تاريخ نقد الأدب,الأسس والمعايير الموضوعية لنقد الأدب,أهداف نقد الأدب وتأثير هذا النقد وماذا عن رد الفعل,ثم ما الصعوبات التي تواجه النقد في مصر وألمانيا وكيفية مواجهتها؟…حول هذه الموضوعات وغيرها جاءت حلقة النقاش التي نظمها معهد جوتة-المركز الثقافي الألماني-في إطار مشاركته بأنشطة معرض القاهرة الدولي للكتاب مؤخرا.شارك في هذه الحلقة النقاشية كل من:الناقدة الألمانيةإنجيه زنكر بالتيس,والدكتورة فوزية حسن الناقدة والأستاذة بأكاديمية الفنون,والأديبة والصحفية إخلاص عطا الله.
خطوات أساسية
حول بناء الحكم علي العمل الأدبي تحدثت في البدايةإنحيه بالتيس:
لا أقول أسسا أو مبادئ أدبية,بل هناك خطوات أساسية…فأنا كناقدة لا أقرأ أي كتب حول العمل الذي أتصدي للكتابة عنه حتي لا أتأثر مسبقا بهذه الكتب,وأضع نفسي مكان القارئ,وإذا لم يحركني الكتاب بعد قراءة 15صحفة وأشعرني بالمل والنفور,فأقول لنفسي:ليس هذا بالكتاب الجيد(حتي لو كان الأسلوب جيدا) ولا يقول شيئا بل أمورا تافهة,إن ذلك كله لا يحركني لأن أكتب عنه,أما عن منهجي في الكتابة,فإنني أضع مقدمة أولا وأقرأ بعض الحوارات الصحفية التي أجراها الكاتب وماذا عن خلفية حياته,وبعض الأشياء والمراحل التي مر بها.
أضافت بالتيس:من الكذب أن ننتقد كتابا لم نقرأه حتي النهاية,وهناك نموذج حي رأيته بنفسي,حيث إن اثنين من النقاد الكبار في ألمانيا(لن أذكر اسميها)قرءا رواية لإحدي الكاتبات وأخذا يهزان رأسيهما,ولما سئل أحدهما عن هذا الكتاب,قال: إنه رائع ولابد أن يرشح لجائزة مهمة,ثم حدث أن انتقد نفس الكتاب بالتليفزيون فقال هذا الناقد نعم,ولما سئل ثانية:كيف يوافق علي انتقاده وقد رشحه من قبل لجائزة,أجاب:لم أكن قد قرأت الكتاب حينذاك!وعندما حدث هذا الأمر كان شيئا مؤسفا في الوسط الأدبي في ألمانيا!إذن مثل هذا النقد الأدبي لا يجب أن نعترف به.
وعن دور النقد أضافتبالتيس:عندما يتعرض ناقد لعمل أدبي لا يحظي سوي ببعض الشهرة لعله يصبح معروفا في مجاله,ومثال علي هذا:هناك من يقرأون ما أكتبه في المجلات الأدبية المتخصصة عن هذا العمل أو ذاك فيشترون الكتاب,فيشتهر الكاتب,أما أنا فلا أحظي بنسبة من المبيعات ولا أحصل إلا علي راتبي بالمجلة.وهذا الأمر قد يمثل صعوبة وهناك صعوبة أخري تواجه عملية النقد وهي أن المساحة المخصصة للنقد قليلة جدا,فهي مسألة تحدي أن تقلص الكتاب إلي عدد محدود من الصفحات.وأنا لا أوافق علي الرأي القائل بإن الكتب التي تمتدح لا تباع والكتب التي تنتقد بشكل سئ يشترونها القراء لبناء الرأي بأنفسهم.
أما عن العلاقة بين الإبداع والجوائز فقال:علي القارئ قراءة الكتاب فور صدوره.لكن كيف يتسني للقارئ المسكين المتابعة الفورية والمستمرة؟في هذه الحالة قد تكون الجوائز طريق مساعدة للقارئ,وفي ألمانيا يكون الكتاب(الذي يطرح للجائزة) قد مر بالأعمدة الصحفية لمدة أسبوعين وأثار الجدل,أي يرشح للجائزة بعد مراحل طويلة جدا,كما أن لجان التحكيم بها أعضاء من النقاد الأدبيين,وهناك كثيرون في ألمانيا يحصلون علي جوائز,لكن هناك أيضا جيشا من الكتاب المبدعين لا يدركهم النقاد ولا أحد يتحدث عنهم.وهذه مسألة سيئة جدا!ونحن النقاد في النهاية بشر,فأنا أذهب إلي دار نشر أعرفها ثم أنظر للكتاب الذين أعرفهم.
وفي نهاية حديثها أشارت بالتيس إلي أن هناك ترجمات كثيرة تستحق أن تعاد,جميل أن يحدث ذلك في مصر عندما تعاد ترجمات جوتة وغيره.
معايير علمية
وأكدت الناقدة الدكتورة فوزية حسن أنه لابد من معايير موضوعية وعلمية لعملية النقد الأدبي,فهناك بعض ما يكتب علي صفحات الجرائد يسمي نقدا,لكنه في الواقع كتابة صحفية غير متخصصة,لذلك نحن بحاجة إلي أقلام نقد حقيقية,وعلي الجانب الآخر,فإن الناقد قد يواجه بعض الصعوبات كعدم تخصيص مساحة كافية لما يكتبه,أيضا المقابل المادي قد يكون ليس مجزيا أو قد لا يوجد من الأصل,ولوقت قريب كان جهاز الإذاعة والتليفزيون المصري يدفع مقابلا ماديا للمؤلفين والنقاد عبر برامجة الثقافية والنقدية,أما اليوم فاختلف هذا الأسلوب تماما,وبالنسبة لي أري أن عملية النقد مهمة وضرورية للأخذ بيد المواهب الشابة الحقيقية,لذلك أمارسها-عن حب وقناعة-عبر وسائل الإعلام المختلفة من صحافة أو إذاعة أو تليفزيون.
