تبدأ الدراسة في بلادنا قبل نهاية شهور الصيف وحجة ذلك هي إطالة فترة التدريس عوضا عن أيام الإجازات وما أكثرها:
فهذا عيد طرد الهكسوس وذلك عيد الفلاح وقد تكون أيام صيام – العمل فيها خفيف – تليها أيام إفطار ثم أعياد الميلاد وبعدها نصف العام وضحية وقيامة ثم شم نسيم وقد يلحق بهما عيد العمال ثم ترفع نسبة الغياب لإنعاش آمال التلاميذ في حفظ المذكرات ويستغلها لصوص الدروس في الحصول علي المزيد من الفلوس تحت بند المراجعة والمتابعة وهلم..
أما في الجامعة فهذا أستاذ متأخر في طبع منهجه وآخرون يتنازعون تدريس مادة وأخيرا يتفقون علي إعطاء كل منهم جزءا من المنهج يعيد كتابته ويحشوه معلومات قد تثير الإعجاب أو الآهات ثم فصل دراسي ينصرم سريعا يعقبه امتحانات بمراقبة وتصحيحات ومكافآت يليه النصف الثاني من العام, وهنا تبدأ الملخصات يحترف كتابتها أصحاب الكشكات المسموح للأسف بوجودها في حرم الجامعات إذ أندس في أماكن العلم البلهاء مع النابهين والجميع في منظومة التعليم – المربكة – تائهين وقد أصبحنا جميعا محبين لطريقة الحفظ والتلقين.
وتبدأ الامتحانات ويدلون فيها التلاميذ والطلاب بما حفظوه من المحفوظات التي أوقفت عقولهم عن أي اختراعات, المهم أن تملأ كراسات الإجابات بأي اجتهادات وإياك أن تنسي ما اختزنه مخك من معلومات وإن كنا نعرف أنك سوف تنساها تماما بعد الامتحانات بدقائق أو ساعات.
وبعد انتظار غالبا لا يطول تظهر نتائج حشو العقول ولا بأس فمئات الخريجين بامتياز والآلاف بدرجة جيد جدا ينجحون ولا يرسب أبدا إلا من تأكد تماما أنه كان في الحفظ كسولا والجميع في النهاية يتساوون فلا عمل ولا يحزنون.
ومن أعاجيب الزمان في بلد – بلد الأمان – أن هناك من يحصلون علي أكثر من الدرجات النهائية وهناك من يظلمون وفي حقهم قد يهضمون وغالبا ما يكون ذلك بخطأ دون نية أو قصد ولسنا في مجال اتهام.
فما الحكم القانوني لمن يظن أنه لم يحصل علي حقه القانوني؟
إذا ظهرت نتيجة الامتحان وظن أي طالب أنه لم يحصل علي حقه فله أولا التظلم للجهة التي اعتمدت إعلان نتيجة الامتحان, وهذا التظلم يسمي إداريا بالالتماس وهو أصلا وقانونا دون رسوم وإن درجت الجهات التعليمية علي فرض رسم في هذه الحالة تحت أي حجة وبأي مسمي رغم أنه لا يجوز فرض ضريبة أو رسوم إلا بقانون انطلاقا من النص الدستوري القائل بإن أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب وفقا للقانون (مادة 61).
ومن هنا يحق لكل ذي شأن التقدم بالتماس لإعادة النظر في نتيجة الامتحان دون أن يلزم بسداد أي رسوم علي خلاف ما انتهجته الجهات التعليمية. فيحق للطالب أن يرسل التماسه لجهة الاختصاص المنوه عنها بخطاب موصي عليه بعلم الوصول وتأثير ذلك هو ذات التأثير الذي يحدثه الالتماس المقدم لهذه الجهة الذي يسدد عنه رسما.
والقول بغير ذلك – من ناحية أخري – يخالف ما ورد في المادة (18) من دستور الدولة أيضا حيث نصت صراحة علي أن التعليم حق تكفله الدولة….
