ذات يوم فكر فيكتور سارا بي – من أصل هندي – فيما يحدث للأرض وما ينتاب الطبيعة من تدهور يزداد يوما بعد يوم, ولما كان محبا لكل ما يحيط به رأي الحل الوحيد في صغارنا الذين يقع عليهم العبء الأكبر من الحفاظ علي المحيط الحيوي بنا لكونهم صناع المستقبل. لم يتردد سارابي في البدء بإنشاء أول مركز للتعليم البيئي CEE في مدينة أحمد أباد الهندية ثم عهد لابنه كاديتكا سارابي بتنفيذه منذ عام 1984.
أخذ المركز يتسع ويتطور حتي أصبح أشبه بالمحمية الطبيعية, فالمكان متميز للغاية إذ أنه مقام علي أرض شاسعة تم استصلاحها وزراعتها بأحدث الأساليب التكنولوجية مغروس في أرجائها نباتات وأشجار نادرة يحلق فوق أغصانها أكثر من مائة نوع من الطيور والفراشات, وتسير في أطرافها الحيوانات الأليفة علي رأسها الطاووس والقردة والسلاحف والثعابين – غير السامة – مما أهله شكلا ومضمونا لرعاية التعليم البيئي في الهند ضمن 14 مركزا كما حظي بتقدير دولي لذلك وافقت الأمم المتحدة علي اختياره لإقامة مؤتمرها الدولي الرابع للتعليم البيئي للتنمية المستدامة من أجل تغيير النظرة لقضايا البيئة والخروج بالتلاميذ من أماكن التعليم النمطية إلي أساليب حديثة تعتمد علي التجربة الشخصية والخروج للأماكن الطبيعية لتلقي التعليم. وذلك ضمن ما أطلقته منظمة الأمم المتحدة من دعوة إلي عقد الأمم المتحدة للتعليم من أجل التنمية المستدامة والذي بدأ في عام 2005 مستمرا حتي عام إلي 2014.
لم يكن مؤتمر أحمد أباد الأول من نوعه بل كان الرابع وشاركت فيه 101 دولة من العالم منها مصر وذلك تحت رعاية منظمة اليونسكو والحكومة الهندية بينما انعقد الأول في عام 1977 في مدينة تبليسي عاصمة جورجيا مناديا بذات المبادئ المعززة للتعليم البيئي للأطفال والشباب. المتأمل في الأمر يجد أن عقد التعليم من أجل حياة أفضل الذي أطلقته الأمم المتحدة لم يتبق علي نهايته سوي 7 سنوات. تري هل تستطيع مصر أن تنجز فيها شيئا بالمقارنة بما تم في الهند منذ عام 1984؟ فماذا فعلنا لإرساء التواصل بين الإنسان والبيئة منذ نعومة أظافره؟
لاحت في الأفق جهود عديدة من أهمها دمج المفاهيم البيئية في المناهج الدراسية غير أن ذلك لا يتم تطبيقه إلا علي المستوي النظري لقصور الشق العملي في منظومة التعليم المصرية وإهماله, كما أن وزارة البيئة ليست وزارة تنفيذية بل تعمل ضمن مجموعة من الجهات عليها الامتثال للعلماء والنداءات الدولية.
إذا فالأمل الباقي في المجتمع المدني الذي تقع علي عاقته التنمية الحقيقية للمجتمعات خاصة النامي منها أدركت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ذلك فأقامت مشروع البرنامج المصري للتربية البيئية والتواصل مع المجتمع المحلي ومولته. يتم تنفيذه بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم وجهاز شئون البيئة الدولية لمدة عامين, يؤمن البرنامج بالدور الذي يمكن أن تلعبه التربية البيئية في المدارس لخلق تأثير إيجابي في اتجاهات وسلوك التلاميذ والمدرسين والمجتمعات المحيطة تجاه قضايا البيئة في مجتمعاتهم فراح يعمل في قري المحافظات أملا في التغيير المنشود في سلوكيات أجيال الغد.
الاشتباك مع الحياة
التقينا مع د. حسن أبوبكر أحد القائمين علي البرنامج وقال: إن الفكرة الأساسية للعمل هي التواصل مع المجتمع المحلي الذي لا يمكن أن يتم للتلاميذ إلا من خلال الاشتباك مع بعض مفردات الحياة الثقافية والبيئية لذلك بدأ البرنامج بجمع معلومات ثم وضع خطة تدريبية للمدرسين والجمعيات الأهلية كما تم تدريب 190 مدرسا و36 من كوادر التربية البيئية و31 جمعية أهلية و18 من ممثلي جهاز شئون البيئة وكذلك عقد البرنامج ورشة عمل في العين السخنة تحت شعار التربية البيئية تحدي ومسئولية توصلت فيها الجهات المشاركة لآلية تشبيك للبدء في مشروع التدريب, انطلقت هذه الكتيبة من المتدربين بنشر فكر التربية البيئية في أكثر من 24 مدرسة بالإسكندرية منها مدارس محمود تيمور والإبراهيمية ويحي باشا وجناكليس وزيزينيا والنصر وباكوس وعمر لطفي ومينا البصل والسيرة الحسنة.
