الطاقة.. أهم التحديات الحرجة التي تواجه عالمنا الآن. لأن مخزون العالم من البترول سوف ينضب ما بين 30 إلي 40 سنة تقريبا, وربما في وقت أقرب من هذا في ظل استهلاك الطاقة المتزايد والذي تخطي اليوم حاجز المائتي مليون برميل يوميا من الطاقة الأولية لتلبية الاحتياجات المختلفة للبشر, والتي لا يمكن القيام بها إلا عن طريق الطاقة مثل الصناعة والمواصلات وغيرها.
لذلك اتجهت أوربا وأمريكا للبحث عن مصادر بديلة للطاقة للاستعانة بها, وألزم القانون الأمريكي الجديد كافة الشركات باستخدام 15% من الطاقة المستهلكة من الرياح والشمس بحلول عام 2020, أما بدائل الطاقة الأخطر علي العالم الثالث هي تحويل الغذاء وبعض المحاصيل الزراعية كالذرة والقمح إلي طاقة مما ينبئ بحدوث أزمة غذاء عالمية تفوق الأزمة الحالية.
هرع العلماء ينظمون الندوات والمؤتمرات عقب انتشار خبر تحويل الغذاء لطاقة في الدول المتقدمة وسعي علماء مصر للبحث العلمي عن بدائل للبترول معلنين حتمية اعتمادنا علي أنفسنا في توفير غذائنا بعيدا عن الاستيراد, ولكن هيهات.. فالعلماء في واد وصناع القرار في واد آخر.
لم يستمع أحد لصوت العلم. ثم ظهرت بوادر الخطر مع نهايات عام 2007, وزادت أسعار المحاصيل الضرورية للإنسان والحيوان إلي أضعاف الثمن, وكان الانعكاس سريعا في الشارع المصري, كما ظهرت أزمة رغيف العيش وأيضا لم يحرك ذلك ساكنا للمسئولية.
ففي حين تخطط أمريكا وأوربا لمستقبل شعوبها للحصول الآمن علي بدائل الطاقة من الغذاء تغرق حكومتنا في ثبات عميق ولا حياة لمن تنادي, ولا تفكير فيما يمكن أن يحدث في ظل تخلي تلك الدول عن منحها لنا الصحة التي ننالها من القمح المصدر إلينا خلال عشرة أعوام. كما أعلنت حتما سيتفشي الجوع ولن يحصل علي الغذاء الأساسي إلا الأثرياء, ولنقيس علي ذلك ما يمكن أن يصيب المجتمع من خلخلة أمنية لا يصلح معها الشعارات التي عادة ما تواجه حكومتنا بها كافة المشكلات المتأصلة في مجتمعنا, ولكن عندما تجوع البطون لن تشبعها الشعارات ولن يسكت أنينها إلا إطعامها.
لماذا إذا لا نحاكي تلك الدول فيما تصنع؟ لقد حاكيناهم في كل الأشياء عدا النافع منها, ففي معظم دول أوربا يستخدمون البنجر والقمح للحصول علي الكحول الإيثيلي الذي يضاف للبنزين لتسيير المركبات, وأمريكا تستخدم الذرة وفول الصويا وتستهلك حاليا 3.2 مليون طن منها لإنتاج الطاقة الحيوية, أما البرازيل فتستخدم قصب السكر حتي الدهون الحيوانية الزبدة والزيوت النباتية يتم تحويلها لديزل حيوي, فعندما اخترع الدكتور ديزل السيارة كان يعتمد علي الكحول الإيثيلي المستخرج من الفول السوداني, وذلك قبل اكتشاف البترول, إذا فتحويل الغذاء إلي طاقة ليس ببدعة حديثة, ولا نستطيع أن نلوم تلك الدول فيما تفعله. فهي تؤمن شعوبها ضد خطر نضوب الطاقة والذي في ظله يمكن أن تنهار هذه الدول, وكان بعضها قد صرح أن جزءا كبيرا من إنتاجها الزراعي المخصص للتصدير سوف يتحول إلي طاقة مشيرين بنص العبارة لسنا مسئولين عن إطعام دول متخلفة وكسالي. ولهم كل الحق فيما يفعلون ويقولون.
ومع انخفاض المخزون العالمي من الحبوب من 581 مليون طن عام 1998 إلي 319 مليون طن عام 2006 وتضاعف الأسعار العالمية لهذه الحبوب وبالتالي اللحوم البيضاء والحمراء يتفاقم حجم المشكلة تري ماذا سنفعل؟
أول من نادي بسرعة اتخاذ القرارات الدكتور مصطفي كمال طلبة الخبير البيئي مشيرا إلي أن إنتاج الدول المتقدمة للوقود الحيوي من السلع الغذائية وبالتالي منعها عن دول العالم الثالث سواء كان مبنيا علي فكر اقتصادي أو فكر تآمري كما يقول البعض – فنحن لا نستطيع النفاذ إلي ضمائرهم لكن علينا الامتثال للواقع بدلا من التباكي عليه وتحديد موقف مصر من تلك المتغيرات العالمية.
نحصر من أفضل بلاد العالم التي يمكن أن تنتج الطاقة من الرياح والشمس, لذلك يجب أن يدعم ذلك توجهات الحكومة لزيادة الاعتماد علي هذه البدائل, وهذا ما نادي السيد الدكتور مجدي توفيق الخبير البيئي في المؤتمر الذي عقدته أكاديمية البحث العلمي مؤخرا في هذا الصدد.
لذلك لابد من خطة قومية بتزامن جدولي يدعمها قرار سياسي علي أعلي مستوي للاعتماد علي أنفسنا من الآن للحصول علي الطعام حتي لا ننتظر انقضاء السنوات العشر المهلة التي منحتنا إياها هذه الدول لتوقف صادرتها من القمح, ولنعلم أننا في الغد القريب.. القريب جدا لن نجد من يمعنا بلقمة العيش إذا لم نكتف ذاتيا بزراعة القمح.
فإما هذا وإما الجوع, فالجوع أصبح الخطر القادم, وعلي صناع القرار أن يمتثلوا لتضييق الفجوة بينهم وبين العلماء لدرء الخطر الذي يتراقص شبحه أمامنا معلنا عن وجوده كحقيقة مؤكدة في الغد القريب.
[email protected]