والقاعدة العامة المستقرة في الفكر وفي القضاء الإداري أن إعلان نتيجة الامتحان هو قرار إداري بمعني الكلمة فهو إفصاح من الإدارة عن إرادتها الملزمة في شأن إظهار النتائج بما لها من سلطة بمقتضي القوانين واللوائح ويقصد به ومن ورائه آثار محددة وهي إظهار الناجحين أو الراسبين ودرجات كل منهم وترتيب نجاحهم. ومن ثم فإن أي تضرر من هذا الإعلان وما ينطوي عليه من درجات للطلاب أو ترتيب لنجاحهم هو تضرر من قرار إداري.
ومتي كان ما سبق فإنه يتعين علي الطالب المتضرر أو ولي أمره أو النائب القانوني عنه أن يتظلم من هذا القرار خلال أجل غايته ستون يوما تحسب ابتداء من اليوم الثاني لإعلان النتيجة وله أن يقيم الطعن القضائي خلال هذا الأجل حتي لو لم يسبقه بهذا التظلم فإن أغفل عن هذا أو ذاك التظلم أو الطعن القضائي تحصن قرار إعلان النتيجة ضد الإلغاء أو السحب وأصبحت هذه النتيجة نهائية واستقرت بذلك مراكز جميع من شملهم قرارها أيا كان وجه الخطأ الذي شابه.
ونعود ونقرر أنه إذ قدم التظلم للجهة المعنية فيكون للطالب إما التعجيل برفع الدعوي أمام المحكمة وإما التريث لحين البت في التظلم ولكن انتظاره يلزم ألا يطول إلي ما لا نهاية فبعد تقديم التظلم لو قامت الجهة المتظلم لها أو رئاستها بالرد عليه خلال الأجل المقرر لبحث التظلم وهو ستون يوما يتعين عليه رفع دعواه خلال ستون يوما من إخطاره بنتيجة بحث تظلمه وإن لم تخطره بشئ اعتبر مرور ستين يوما علي التظلم دون الرد عليه بمثابة رفض لهذا التظلم ويلزم أن يقيم دعواه والحال كذلك في ميعاد غايته الستون يوما التالية لهذه المدة.
إذ بمرورها وعدم الرد عليه تعتبر قانونا أنها قد رفضت تظلمه ولكن ليس له أن يحتج يسكوتها لما هو أكثر من ذلك بحجة أنه قد تظلمه ولازال منتظرا للرد عليه وحتي إذا ردت الإدارة عليه بما ينطوي علي أنها لازالت تبحث تظلمه فإن عليه المبادرة بإقامة الدعوي في خلال الستين يوما المقررة مهلة لها لبحث هذا التظلم.
وبعد سلوك طريق الالتماس التظلم سواء أكانت النتيجة برفضه صراحة أو ضمنا – في حالة إذ استجابت لتظلمه فلا موجب ولا مبرر ولا مصلحة في إقامة الدعوي – يتعين علي الطالب إن كان راشدا مكتمل الأهلية أو وليه أو وصيه أو وكيله الرسمي أو النائب القانوني عنه أن يقيم الدعوي أمام محكمة القضاء الإداري المختصة مكانيا ويلزم أن يكون المحامي الموقع علي عريضتها مقيدا علي الأقل استئنافيا عملا بالمادة 27 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1934 والمادة 25 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 وإلا قضي ببطلان صحيفتها – مع ضرورة أن يسبق إقامة الدعوي بطلب إلي لجنة التوفيق في المنازعات.
وإذا أقيمت الدعوي مستوفاة للأوضاع القانونية المقررة وأعلنت لجهة الإدارة حق للطالب أن يطوي طلبه بإلغاء قرار إعلان نتيجة الامتحان – فيما انطوت عليه من تقدير له – طلبا آخر عاجلا بوقف تنفيذ قرار الإعلان هذا بصفة مستعجلة مراعاة لمستقبله ولكون هذه النتيجة ترتب نتائج قد يتعذر تداركها بالنسبة إليه والمحكمة هي تقدر مدي جدية وأهمية طلب الاستعجال هذا.
