بعد الارتفاع الجنوني لأسعار اللحوم وتدمير صناعة الدواجن في مصر, وفشل الحكومة والمسئولين في توفير بروتين غذائي للمواطن محدود الدخل, والذي لم يصبح أمامه غير الأسماك كمصدر أساسي للبروتين, تتجه الآن وزارة الري لإجراء تعديلات علي قانون الري والصرف رقم 12 لسنة 1984, والتي في حال تطبيقها يترتب عليها ليس فقط ارتفاع في أسعار الأسماك, بل وتدمير لمنظومة المزارع السمكية بأكملها, هذا ما ذكره الخبراء في هذا المجال.. تري ما هو السبب في تلك التعديلات؟ هل مشاكل دول حوض النيل حول تقسيم مياهه مع تمسك مصر بحقها التاريخي في حصتها من مياه النيل سببا؟ ولماذا جاء هذا القرار؟ هذا ما سنعرفه في التحقيق التالي:
ذكر د. محمد فتحي رئيس هيئة الثروة السمكية أن التعديلات المقترحة من وزارة الري والموارد المائية علي قانون الري والصرف رقم (12) لسنة 1984 والمقدمة إلي مجلس الوزراء تهدف إلي إلغاء المزارع السمكية المفرخات السمكية المقامة علي المياه العذبة والسطحية والمياه الجوفية التي تقل ملوحتها عن 3000 جزء في المليون بمعرفة أصحابها وعلي نفقتهم خلال عامين, وهذا لأن -حسب تقديرات الموارد المائية- الري المستخدم في الاستزراع السمكي يستهلك 8 آلاف متر مكعب مياه للفدان الواحد, أي أن المطلوب أربعة آلاف جنيه للفدان سنويا تدفع لوزارة الري مع إزالة جميع الأقفاص السمكية القائمة علي المياه العذبة.
أما القائمة قبل صدور القانون والتي يتم تغذيتها علي مياه المصارف الزراعية يتم تقنين أوضاعها وتحصيل ألفي جنيه عن كل فدان, وتفويض وزارة الري والموارد المائية بتغريم أصحاب المزارع المخالفة بمبلغ عشرة آلاف جنيه للفدان.
محدودو الدخل يدفعون الثمن
أوضح د. محمد فتحي أنه في حال تطبيق تلك التعديلات سوف يتم تدمير الثروة السمكية واصفا التعديلات بغير المحسوبة وغير المدروسة, مشيرا أن الاستزراع السمكي يستهلك من 3400 إلي 4000 لتر من الماء للفدان, وينتج عنه من 3 إلي 4 طن سمك, هذا يشجعنا علي الاستمرار في الاستزراع, فإذا كانت مصر دخلت دائرة وسلسلة من المشاكل والنقاشات بين دول حوض النيل في توزيع المياه فهذا يجعلنا نرشد استخدام المياه في أشياء أخري متمثلة في استخدام المياه في ملاعب الجولف والمدن السياحية والمنتجعات السياحية والحدائق والتي تستطيع تحمل أي تكلفة ولا تؤثر علي البروتين الوحيد أمام محدودي الدخل.
الإتاوة
انتقد محمد الفقي رئيس الاتحاد التعاوني للثروة السمكية التعديلات المقترحة من وزارتي الري علي قانون الري والصرف بشدة قائلا: التعديلات تجعلنا نرجع للخلف عشرين عاما في الاستزراع السمكي, فهي بمثابة إتاوة أو جباية تفرض علي أصحاب المزارع السمكية, وهي قرارات كارثية علي قطاع الاستزراع السمكي, ولابد من حوار مع المسئولين بوزارة الري حتي يتم التوصل إلي اتفاق ينقذ المزارع السمكية.
وأضاف الفقي: الاستزراع السمكي في مصر يصل إلي 665 مليون طن في السنة من إجمالي الناتج المحلي مليون طن و66 ألف في السنة, أي أنه يكفي لسد 65% من احتياجات السوق المحلية ويعتبر أهم الأنواع التي تزرع هي البلطي والبوري والقراميط وهي ما يستهلكها المواطن محدود الدخل, أيضا الاستزراع السمكي أحدث انضباطا في الأسواق خاصة بعد نقص البروتين وحالة الغلاء في الأسعار التي يعيشها المواطن, ففي حال تطبيق هذه التعديلات سوف يرتفع سعر كيلو السمك ربما إلي الضعف, وهو ما يزيد العبء علي المواطن.
