يتردد في الآونة الأخيرة اسم مدينة رفح ومعبر رفح وأخشي أن يترسب في الوجدان الإنساني اقتران رفح بالمعابر والحدود والفواصل بين مصر وجيرانها دون أن نتعمق مع جذور التاريخ والأصالة لمعرفة حقيقة رفح واسمها…لقد ورد هذا الاسم في الكتاب المقدس في معني عبري اللغة يفيد الثروة والجاه وأطلق علي واحد من نسل أفرايم ومن أسلاف يشوع بن نون وكان يسكن ويملك ضمن الأماكن التي أشار إليها النص الكتابي مسطرا وأملاكهم ومساكنهم بيت إيل وقراها وشرقا نعران وغربا جازر وقراها وشكيم وقراها إلي غزة وقراهاأخ7:25 واسم رفح من الاسماء التي انتهي إليه العرب بعد أسلافهم الذين أطلقوا أسماء شبيهة لهذه البقعة من الأرض الحدودية بين مصر وفلسطين فعرفها الفراعنة منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وأطلقوا عليهاروبيهووأهل آشور عرفوها تحت اسم رفيحووفي العصر الروماني واليوناني أطلق عليها اسمرافيافهي كانت مدينة مصرية فلسطينية تربط بين فلسطين ومصر يمر بها خط سكك حديد مصري تحطم بعد عدوان 1967 جاء عن رفح في القاموس الجغرافي لمحمد رمزي فقالهي من القري القديمة ذكرها جوتييه في قاموسه فقال إن اسمها المصري رابوه والآشوري ربيخي والرومي رافيا وهي رفح الواقعة في الحدود المصرية ووردت في معجم البلدان:رفح منزل في طريق مصر بعد الداروم بينه وبين عسقلان يومان للقاصد مصر وهي أول الرمل من نواحي الجفار وآخر حدود مصر من جهة الشام وقال:كانت مدينة عامرة فيها أسواق وفنادق…بينها وبين غزة ثمانية عشرة ميلا ورفح اليوم عبارة عن نجع يسكنه العرب وبها نقط عسكرية لمصلحة الحدود وهي واقعة علي رأس الحد الفاصل بين مصر وفلسطين من الجهة الشمالية وعلي بعد 45كم شرقي العريش.
الموقع
تقع في الجنوب الفلسطيني وعلي الحدود المصرية ويحدها من جهة الغرب البحر الأبيض المتوسط الذي تبعد عنه بحوالي خمسة أميال وعن مدينة غزة بحوالي 38كم وعن خان يونس 13كم والمسافة بينها وقرية الشيخ زويد في سيناء 16كم وأما العريش فتبعد عنها بمقدار 45كم وتعتبر رفح البوابة الفاصلة بين مصر والشام من جهة الشرق حيث الكثبان الرملية وتتمع بالمناخ شبه الصحراوي.