وعن سؤالها عن العلاقة بين الترجمة والنقد,قالت:عندما أترجم عملا أدبيا أكتب دراسة عن هذا العمل وأشرحه من خلال الترجمة,وقد اخترت20كتابا من الممكن أن يكونوا جسر تواصل بين مصر وألمانيا,وهذه الكتب لعشرين من الأدباء المعاصرين الألمان تم اختيارها بوعي شديد,كما أنني أكتب عن الأديب نفسه بالإضافة للكتابة عن عمله.
الإبداع ونظرية الاتصال
وذكرت كاتبة هذه السطور أن العملية الإبداعية تتكون من ثلاثة أطراف:
(1)المبدع أو الأديب في مجالات:القصة والشعر والمسرح والرواية…
(2)القارئ
(3)الناقد:وهو الوسيط بين الأديب والقارئ,ويستطيع القارئ أن يقوم بدور الناقد أيضا.
وفي علوم الإعلام هناك ما يسمي نظرية الاتصال التي يمكن تطبيقها علي العملية الإبداعية كالآتي:
المرسل(الأديب)
المرسل إليه(القارئ)
الرسالة(العمل الأدبي نفسه قصة أو شعر…إلخ)
المعلومات والآراء المختلفة داخل العمل
رد الفعل أو رجع الصديFeed backوهذا العنصر الأخير من عناصر نظرية الاتصال يمثل الدور الذي يقوم به الناقد,وهذا يقودنا إلي دور النقد:
1-الكشف عن أبعاد العمل ودلالتها المختلفة من خلال شرحه وتفسيره وتحليله.
2-الكشف عن جوانب العمل الإيجابية والسلبية وهذا يؤدي إلي تقييم العمل الأدبي شكلا ومضمونا.
3-معاونة القارئ علي اختيار الأعمال ذات المستوي الرفيع من خلال الحجج المنطقية التي يدعم بها وجهة نظره.
4-الكشف عن آثار هذا العمل علي الجمهور المتلقي.
5-إبراز الصلة العضوية بين الأديب وجمهوره,فالناقد يساعد الأديب علي إدراك نبض الجمهور,ذلك النبض الذي يتجسد في أعمال المبدع الأدبية,وفي ذات الوقت فإن النقد الصادق والموضوعي يغلق الباب أمام مدعي الموهبة الذين يقتحمون المجال دون مراعاة القيم الإنسانية والجمالية والفكرية التي يجب أن يتضمنها العمل الأدبي.
ولكن كيف يصل الناقد إلي الجمهور؟
هناك طريقان:النقد الأكاديمي البحت الذي يدرس بالجامعات والمعاهد,والثاني:النقد من خلال وسائل الإعلام المختلفة,وفي كل من الوسيلتين يقوم النقد علي أساسين:النظريات والقواعد والأصول العلمية,أيضا علي انطباعات الكاتب الذاتية وذوقه الفني,فالنقد ليس مجرد عملية ميكانيكية لتطبيق قواعد علمية صارمة ثم الخروج بنتائج محددة,وإنما هو علم وفن ومزيج بين موضوعية العالم وذاتية الفنان,لذلك نجد فرقا بين ناقد وآخر رغم قد أنهما يتصديان لعمل واحد,لذلك يجب أن يكتب المقال النقدي بلغة بسيطة ومفهومة ليفهمها القارئ العام غير المتخصص تجمع بين موضوعية العلم وجمال اللغة الأدبية.
أما عن الصعوبات التي تواجه الناقد وعملية النقد,فذكرت الكاتبة أن الأدب يعاني من ظاهرة قد لا تعاني منها الفنون الأخري كالسينما والموسيقي,حيث إن المادة الخام للإبداع هي اللغة,وهي ليست ملكا للأديب فقط بل هي ملك لنا جميعا بحكم أنها أداة الاتصال بين البشر الذين يستخدمونها-علي اختلاف ثقافاتهم-في حياتهم اليومية,وبذلك فإن الأديب يشترك مع هؤلاء جميعا في استخدام القراءة والكتابة والحديث والكلام مما يؤدي إلي صعوبة التمييز بين المزيف والأصيل,وتقل هذه الصعوبة في مجالات الفنون الأخري التي تستخدم أدوات العلم والصنعة بشكل أوضح ولا يستطيع المرء اقتحامها إلا إذا كان دارسا لعلومها بصفة عامة كمجال السينما الذي لابد لمن يعمل فيه أن يدرس فروع هذا الفن من سيناريو أو إخراج أو مونتاج…إلخ,أما الأديب فكل من يمسك بالورق والقلم يظن نفسه أديبا ومفكرا,وتزداد الصعوبة إذا كان هذا المدعي يملك من الوسائل الشخصية والإمكانات المادية التي تمكنه من نشر أعماله الهزيلة وفرضها علي الذوق العام,وبالتالي قد يتصور الجمهور العادي المتلقي لهذه الأعمال أن صاحبها من أعلام الحركة الأدبية المعاصرة لاسيما في غياب الحركة النقدية الواعية.