أليس جديراً بالأمة القبطية التى جذور حضارتها تمتد الى سبعة الآف سنة وعاشت فى مسيحية من نوع فريد ومجيد لألفين سنة، أن تقدم للعالم تراثها الحى بكل الوسائل الممكنة .
جدير بنا أن نشكر الله لأن هذا حاصل الآن بطرق عديدة لم يكن معظمها موجوداً منذ خمسين عاماً : الكنائس القبطية المنتشرة فى أنحاء العالم تقدم أعماق الروحانية القبطية بجوهرها وشكلها الحى. زيارات قداسة البابا شنوده الثالث لدول العالم ومقابلاته وأحاديثه لوسائل الأعلام وكتاباته المترجمه لشتى اللغات. الدراسات القبطية فى جامعات العالم ( ولو إنها عظيمة من حيث النوع وضئيلة من حيث الكمية) ، قناة أغابى وقناة سى تى فى التليفزيونية، جريدة وطنى وجرائد المهجر .
وماهو جميل ومثمر ان تجتمع كل هذه العناصر فى برنامج واحد نظمه مجلس الدراسات القبطية بجامعة كليرمونت للدراسات العليا بكاليفورنيا .
البرنامج شمل زيارة قام بها لمصر 28 من عمداء وأساتذة وطلبة مدرستين للاهوت بكليرمونت فى شهر يناير 2008 تعرفوا فيها على الواقع والتراث للروحانية والرهبنة والفن والموسيقى والعمارة والآثار القبطية، وتكللت اللقاءات بأجتماع خاص مع قداسة البابا شنوده الثالث يوم 4 يناير ( نشر عنه بمجلة الكرازة مع صورة تذكارية ) وأدلوا بأحاديث على قناة أغابى وقناة سى تى فى وأتشرف الآن بالكتابة عنها فى الصحافة القبطية . فكم ينبغى أن نشكر الله .
كان منظم الرحلة والمحاضر الأساسى طوالها د. جودت جبره الأستاذ الزائر للدراسات القبطية بجامعة كليرمونت بالأضافة الى علماء متميزين قام هو بدعوتهم فى بعض المواقع . ومما ضاعف من الفائدة أن الكثير من المشتركين فى الرحلة كانوا من تلاميذ الماجستير والدكتوراه الذين درسوا مقررات القبطيات مع د. جبره فى كلير مونت ، وعادوا من رحلة مصر ومعهم ثروة إنسانية وروحية وأكاديمية ستكون محوراً لحياتهم المهنية أو على الأقل عنصراً هاماً فيها .
ويسرنى أن أترجم هنا تقرير أ. د. كارن تورجيسين عميد كلية الدراسات الدينية تصف إنطباعاتها عن بعض النقط الهامة فى الرحلة . وقد نُشر الأصل فى الصفحات الأنجليزية من وطنى (17 فبراير 2008) .
تقرير أ.د. كارن توجيسين:
كانت الرحلة لمصر القبطية رائعة، حتى أفضل مما كان فى إمكاننا أن نحلم به، إن التلاميذ الآن يرتبون صفحة على الأنترنت بها الصور والإنطباعات عن الرحلة. لقد إبتدأنا فى الترتيب لرحلة السنة القادمة لأن هذه المرة كانت ناجحة جداً .
بالنسبة لتلاميذ كثيرين كانت زيارة المتحف القبطى هى أهم جزء فى البرنامج . كانوا منبهرين من غنى وقدم التراث القبطى ومتأثرين بعلاقته بالثقافة الفرعونية واليونانية والرومانية والإسلامية والعثمانية التى تعايشت معها المسيحية القبطية.
على الأقل كان هذا هو أهم جزء فى البرنامج حتى حدث اللقاء مع قداسة البابا شنوده الثالث . شكراً للدكتور ثروت باسيلى الذى نظم هذا. حتى مع الظروف الصحية لقداسة البابا فأن كل المجموعة دُعيت للقاء. كان إستقبالنا رسمياً فى المقر البابوى ، وغطته قناتين تليفزيونيتين وبعده أعطى البعض من الأساتذة والطلبة أحاديث عن أكثر اللحظات تأثيراً عليهم فى خلال الرحلة .
وبعد الكلمات الرسمية للترحيب والتحية، فتح قداسة البابا مناقشة مع الطلبة. وعندما سألوه عن كيفية مواجهة تحديات هذا القرن الجديد ، كان هو البابا والراعى لنا جميعاً وشاركنا فى مخزونه من الحكمة . لقد كان تأثر الطلبة بقداسته عميقاُ وكان جميعنا ممنونين جداً لمحبته وتعاليمه وحكمته والفرصة التى أعطاها لنكون فى مجلسه .