اهتمت المدارس شيئا فشيئا بأنشطة التربية البيئية واستيعابها.. فبدأت دمج التربية البيئية في الدروس بسبل عملية, والاهتمام بوحدات التربية السكنية المحيطة بالمدارس ونشر الوعي بها.
كما تم تنظيم عدد من الرحلات العلمية والعملية في محافظة الإسكندرية كزيارة مكتبة الإسكندرية والبانوراما والقبة السماوية وقام الطلاب بقياس محيط الأرض كما زاروا قرية المجد النموذجية التي تعد نموذجا بيئيا متميزا وكان لمركب جرين بيس Green Peace مجموعة السلام الأخضر الناشطة عالميا في مجال البيئة والتي رست علي شواطئ الإسكندرية نصيب من الرحلات كذلك المراكز الثقافية وشركات المياه وشركات النظافة وأتيحت كذلك مساحة كبيرة لإبداعات التلاميذ حول البيئة من مسرح وقصة وأغنية وشعر وزجل وأبحاث ومعارض فنية وفكرة البرلمان البيئي وورش العمل والأيام البيئية. أيضا بدأت المدارس خطوة جوهرية بقيامها بمشروعات بيئية داخل المدرسة مثل السماد العضوي – عيش الغراب – تدوير المخلفات وإعادة استخدامها – ترشيد المياه – ترشيد الطاقة – زراعة الأسطح والتشجير.
ثمار العمل الأهلي
أما هبة المليجي مسئولة الاتصال والمشاركة المجتمعية فحدثتنا عن محافظة الإسكندرية وما تم فيها قائلة التواصل مع المجتمع المحلي في الإسكندرية جاء من خلال شراكة قوية مع الجمعيات الأهلية وصولا إلي المواطن البسيط, وتركز التعاون أيضا مع عدد من الجمعيات الأهلية أهمها جمعية أصدقاء البيئة.. جمعية دعاة الإسلام جمعية الحرية لتنمية المجتمع.. الجمعية المصرية لحماية الأطفال.. جمعية الغد.. جمعية المحبة.. جميعة إشراقة.. وجمعية القلعة.. وإن كان للجمعية الأخيرة وضع خاص حيث شاركت في مسابقة دعا إليها البنك الدولي من خلال برنامج المنح الصغيرة لدعم مشروعات التربية البيئية.. واستطاعت جمعية القلعة الفوز بمنحة البنك الدولي لتمويل مشروعها الخاص برفع الوعي بترعة المحمودية, الشريان الرئيسي للمياه بالإسكندرية.
وأكملت هبة قائلة: انطلاقا مما سبق نظم البرنامج ثلاث احتفاليات خلال هذا الشهر بمحافظات الفيوم والإسكندرية وبني سويف بمناسبة انتهاء فعاليات الدورة الأولي لبرنامج الجوائز البيئية, الذي يتم تنفيذه في 81 مدرسة ابتدائية وإعدادية هناك كأنشطة مشاركة مجتمعية. اشتركت 21 مدرسة بحوالي 70 مشروعا بدأ التلاميذ فيها بالعمل خارج المدرسة والتواصل مع المحيط الحيوي بها فقاموا بعمل مراجعة بيئية للمجتمع المحلي حولهم ونشر الوعي البيئي ومعهم رواد البيئة من أساتذتهم. موضحة أن لجنة لجنة الجوائز ضمت بكل محافظة من الثلاث محافظات ممثلين لوزارة التربية والتعليم, وجهاز شئون البيئة/ أو إدارة البيئة بالمحافظة, ومجالس الأمناء, والمنظمات غير الحكومية, وقيادات المجتمع المحلي لإدارة برنامج الجوائز البيئية.
نظمت بعض المدارس حملات للتشجير – حملات لتنظيف الشواطئ – قوافل بيئية – معسكرات بيئية – زيارات منزلية للأسر – للتوعية ببعض قضايا البيئة وهو ما أثمر عن تفاعل حقيقي بين الطرفين. كذلك حرص البرنامج علي الاحتفال بمناسبات البيئة المختلفة مثل يوم الأرض – يوم البيئة العالمي – يوم المياه العالمي بصحبة الطلاب والأساتذة ورواد البيئة وأسر الطلاب.
