوتر, وليس صحيح أن الوضع في أحسن حال, توجد مشاكل كبيرة للشباب والأقباط والمرأة تحت الرماد يزكيها تدهور عام في النظام التعليمي, فلا يوجد نظام تعليمي واحد, هناك التعليم الأزهري والتعليم الاكليريكي والعام والأجنبي. والشرائح المتوسطة فيها درجة كبيرة من التعصب, والأقباط لهم حقوق ويعانون من مشكلات. أهمها أسلمة البنات قسرا وهذا حله بسيط, فخطف البنت القاصر جناية يعاقب عليها القانون أما البالغ فيتم إجراء جلسة نصح ديني داخل المجلس القومي لحقوق الإنسان وليست في جامع أو كنيسة, يعد عدم إعطاء أوراق ثبوت للعائدين للمسيحية حجر علي حرية الاعتقاد وحرية الرأي, لنواجه مشاكلنا بشجاعة, إذ يجب رفع خانة الديانة من البطاقة, علي أن تظهر فقط في أرواق الوفاة والزواج.
لم تعد سياسة المواءمات والضغوط نافعة وإذا استمرت لن تتحقق أية إنجازات, فبناء دور العبادة لا بد أن يتحقق عن طريق قانون موحد لبناء دور العبادة. وليكن شعار المواطنة عمليا وأي مواطن يتم تخطيه كقبطي يلجأ إلي القضاء استنادا إلي المادة الأولي من الدستور. فالإسلام الحقيقي يمنح الناس حقوقهم.
تغيير بطئ
منير فخري عبد النور: أختلف مع رأي يوسف سيدهم في أننا تجاوزنا مرحلة تشخيص الداء, قد تكون النخبة أدركت ذلك, لكن المجتمع لم يتجاوز هذه المرحلة, هناك جزء غير مقتنع بوجود مشكلة وتمييز ضد الأقباط , وهذا مكمن الداء.
المجتمع غير معترف بوجود هذه المشكلة, في ظل فكر-مواجهته تتم بالتعليم والإعلام وتغيير الخطاب الديني- اخترق الثقافة المصرية. لست متفائلا فالتقدم سيكون بطيء. القضية ثقافية في المقام الأول, والتغيير في ثقافة المجتمع عملية صعبة وتحتاج إلي جيل كامل, كما أن الدولة تتعامل بشكل غير شجاع مع الأحداث الطائفية. و تفتقد للصراحة واحترام القانون, توجد جريمة, الجاني والمجني عليه معروفين والقانون يجب إعماله, لكن تتجاهله الدولة وتستخدم طريقة للعلاج تشير إلي وجود خلل. يوجد خطر يهدد مصر. وتعد وحدة المسيحيين والمسلمين هي الضمانة لصد أي اختراق, وهنا تقع مسئولية علي المؤسستين الدينيتين المسيحية والإسلامية للحفاظ علي الوحدة الوطنية.
ولذلك أنا متشائم من الوضع, فأقصي ما نطمح إليه هو صدور قانون دور العبادة الموحد خلال هذا العام بالاضافة إلي تعديل النظام الانتخابي.
قضية حقوقية لا دينية
حافظ أبو سعده: الموضوع ليس منح أو عطايا أو سماح من شخص لفئة من المجتمع حتي لو كان علي رأس السلطة, فالوطن ليس قضية أقباط ومسلمين فقط, أني أشعر بالخطر الشديد حين نؤكد أن مشاكل مصر مشاكل ثقافية وإعلامية فقط, والمشكلة الحقيقية تتمثل في عدم سيادة القانون.
المواطنة يتجسد في سيادة القانون. فكيف يصدر حكم قضائي يتحدث عن أن بقاء أبناء الأم المصرية المسيحية الذي أسلم زوجها في حضانتها خطر وفي نفس الوقت نهلل لوجود مادة خاصة بالمواطنة فهناك حالة من التناقض بين مواد الدستور وبعض الأحكام القضائية.
ثم نصل للإجابة علي السؤال: كيف يتم تفعيل بنود وثيقة المواطنة الصادرة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان؟ والتي تتلخص في ثلاث نقاط:
أولا: اعتبار قضية الأقباط قضية حقوقية وليست قضية دينية, فيجب أن يكون هدفنا تطبيق القانون عند وقوع اعتداء نحتكم إلي القانون الجنائي والقانون المدني لمعاقبة الجناة وتعويض المجني عليهم, ولا نكتفي بجلسات الصلح العرفي الصورية.
