”و لكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس” (غل4:4)
مولودا من امرأة :
كان من الممكن _ بالنسبة لله الكلمة _ أن يتخذ له جسدا بأية وسيلة أخري, ولكنه رأي في حكمة وعمق تدبيره, أن يأخذ هذا الجسد من امرأة! ولا شك أن لهذا الأمر أبعاده المهمة والمفرحة:
* فالرب اختار أن يولد من عذراء, ليصير بالحقيقة ابن الإنسان, كما أنه ابن الله, وهكذا يصير ممثلا للبشرية حقا وليس فقط شكليا…
* والجسد الذي أخذه الرب من العذراء يشبه جسدنا في كل شئ, ما خلا الخطيئة وحدها, فالروح القدس طهر أمنا العذراء, وقدس كل خلية أعطتها لتكوين جسد الرب في أحشائها.
* وقد أراد الرب أن يرتفع بالبشرية إلي وضع ممتاز, حين قال ”اخبر باسمك اخوتي, وفي وسط الكنيسة أسبحك” (عب12:2), ”فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم, اشترك هو أيضا كذلك فيهما, لكي يبيد بالموت, ذاك الذي له سلطان الموت, أي إبليس” (عب14:2).
* ”لأن الذين سبق فعرفهم, سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه, ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين” (رو9:8).
* وقد استحسن الرب ذلك, لكي يعيش معنا آلامنا, ويحس كياننا بما يمكن أن يعانيه الإنسان, من خلال المعايشة الذاتية, فقد سمح حتي للشيطان بأن يجربه, كما أنه تألم وأهين وتعب وجاع وعطش… كذلك من خلال معايشة الإنسان حينما حل في وسطنا, وعاش بيننا, ورأي ما فعلته الخطيئة فينا; فالشيطان مثلا يسكن بعض البشر, والخطيئة تقودهم إلي انحرافات كثيرة, والموت يتسلل إليهم, مما جعله يبكي علي قبر لعازر… حقا, لقد تمت الكلمة ”ففيما هو قد تألم مجربا, يقدر أن يعين المجربين” (عب18:2).
* كما أن ولادة الرب من عذراء, هي تتميم للنبوات, لأنه مكتوب: ”ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل” (إش14:7), ومكتوب أيضا: ”يولد لنا ولد, ونعطي ابنا, وتكون الرياسة علي كتفه, ويدعي اسمه, عجيبا, مشيرا, إلها قديرا, أبا أبديا, رئيس السلام” (إش6:9).
* وهكذا نري كيف أن الرب, يأخذه جسدا عاديا كجسدنا, ما خلا الخطيئة وحدها, صار لنا شفيعا كفاريا في السماء, إذ صعد إلي السماء بهذا الجسد, بعد أن جعله جسدا روحانيا, وأصبح الرب معروفا في السماء, كحمل ذبيح, وحتي في مجيئه الثاني, سيحمل سمات الصليب: ”هوذا يأتي مع السحاب, وستنظره كل عين, والذين طعنوه, وينوح عليه جميع قبائل الأرض” (رؤ7:1).
والدة الإله
ونحن نسمي أمنا العذراء ”والدة الإله”, ليس بالطبع _ وحاشا لله _ إنها أصل اللاهوت, ولكن تأكيدا أن المولود منها, الرب يسوع المسيح, هو الإله المتجسد. فالعذراء لم تلد إنسانا فحسب, وبعد ذلك حل عليه اللاهوت, كما قالت بعض الهرطقات القديمة والحديثة, بل إن الرب يسوع المولود منها هو الإله المتجسد, الكلمة المتأنس!!
وهذه عقيدة ثابتة في المسيحية, يؤكدها:
1- الكتاب المقدس2- قانون الإيمان3- المنطق السليم
1- الكتاب المقدس
فهو يتحدث عن ”أم الرب”, ”أم القدوس”…
* صرخت أليصابات بالروح القدس, حينما امتلأت منه إذ سمعت سلام مريم, وقالت لها: ”من أين لي هذا… أن تأتي أم ربي إلي” (لو43:1).
* كما قال الملاك للعذراء: ”القدوس المولود منك يدعي ابن الله” (لو35:1).
2- قانون الإيمان:
فنحن نهتف كل يوم, عدة مرات, قائلين: ”نعظمك يا أم النور الحقيقي, ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله, لأنك ولدت لنا مخلص العالم, أتي وخلص نفوسنا” (مقدمة قانون الإيمان).
ومعروف أن هذه المقدمة أضيفت إلي قانون الإيمان النيقاوي في مجمع أفسس, ردا علي هرطقة نسطور, الذي تحدث عن أقنومين في المسيح, وطبيعتين منفصلتين!!
3- المنطق السليم:
تصور لو أن المولود من العذراء مجرد إنسان, والذي ارتفع علي الصليب مجرد إنسان, هل كان يستطيع أن يفدي _ إذا استطاع _ أكثر من إنسان آخر. الإنسان قيمته تساوي إنسانا, لكن الإله المتجسد أكسب الفداء بعدا لا نهائيا غير محدود, ذلك لأن عقاب خطية آدم كان غير محدود, لأنها موجهة نحو الله غير المحدود. ناهيك عن خطايانا نحن, التي بلا عدد, وأعدادنا نحن كبشر خطاة, بالملايين والمليارات… هل يستطيع مجرد إنسان أن يفتدي كل هؤلاء البشر, من كل هذه الخطايا, التي عقاب كل منها غير محدود؟!
ألسنا نقول للرب ”لك وحدك أخطأت”؟
إذن فكل خطية نخطئها موجهة نحو الله, وغير محدودة في أبعادها وآثارها وعقوبتها.
ولكن شكرا للرب, أنه تجسد لفدائنا, فبلاهوته كان فادينا غير محدود وبلا خطية, وبناسوته صار ممثلا لجنس البشر, وقابلا للموت نيابة عنا.