رواد التنمية بالمجتمع المدني يتحدثون
التقينا بالدكتور أحمد صالح عضو مجلس إدارة جمعية القلعة وقال: فكرنا في خدمة منطقة شرق الإسكندرية وتنميتها بشكل مستدام فقفزت إلي أذهاننا فكرة تبطين جانبي ترعة المحمودية لحمايتها, تم تكوين مجموعة من 25 تلميذا يشرف عليهم مدرس علمي وكونا برلمانا للتنمية والبيئة وعقدنا محاكمات لمعرفة المتسبب في التلوث إلي أن نفذنا معسكرات علي ضفتي المحمودية ونظفناها مع عمل مساحات من النجيل وأقمنا مهرجانا كبيرا لتوزيع الهدايا علي الأطفال المشاركين مما كان له أفضل الأثر في نفوسهم إذ شعروا أنهم تعبوا ثم تحقق الهدف الذي تعبوا من أجله بتغير صورة الترعة.
موضحا أن نصيب الإسكندرية من الجوائز البيئية كان كبيرا حيث تقدم للمسابقة 90 مشروعا فاز منهما 16 مشروعا كنادي روتاري الإسكندرية – سان ستيفانو – عن مشرع لتحلية مياه الآبار المالحة بمنطقة العميد باستخدام الطاقة الشمسية, وفر المشروع المياه لـ 760 أسرة داخل الصحراء, كما قامت القوات المسلحة بإعادة تصنيع نموذج الوحدة لاستخدامه في مناطق نائية أخري.
أما سامح فايز رئيس قسم التربية البيئية في مديرية تعليم بني سويف فقال: كونا جمعيات أصدقاء البيئة في 25 مدرسة في أهناسيا للعمل في مجال المراجعات البيئية وبالفعل تمت مراجعة بيئية لمصنع الأسمنت الكائن في قرية سيجمنت الجبل بأهناسيا, وأعد التلاميذ تقريرا عن التلوث الناجم عنه تم رفعه للمسئولين وعقدت علي أثره جلسات استماع من المسئولين في محاولة لإيجاد الحلول مشيرا إلي أنه في بني سويف, تقدم للمسابقة 40 مشروعا للتشجير وإعادة تدوير المخلفات خاصة الخشب ومشرعات فنية مثل إنتاج الأقراص المدمجة بالإضافة إلي تصميم وتنفيذ حملات التوعية.
التقينا كذلك بحسام شعبان الباحث البيئي بمحافظة الفيوم الذي تحدث عن المسابقات البيئية بالمحافظة وتأثيرها في المشاركة المجتمعية موضحا أن محافظة صغيرة كالفيوم عندما تشارك فيها 37 لوحة من الأطفال و137 مبادرة من المدارس و18 عملا من الجمعيات الأهلية علينا أن نعلم أننا نسير علي الطريق الصحيح وبسرعة حيث تقدم للمسابقة 137 مشروعا فاز منها 36 مشروعا في مجالات تنفيذ نماذج جيدة لتدوير المخلفات, استغلال أبسط الأماكن لعمل حجرة للتربية البيئية ومعرض أعمال فنية, مسرحيات وأغاني, استغلال الحديقة في أنشطة التشجير, المراجعة البيئية, كما قامت الطالبة داليا رمضان محمد بابتكار فلتر لتنقية المياه باستخدام خامات البيئة يصلح لاستخدامه بالمنزل.
السيرة الحسنة قدوة
أما المدرسة الفائزة فهي مدرسة السيرة الحسنة الإعدادية للبنات لما تم تنفيذه من مشروعات وأنشطة للتربية البيئية بالمدرسة تتعلق بدمج المفاهيم البيئية في الأنشطة المدرسية العملية, مع جيهان رمضان مدرسة العلوم ومشرفة البيئة بمدرسة السيرة الحسنة الإعدادية للبنات والدينامو – كما يطلقون عليها في المدرسة – كانت لنا فرصة اللقاء, أعربت جيهان عن فرحتها بما وصلت إليه الفتيات من معرفة بيئية واحتكاك إيجابي بالمجتمع ومحاولات إصلاح ما أفسدته أيدي التلوث موضحة أن البداية الحقيقية لتفعيل تلك الأنشطة كانت مع جمعية أصدقاء البيئة من 8 سنوات ثم مع البرنامج المصري للتربية البيئية من العام الماضي كدعم فني ومادي حيث إن التقارير المرفوعة للإدارة التعليمية لم تسفر عن أي دعم.