ثانيا: لابد من المشاركة السياسية لجميع المصريين وعدم استبعاد اي شخص بسبب دينه, فهل يمكن نبني ننبي مجتمعا علي أساس استبعاد فيصل منه ويكون تمثيله تمثيلا رمزيا؟.
ثالثا: المساواة أمام القانون وإصدار قانون لمواجهة التمييز ومعاقبة المسئولين عنه سواء كان علي أساس اللون أو العرق أو الدين, فعدم وجود هذا القانون سمح لجماعة الإخوان أن تعلن عن برنامج سياسي قائم علي التمييز ضد الأقباط واستبعادهم مع المرأة من تولي المناصب القيادية العليا.
المواطن وسيادة القانون
فهمي ناشد: المواطنة تعني الانتماء إلي الوطن وليس للدين
مجدي خليل: ماذا سيفعل المجلس القومي لحقوق الإنسان في عام 2008؟, وإذا لم يتم تفعيل وثيقته للمواطنة. هل سيصدر أعضاء المجلس بيانا لإدانة الوضع في مصر؟
نجيب جبرائيل: الكل يؤمن بالمواطنة, ولا نعرف من يقف أمام تحقيقها؟!.
نجلاء الإمام: لا يجب أن نختزل المواطنة في العلاقة بين المسلم والمسيحي. كما يجب أن تبدأ المواطنة من الشارع وليس من القانون.
ناريمان ناجي: أتفق مع الرأي السابق, فالقانون معروف أنه متحيز رغم أن القاعدة القانونية لابد أن تكون ملزمة ومجردة
القس رفعت فكري: لا يمكن الحديث عن كلمة المواطنة في ظل مادة دستورية تقول إن مصر دولة إسلامية, وهذا يتعارض مع مادة تقول بالمواطنة في الدستور
روؤف اسحق: نحن نتحدث عن المواطنة في واقع يرفض اعطاء البهائيين أي ورقة رسمية تثبت أنهم بهائيون, وكل هذا في ظل عام المواطنة ووثيقة المواطنة!
باسم سمير: من يتحدث عن المواطنة هم النخبة وليس الشارع المصري البسيط المطحون وراء اشباع حاجاته الرئيسية.
هاني دانيال: ماذا بعد عام 2008؟, وهل هناك فرصة للمجلس أن يصدر قانونا لتعديل إنشائه حتي لا يكون مجلس استشاري.
سامية كامل: المواطنة هي الحل الأمثل لواقع مصر, ولكن يجب أن تتم الدعوة لها من خلال موضوعات القراءة والتاريخ داخل المناهج الدراسية ولا يعالج فقط من خلال درس واحد في الصف الثاني الاعدادي كما هو حادث حاليا.
ردود وتوضيحات
د. مصطفي الفقي: ردا علي سؤال:”ماذا أنتم فاعلون في المجلس القومي لحقوق الإنسان لتفعيل المواطنة؟”, أقول إنه لا أحد يمكن أن ينكر دور المجلس في تحريك المياه الساكنة, فلا ننسي تقديمه قانون دور العبادة الموحد وغيره من القوانين المهمة فضلا عن وثيقة إعلان المواطنة. ويجب أن يتحد المسلم والقبطي في الدفاع عن مشاكل الاقباط أمام مجلس الشعب أو الشوري وليس باماكن دور العبادة.
منير فخري عبد النور: معروف أن مشاكل الأقباط لها بعد حقوقي ولكن لا يوجد أي اعتراف بذلك فالقانون نتاج ثقافة, ففي النهاية غذا إذا كانت الثقافة المصرية فاقدة الاعتراف بمشاكل الأقباط وهمومهم فإن معالجة المشاكل يكون صعبا جدا, وهذا ما يدعوني للتشاؤم.
المجلس سوف يرصد الواقع وسيتابع قانون دور العبادة الموحد وقانون منع التمييز. ولا نستطيع إغفال تقارير المجلس شديدة الشجاعة في رصد الواقع.
يوسف سيدهم: لي سؤال مطروح أمام الجميع وهو: ما المسارات المطروحة حتي نأخذ خطوة للامام؟. كنت شديد التخوف من أن المجلس القومي لحقوق الإنسان جاء لتجميل صورة النظام الحاكم في مصر, ولكن مبادرة المجلس للمواطنة تعتبر غير مسبوقة, كما أن المجلس لديه جذور تواصل مع الحكومة. وعلينا أن نشارك في ورش عمل المجلس الخاصة بعام المواطنة.