رفح في التاريخ
تحالف الفراعنة مع ملك غزة في القرن الثامن قبل الميلاد ضد آشور وقامت حرب بينهما وانتصر فيها أهل آشور ثم بعد ذلك وفي 217/5/22 قبل الميلاد قام البطالمة حكام مصر بمعركة قوية بقيادة القائد بطليموس الرابع الذي معه قوة من خمسين ألف مقاتل وخمسة آلاف فارس وثلاثة وسبعين فيلا أفريقيا في رفح ضد القائد السلوقي أنطوخيوس الذي كان يجمع معه قوة من اثنين وستين ألف مقاتل وستة آلاف فارس ومائة واثنين فيلا هنديا وانهزم الجيش السلوقي وانهارت دولتهم وانتصر البطالمة وحكموا البلاد بما فيها رفح وسورية لمدة 17 عاما ثم شن السلوقيون حربا أخري واسترجعوا هذه البلاد وحكموها مرة أخري ووثقوا انتصارهم بتصوير الفيلة علي نقودهم واستقر الأمن في رفح حتي عام 96 ق.م وقام الإسكندر جاينوس بتدميرها وأعاد جباينوس إعمارها في نهاية القرن الأول قبل الميلاد وكانت رفح في العصر الروماني تلعب دورا كبيرا كموقع عسكري مميز يبتغيه كل جيش محارب وكانت مكانا يستريح فيه البعض في وقت السلم كما كان الحال مع القائد تيتوس عام 70 ميلادية أثناء ذهابه إلي القدس وفي الحقيقة لم يتخل الازدهار الاقتصادي والتجاري عن رفح بل أخذت منه قسطا يسيرا حتي مجيء القرن الثاني الميلادي الذي أنعم عليها بدارلسك النقود باسمها كما كان الحال في أيام الأمبراطور سيفيروس الجبانوس والإمبراطور أورلياس وكان منقوش علي العملة الأسماء والتاريخ 177-178م وتم العثور علي حجر مكتوب عليه باليونانية عشرة سطور فيها اسم الإسكندر سيفيرويوس يرجع إلي233م يشير إلي الحد بين فلسطين ومصر وأفصحت آثار كثيرة عثر عليها في رفح عن عصر الازدهار التجاري والثقافي لهذه المدينة التي كال لها الزمان بكثير من الظروف الصعبة نتيجة لموقعها الجغرافي المتميز والذي تبارك بقدوم العائلة المقدسة إلي مصر وهي هاربة من بطش هيرودس فكانت رفح أول محطة ترسو عليها واستراحت بها,وفي القرون الأولي للمسيحية انتشرت الكرازة في رفح حتي أصبحت مركزا لأسقفية وظلت حوالي سبعة قرون من الزمان كما أكدت لنا المصادر الأثرية للمدينة بوجود بقايا من أحجار كنيسة من القرن السابع الميلادي في مدينة رفح حتي دخلها العرب علي يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة بن الخطاب وانتشر فيها الإسلام وأحاط بها كثير من القبائل العربية القادمة من الجزيرة العربية منهاقضاعة الحميرية وبلي وجذام التي منها الحويطات ولخم وآل ربيعة وثعلبة وبني صخر وغيرهم…وكان لهذه القبائل في القرون الأولي دور أمني ولاسيما في الصحراء لخبرتهم مما جعلهم يستغلون هذا الدور في مساعدة عمرو بن العاص في تحرير غزة من البيزنطيين وبعدها وصل إلي مصر عن طريق رفح عام 639م ثم العريش .
والجدير بالذكر هنا تلك الرسالة التي أرسلها الخليفة عمر بن الخطاب للقائد الإسلامي عمرو بن العاص في أثناء دخوله رفح والتي قال فيهافإن أدركك كتابي هذا وأنت لم تدخل مصر فارجع عنها وأما إذا أدركك وقد دخلتها أو شيئا من أرضها فامض وأعلم إني ممدك فالتفت عمرو إلي من حوله وقال:أين نحن ياقوم فقالوا في العريش فقال:وهي من أرض مصر أم الشام فأجابوا:إنها من مصر وقد مررنا بعمدان رفح أمس المساء فقال:هلموا بنا إذا قياما بأمر الله وأمير المؤمنينالأعمدة الثلاثة التي جاء عنها في الحديث يقال إن أحدها أسود اللون والآخر فاتح أما الثالث فهو ملقي علي الأرض ويقال عن وضعهم هذا إنها عادة الفراعنة قديما في تحديد أطراف بلادهم ومن ثم نستطيع أن نقول عن رفح إنها كانت بوابة مصر التي بقيت طوال فترة العصر الإسلامي حدا جغرافيا وسوقا تجارية لكل المسافرين إلي الشام كما وصفها أبو الفدا قائلا:حد ديار مصر الشمالي بحر الروم من رفح إلي العريش ممتدا علي الجفارويؤكد أبو الحسن المهبلي من القرن الحادي عشر الميلادي إن رفح كانت مزدهرة ولها بريقها التجاري اللامع في ذاك الزمان فيقولواعيان مدن الجفار العريش ورفح والورادة وأهلها بدو متحضرون وبمدينة رفح سوق..وفندق وجامع…وبها دكاكين يشتري المسافر منها كل مايحتاجمما يؤكد ازدهار مدينة رفح في تلك الأيام.أما في القرن الرابع عشر فتعرضت للخراب نظرا للحروب الكثيرة التي تعرضت لها هذه المنطقة ثم عادت إليها الحياة مرة أخري مما جعل الحملة الفرنسية تمر بها وهي في طريقها إلي بلاد الشام عام 1799م.