قامت الفتيات بأنشطة ترتبط ارتباطا وثيقا بالحياة اليومية حيث تم تصنيع نموذج مصنع من المخلفات, مشروع حماية مياه الشرب من التلوث في خزانات المنازل, مشروع الزراعة دون تربة, مشروع إنتاج عيش الغراب من المخلفات الزراعية بالمدرسة, مشروع تدوير الورق. من المخلفات الورقية, عمل تصميم ونموذج لسخان شمسي, إخراج دليل كامل لمحافظة الإسكندرية, عمل مشروع لترشيد المياه داخل المدرسة, عمل مبادرة بيئية للحد من تلوث ترعة المحمودية, مراجعة بيئية موثقة علي مدار 8 سنوات, وكل المشاريع بها تطوير واستحداث واستدامة وموثقة بالصور والتقارير وتم تنفيذها بأيدي الطالبات.
عن مشروع حماية الخزانات من التلوث التقينا بالطالبة هدير مجدي علي – الصف الثالث الإعدادي – إحدي الناشطات في مجال التواصل المجتمعي وتنميته بالمدرسة فشرحت لنا كيف تم تنظيم ندوة لاستبيان ما إذا كانت الأسر تقوم بتنظيف خزاناتها من عدمه, أسفر الاستبيان عن أن معظم الناس لا يفعلون كما كشفت الزيارات الميدانية لمجموعة المشاركة المجتمعية بالمدرسة عن وجود طحالب وطيور نافقة بالخزانات. تفاعل الناس معنا وقامت 25 أسرة بتغيير الخزانات أعلي منازلهما وتركيب أغطية مناسبة لها مع التنظيف والتعقيم المستمر.
أما سلوي محمود عزت فقالت باعتبارنا بلدا ساحليا يكثير هنا تناول الأسماك والمأكولات البحرية لذلك كان لابد من البحث عن حل للمخلفات الناتجة دون الإضرار بالبيئة فاتخذنا من القشريات أشكالا جمالية وإكسسوارات للحلي بعد غسلها وتجفيفها كالكابوريا والجندوفلي وأم الخلول والقواقع والسبيط وصنعنا منها نتائج للتعليق علي الحائط كذلك استفدنا من المخلفات الورقية بالمدرسة وكونا منها أشكالا زخرفية وصنعنا الحقائب من المخلفات الزراعية وشهادات التقدير والهدايا من مخلفات الورق.
منظومة جامدة
لماذا تمتنع وزارة التربية والتعليم عن المشاركة المادية؟ هذا السؤال أجاب عليه مصدر مسئول بالوزارة – رفض ذكر اسمه – ملخصا الدوافع في انهيار المفاهيم الخلاقة المبدعة لدي القائمين علي تسيير الأمور في العملية التعليمية وتنحيتهم للأنشطة المبدعة وعدم منحها الأولوية متعللين بنقص الموارد المادية في حين تذهب تلك الموارد في أوجه لا تستحقها.
دور الإعلام
وعن الدور المنوط بوسائل الإعلام في مجال التربية البيئية وتنمية المجتمع أكدت داليا عبدالسلام المستشار الإعلامي للبرنامج والصحفية بجريدة الأهرام إبدو أن فكرة المسابقات والجوائز البيئية تحفز الأطفال والطلائع علي المشاركة والتواصل مؤكدة أنه شارك في رعاية المسابقة مركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوربا سيداري بجهازي كمبيوتر وجهازي كاميرا رقمية وهي هدايا جذابة لهذه السن جدا. كما قدم البرنامج مجموعة من الكؤوس والدروع والميداليات وشهادات التقدير. والهدايا العينية المرتبطة بالمشروعات مثل أدوات الزراعة والكتب البيئية والأدوات المكتبية التي تهم المجتمع المحلي العامل في هذا المجال. مشيرة إلي ضرورة وجد مساهمات إعلامية من المشتغلين بهذا الحقل لإبراز الجهد المبذول, وتعريف المجتمع به حتي يؤتي ثماره.
في النهاية إذا كان طريق الألف ميل يبدأ بخطوة, فقد اتخذ البرنامج المصري تلك الخطوة وعلي الجهات المختلفة أن تشارك للحاق بالركب العالمي حيث لا خيار, فهؤلاء الصغار هم الأمل الحقيقي في الحياة فياليتنا نهتم بهم وليت كل أسرة تستطيع أن تخلق بداخل المنزل برنامجا مصغرا للتربية البيئية دعوة نطلقها جميعا من أجل التنمية المستدامة والحياة الأفضل.