حافظ أبو سعده: لا يجب أن نترك للمتطرفين خطف المواطنة. ولابد أن توجد قوانين لتفعيل ما نطلب به, ففي قضية الكشح أكتشفنا أن المحضر كان مزيفا فجاء الحكم ظالما, وهذا ليس عيبا في القضاء وإنما عيبا في سلوك بعض رجال الشرطة. وعلينا في الفترة المقبلة ممارسة المزيد من الضغط لتحقيق نقاط الوثيقة.
ملامح وثيقة المواطنة
هناك ملامح رئيسية مهمة في وثيقة إعلان حقوق المواطنة وجميعها تمثل نظرة طموحة واعية نحو مستقبل حقوق المواطنة وحقوق الإنسان وتستحق أن نبادر جميعا بالمشاركة في مسار تفعيلها خلال عام 2008.
في السطور التالية نلقي نظرة إلي بنود الوثيقة التي احتوت علي ثلاثة أقسام الأول حول مبادئ عامة والثاني توصيات خاصة بعملية الحوار والثالث خاص بالتوصيات الخاصة بمضمون التعديلات التشريعية والسياسية والثقافية المقترحة لتعزيز مبدأ المواطنة وتحويله من مجرد نص في الدستور والتعديلات الدستورية إلي واقع ملموس.
ونعرض في السطور التالية للقسم الثالث الخاص:
** المواطنة والبطالة:
ضرورة عدم التمييز بين المواطنين في مجال إتاحة فرص العمل ووضع نظم معلنة وشفافة لشغل تلك الفرص بناء علي شروط موضوعية لا تحكمها إلا المؤهلات والإمكانات المهنية المطلوبة بعيدا عن الجنس أو العرق أو الدين أو الخلفية الاجتماعية أو الانتماء السياسي.
** المواطنة والأوراق الثبوتية:
هناك بديلان لمكافحة التمييز بخصوص الأوراق الثبوتية, أولهما حذف خانة الديانة من تلك الأوراق باعتبار ذلك أفضل ضمان لمكافحة التمييز بين المواطنين علي أساس الدين – خاصة في ضوء أن الاحتياج لمعرفة ديانة المواطن في بعض الأمور القانونية لايستدعي بالضرورة إثبات الديانة في الأوراق الثبوتية – وثانيهما, في حالة استمرار إثبات الديانة في الأوراق الثبوتية عدم الاقتصار علي الديانات السماوية الثلاث وذلك من منطلق حرية العقيدة, لأن حرمان أي مواطن من حقه في إثبات مايعتقده من دين يؤدي إلي حرمانه من حقوق المواطنة.
** المواطنة ومكافحة التعذيب:
ضرورة أن تجعل وزارة الداخلية من حسن معاملة المواطنين واحترام الكرامة الإنسانية لهم – ولو كانوا متهمين أو مشتبها فيهم – أحد أهم معايير تقييم الأداء المهني لرجال الشرطة, وأن يؤخذ هذا التقييم كمسوغ للمكافأة أو كسند للمساءلة.
** المواطنة ودور العبادة:
حث مجلس الشعب علي سرعة إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة بحيث يخضع إنشاء وصيانة كافة دور العبادة لنفس القواعد وبحيث تحظي جميع دور العبادة بنفس الرعاية الاقتصادية والاجتماعية من جانب الدولة.
** المواطنة والمصريون في الخارج:
ضرورة إتاحة الفرصة للمصريين المغتربين للمشاركة في العملية الانتخابية, بما في ذلك الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والتشريعية مع إتاحة حقهم في الترشيح.
** المواطنة والمنظمات غير الحكومية:
ضرورة إعادة النظر في قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2004 لتعديل أحكامه للحد من القيود غير المقبولة وغير الضرورية التي يفرضها علي حرية إنشاء المنظمات غير الحكومة وأدائها لدورها في تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
*** تعاون مصر مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان:
مطالبة وزارة الخارجية بعقد مؤتمر دوري سنوي يضم كافة الوزارات وكذلك المنظمات غير الحكومية المعنية لتدارس أهم التطورات الدولية المتصلة بمفهوم المواطنة وعدم التمييز في إطار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وباقي آلياتها ذات الصلة.