زار رفح كل من الخديوي إسماعيل عام 1898 والخديوي عباس حلمي الثاني الذي أقر من خلال زيارته أن عمودي الجرانيت القائمين تحت شجرة السدر القديمة هما الحد الفاصل بين الشام ومصر وكأنه يؤكد حقيقة وضع هذه الأعمدة في عهد الفراعنة ويسرد لنا التاريخ أنه حدث خلاف بين الدولة العثمانية والمستعمر البريطاني 1906م علي رسم الحدود بين مصر والشام,وفي عام 1917م خضعت رفع تحت سيطرة الحكم البريطاني, ولكن في عام 1948م دخل الجيش المصري رفح وباتت تحت الإدارة المصرية إلي أن احتلها اليهود عام 1956 ولكن في عام 1957 عادت مرة أخري تحت الإدارة المصرية واستمرت حتي عدوان 1967 واحتلها اليهود مرة أخري ولكن بعد حرب أكتوبر 1973 وبعد معاهدة كامب ديفيد التي جمعت بين إسرائيل ومصر بوساطة أمريكية وأعادت مصر سيناء وانقسمت رفح إلي قسمين أحدهما تابع لسيناء ومساحته حوالي 4000 دونمالدونم في فلسطين=1000 متر مربعووضعت مصر شريطا حدوديا وأقامت معبر رفح الحدودي بين رفح المصرية وبين رفح التابعة لفلسطين التي تقدر مساحتها بحوالي55000 دونم أخذت منه إسرائيل 3500 دونم لإقامة مستوطنات.
كنيسة العائلة المقدسة برفح المصرية
في عام 1990م بنيت كنيسة العائلة المقدسة القبطية فوق أرض رفح المصرية وفي المكان الذي عبرت منه العائلة المقدسة بنيت الكنيسة علي شكل سفينة نوح كطقس الكنيسة وقام قداسة البابا شنودة الثالث بزيارته التاريخية لرفح المصرية ودشن هناك الكنيسة الجديدة في صباح يوم الأحد الموافق1995/6/25م والتي أطلق علي المذبح الكبير فيها اسم القديس جرجس الروماني الذي كان موطنه مدينة اللد القريبة من رفح ومذبح علي اسم العائلة المقدسة وآخر علي اسم القديس أنطونيوس واهتم نيافة الأسقف بوضع عدد كبير من رفات القديسين داخل الكنيسة حتي أصبحت مزارا دينيا تتوافد عليه مجموعات من الزوار لنوال البركات وتحت رعاية قداسة البابا شنودة الثالث وأسقفية نيافة الأنبا قزمان حرصت الكنيسة أن تقدم كل ماهو جديد للخدمة الروحية من قداسات وعظات كما تقام في كنيسة رفح احتفالية سنوية في أول شهر يونية تذكارا لدخول العائلة المقدسة أرض مصر كما توجد بالكنيسة البئر المقدسة التي شرب منها السيد المسيح والعائلة المقدسة أثناء زيارتهم لأرض مصر.
فهذه هي رفح ومما سبق كان تاريخها ولنا أمل في أن تعيد الأجهزة المعنية لرفح أمجادها وحيويتها حتي تكون رفح بوابة مصر المشرفة بتراثها وتاريخها.
المصادر:الكتاب المقدس-دائرة المعارف الكتابية-القاموس الجغرافي لمحمد رمزي-مواقع مختلفة علي الإنترنت.
Elkomos rofaeel [email protected]