عُدنا من الأقصر ليلة عيد الميلاد القبطى بعدما إستيقظنا فى الخامسة صباحاً لزيارة وادى الملوك. فى التاسعة مساء بعد يوم طويل ذهب 12 منا الى كنيسة القديسة العذراء مريم ( بأرض الجولف) هليوبوليس بدعوة من د. ثروت باسيلى . تخيل دهشتنا عندما إستقبلتنا مجموعة من الشباب يترجم لنا بطلاقة وأعطونا كتب الصلوات بالإنجليزية ورحبت بنا الكنيسة من على المنبر . وكان الجزء الأكثر روعة عندما حدث ترتيل جزء من القداس بالإنجليزية. لقد كان شرف عميق لنا أن نكون هناك، وكان التقديم المثالى لما فى صميم الفن والعمارة القبطية هو جمال اليتورجيا فى ترتيلها باللحن القديم. لقد كان عيد ميلاد لن ننساه أبداً. وكان إهداء خاص من د. ثروت باسيلى فله الشكر .
أما المهندس سمير مترى فقد تعب كثيراً لكى نشعر بالترحاب فى مصر . كنا نتحدث من وقت لآخر أثناء الرحلة، ولكنه غمرنا بكرمه فى الليلة التى دعانا للعشاء فى النادى الدبلوماسى الذى كان قصراً للملك. لقد تأثر الطلبة وشعروا بالتشرف أن يكونوا ضيوفه فى هذا المكان التاريخى الجميل.
وفى الأيام الأخيرة من الرحلة ذهبنا إلى سيناء. وصلنا فى الليل المتأخر البارد الى منطقة دير سانت كاترين. وفى الواحدة صباحاً إبتدأنا فى تسلق جبل سيناء . بعضنا على الجمال والآخر على الأقدام … ونسينا البرد القاسى مع جمال وسحر الليل. لقد حوت قبة السماء مليون نجمة، وحل الصمت على الحجاج، وهبط نداء قادة الجمال. لقد كان المكان مقدساً واللحظة مقدسة. ومعاً شاهدنا شمس الشروق تخترق الظلام .
وفى اليوم الأخير للرحلة وصلنا الى دير القديس أنطونيوس فى الصحراء الداخلية. لقد تدفق تاريخ طويل وهام من هذا المكان البسيط الذى يختلف تماماً عن الغنى الأمبراطورى لدير سانت كاترين وهذا ما جعلنى أحبه بالأكثر جداً. كان حضور القديس أنطونيوس حقيقياً . أمضينا وقتاً مدهشاً وهادئاً وتأملياً فى مكان القديس أنطونيوس . ومن هنا بدأنا نفهم أن الأديرة هى مصدر قوة وثبات الكنيسة القبطية .
وكما قال أحد المشتركين فى الرحلة أن ما جعلها مختلفة عن أى رحلة أخرى هو قيادة د. جودت جبره لها . إن عاطفته نحو كل شىء قبطى ومصرى ومحاضراته الرائعة عند كل موقع أعطانا رؤية عميقة كانت ستأخذ سنوات لكى نكتسبها بدونه.
وفى أى مكان ذهبنا إليه وجدنا كرم الضيافة المصرى، ولكن بالأخص من الأساقفة ورؤساء الأديره والرهبان والكهنة والعلمانيين الذين استقبلونا فى المقر البابوى والأديرة والكنائس. ونحن مديونون لهم .
أما السفير سلامة شاكر فقد رافقتنا فى هذه الزيارات الهامة و ساعدتنا فى تسهيل إجرائها. إننا ممنونين حقاً لكل من ذكرناهم.
هذه نهاية تقرير أ .د. كارن تورجيسين عميد كلية الدراسات الدينية بجامعة كليرمونت . لها جزيل التقدير و الشكر على توسع الدراسات القبطية هناك .
تقرير أ.د. جودت جبرة :
وقد أضاف الدكتور جودت جبرة بأنه تأثر للغاية لما لاقاه الأساتذة والطلبة من حب وترحاب فى المقر البابوى وفى أديرة مصر وكنائسها ، فقد أيقن جميع المشاركين فى هذه الرحلة أن الكنيسة القبطية كنيسة حية مستمرة ، طيبة الثمار ويانعة الأوراق إذ أن جذورها ثابتة ترويها بركات العائلة المقدسة ودماء شهدائها وصلوات قديسيها مؤسسى الرهبنة.