والأعلاف أيضا
نحن ضحية قرارات غير مدروسة, هذا ما ذكره م. محمد عادل منصور رئيس مجلس إدارة إحدي الشركات تصنيع أعلاف الأسماك, فكلما تغيرت القيادات تغيرت القرارات, وليس نحن فقط من نتحمل النتيجة, بل المواطن محدود الدخل, وفي حال تطبيق التعديلات المقترحة علي ما حققناه من طفرة في هذا المجال, فالقطاع الخاص يستحوذ علي 98% من الإنتاج السمكي, وإذا كانت وزارة الري تتحدث علي الفقر المائي الذي نمر به فإن القضاء علي الاستزراع السمكي لن يحل المشكلة, لأنه باختصار شديد الاستزراع لا يسئ لاستخدام المياه, مؤكدا أن الدولة في الفترة الماضية قدمت كل التسهيلات وشجعت علي العمل في هذا المجال حتي أصبحنا متفوقين, ووصل إنتاجنا إلي مليون طن سنويا, ونصدر 400 ألف طن سنويا ونستورد 300 ألف طن, فكيلوالسمك 90% بروتين يستهلك 600 لتر ماء من البخر في الأحواض المكشوفة وكيلو اللحم الأحمر يستهلك 800 لتر مياه.
وأضاف: سيترتب علي ذلك توقف مصانع أعلاف الأسماك, فنحن الآن نمتلك مصانع أعلاف صديقة للبيئة طبقا للمواصفات العالمية وتستخدم التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج باستثمارات وصلت إلي 600 مليون جنيه, وننتج 250 ألف طن علف, ويعمل بها 5000 عامل, ويوجد خطة لتضاعف هذه الاستثمارات خلال عام .2012
مشاكل حوض النيل .. السبب
أفاد د. مجدي توفيق أستاذ البيئة المائية والمدير التنفيذي للجمعية المصرية للثروة السمكية فأبدي استياءه من التعديلات قائلا: إنها بداية لبيع المياه وتسعيرها, ولا أستبعد أبدا بيع المياه للمزارعين في مجال الزراعة في وقت لاحق, وأحد الأسباب الرئيسية لها توزيع حصص مياه النيل بين مصر ودول حوض النيل, والمفاوضات التي بدأت تدخل في طريق غير مبشر بشأن حصة مصر التاريخية, أيضا تقرير البنك الدولي والذي يفيد أن مصر تستعمل المياه باستهتار الذي أوصي بضرورة تعامل مصر مع المياه بشكل أكثر حرصا, فأنا مندهش إذ أن الاستزراع السمكي يستخدم نفس المياه التي يستخدمها الاستزراع النباتي سواء في الأحواض أو الأقفاص السمكية في المجاري المائية, بل في بعض الأحيان أقل من بعض المحاصيل الزراعية, ويظهر ذلك بشكل واضح في المناطق الصحراوية من خلال الزراعة المتكاملة للإنتاج السمكي والنباتي والحيواني, فالمعروف أن الأسماك تستخدم المياه ولا تستهلكها, إذا أخذنا في الاعتبار الأهمية الاقتصادية لقطاع الاستزراع السمكي ومساهمته في توفير مصدر البروتين للطبقات محدودة الدخل والتي تمثل غالبية الشعب المصري, وعلي هذا فإن توفير احتياجات المزارع والمفرخات السمكية من المياه التي تقدر بحوالي 766 مليون متر مكعب (أكثر من 90% مياه صرف زراعي) هو ما يجب أخذه في الاعتبار, فعلي وزير الري النظر مرة أخري في التعديلات التي ضررها سوف يتكبده كثير من المصريين.
التعديلات تزيد حدة التوتر
أما د. أحمد برانيه خبير اقتصاديات الثروة السمكية بوزارة التخطيط فقال: التعديلات غير موائمة سياسيا, فمصر ليس بها أزمة بروتين فقط ولكن أزمة غذاء أيضا, فكيف نحرم المواطن من المصدر الوحيد الرخيص له في الغذاء تحت مسمي مستتر وهو الحفاظ علي المياه, ففي حال تسعير المياه سوف تحصل الدولة علي 197 مليون جنيه, وتقضي علي استثمارات الاستزراع السمكي بـ10 مليارات جنيه, وهو ما يهدد الأمن الغذائي أيضا في ظل أزمة المياه بين مصر ودول حوض النيل, أعتقد أن تسعير المياه في الاستزراع السمكي سوف يضعف موقف مصر أمام دول حوص النيل, مما يزيد حدة التوتر في الفترة المقبلة.
الجدير بالذكر أن وزارة الري رفضت الرد علي ما طرحناه عليها من نتائج مدمرة حول التعديلات التي أقرتها, وعن رأى دكتور ضياء القويضى مستشار وزارة الرى الذي التقينا به في الوزارة, ذلك بأنه ليس لديه علم بالموضوع, وعلينا اللجوء إلي خبراء البيئة, وفي النهاية تبقي الكارثة معلقة, فهل من تغيير؟