وقد كانت بعض فقرات الرحلة متميزة ففى كنيسة القديس مرقوريوس (أبوسيفين) بمصر القديمة التى تذخر بأكبر مجموعة من الأيقونات ألقى الدكتور مجدى منصور محاضرة مدعمة بالشرائح تناول فيها أحدث أبحاثه فى ترميم الأيقونات بالليزر والتى أجراها فى جامعة سان دييجو بكاليفورنيا . وفى الكنيسة البطريركية فى الأسكندرية إستمتعت مجموعة كليرمونت بالموسيقى القبطية العريقة من خلال محاضرة قيمة ألقاها الدكتور نبيل عجايبى ، وزاد من روعتها أداء الأب يوحنا نصيف كاهن الكنيسة فى ترديد الألحان القبطية.
وكم كانت سعادة الأساتذة والطلبة بإستقبال نيافة الأنبا متاؤوس رئيس دير السريان لهم شخصياً وإصراره على تناولهم الشاى والشطائر بعد أن قام الأب الراهب بيجول بإصطحابهم فى مكتبة الدير التى تحوى مخطوطات نادرة ، كما ذُهل الجميع عند رؤية التصاوير الجدارية الرائعة التى كشفت عنها بعثة جامعة ليدن الهولندية أثناء ترميم كنيسة القديسة العذراء بالدير .
وبعد زيارة الكنيسة الأثرية فى دير الأنبا مقار والإستمتاع بكرم ضيافة الآباء سنحت للطلبة الفرصة فى التجوال فى الصحراء المتاخمة للدير حيث توجد المنشوبيات وأيضاً الكهوف التى عاش فيها الآباء المتوحدون فى القرنين الرابع والخامس والذين تُنسب إلى بعضهم ( أقوال آباء الصحراء ) التى يدرسها الطلبة هذا الفصل الدراسى باللغة القبطية.
وكان آخر أيام الرحلة مخصصاً لزيارة ديرى القديسين العظيمين الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا حيث إنبهر الأساتذة والطلبة بالتصاوير الجدارية فى كل من الديرين بعد أن قام مركز البحوث الأمريكى بترميمهما وإظهار قيمة موضوعاتها وجمال فنونها.
وبعد هذه الجولة الواسعة فى تراث مصر القبطى العريق وفى كنيستها القبطية المعاصرة إزداد إقتناع أساتذة وطلبة كليرمونت بالأستمرار فى تطوير برنامج الدراسات القبطية بفروعها المختلفة للتعرف على المزيد من أوجه الحضارة القبطية الفريدة.
شكر خاص من مجلس الدراسات القبطية:
حقاً لا يمكن شكر قداسة البابا بما فيه الكفاية على هذه الرعاية الأبوية للدراسات القبطية فى أنحاء العالم . ولازالت جامعة كليرمونت تتذكر بالأمتنان زيارة غبطته لها عامى 1977 و 1989 . متعه الله بالصحة. مزيد الشكر أيضاً واجب لنيافة الأنبا سرابيون أسقف لوس أنجلوس على تشجيعه الدائم للدراسات القبطية بجامعات جنوب كاليفورنيا وقبوله الدعوة فى مناسبات عديدة بجامعة كليرمونت .
– – –
دكتور ســعد ميخائيل ســـــعد مُحرر ص 2 الأنجليزية بوطنى ورئيس مجلس الدراسات القبطية بجامعة كليرمونت للدراسات العليا.
تعليق الصورة:
قداسة البابا شنوده الثالث –أطال الله عمره- يتوسط عمداء وأساتذة وطلبة الدراسات الدينية بكليرمونت يوم 4 يناير 2008 بالمقر البابوى بالقاهرة. ويرى عن يمينه د. سلامة شاكر نائب وزير الخارجية المصرى (سابقاً) ثم أ.د. كارن تورجيسين عميد كلية الدراسات الدينية بجامعة كليرمونت ثم أ.د. سوزان نيلسون عميد مدرسة كليرمونت للاهوت. ثم المهندس سمير مترى الذى أشعر المشتركين فى الرحلة بالكرم المصرى. وعن يسار قداسة البابا د. ثروت باسيلى وكيل المجلس الملى العام ود. جودت جبرة الأستاذ الزائر للدراسات القبطية بجامعة كليرمونت ثم نيافة الأنبا يؤنس ونيافة الأنبا يوحنا .