أما عن الاتجاه القضائي العملي في هذا الشأن وهو ما نرمي إليه ونحاول إظهاره بحسبانه مقصد هذه المقالة.. فإن هناك مبدأ عاما يحكمه ألا وهو أن المحكمة – محاكم القضاء الإداري باعتبار أن المحاكم الإدارية التي هي محاكم أول درجة لا تختص بنظر مثل هذه المنازعات كما لا تختص به أبدا المحاكم العادية – لا تنصب نفسها محل الجهات التي قامت بتقدير درجات الطلاب.
فأمر هذه الدعاوي تحكمه بعض المبادئ وأهمها:
أولا: الخطأ المادي يجوز تصحيحه في أي وقت فإن وجد هذا الخطأ المادي فإن المركز القانوني للطالب لا يستقر به أبدا ويجوز والحال كذلك تداركه.
آلطعن رقم 3413 لسنة 33ق.ع جلسة 1988/11/26
ثانيا: إذا أعلنت النتيجة من جهة غير مختصة مطلقا فهذا الإعلان يعد غصبا للسلطة ولا يعتد بما ورد فيه أبدا سواء أكانت الدرجات أزيد أم أقل من اللازم وسواء أكانت تقديرات النجاح صحيحة أم خاطئة.
الطعن رقم 3 لسنة 32ق.ع جلسة 1989/5/20
ثالثا: لا تمتد رقابة القضاء إلي تصحيح أوراق الامتحان وتقدير الدرجات التي يستحقها الطالب.
الطعن رقم 2158 لسنة 37ق.ع جلسة 1992/1/26 المنشور بمجموعة أحكام الإدارية العليا النقض الإداري لسنة 37 ص 619 وما بعدها
رابعا: للمحكمة أن تستظهر حالات السهو والخطأ المادي في جميع الدرجات التي رصدت للإجابة في الامتحانات وتملك التعقيب عليها, أما تقدير الإجابات أي التقدير الفني لما تستحقه الإجابة من درجات فذلك أمر متروك لجهات التصحيح بحسبانه أمرا فنيا لا تعقيب عليه لجهة القضاء إلا إذا ثبت يقينا أن هناك إساءة لاستعمال السلطة أو الانحراف فيها أو خطأ جسيما ظاهرا وفاحشا.
وعلي سبيل المثال:
إذا كانت كل درجات الطالب في أغلب المواد في حدها الأقصي إلا أن هبوطا حادا جدا جدا أصابها في مادة ما – أو إذا تبين مثلا نزع بعض أوراق الإجابة من كراسة الإجابة أو في حالة فقدانها أو حتي تغييرها – هذا المعني وهذا السياق مفهوم من المبدأ سالف ذكره – وقد عاصرنا مثل هذه الحالات في ختام الألفية السابقة بمحكمة القضاء الإداري بأسيوط.
خامسا:إنه يحق للقضاء الأمر بتشكيل لجنة خاصة – في مثل حالات الخطأ الصارخ سالف الإشارة إليها – لإجراء مثل هذا التصحيح وإبداء رأيه في التعديل الذي يمكن إسباغه علي الدرجات وعلي أن يكون عمل مثل هذه اللجان في غرفة المشورة تحت الإشراف المباشر للمحكمة أو لمن تندبه من قضائها أو مستشاريها أو تحت إشراف من تندبه من مفوضي الدولة المنتدبين لديها.
سادسا: من المقرر قضاء: أنه إذا نكلت الإدارة في مثل هذه الحالات عن إيداع الأوراق المنتجة في النزاع فإن ذلك يقيم قرينة علي صحة ادعاء الطالب في دعواه.
الطعن رقم 5 لسنة 35 ق.ع جلسة 1992/5/26
فعبء الإثبات لا يقع في هذه الحالة علي الطالب أو ولي أمره لأن نكول الإدارة المشار إليه يجعل التسليم بصحة ما قدمه من أدلة صحيحا.
الطعن 1972 لسنة 33 ق.ع جلسة 1991/11/24
ما لم يكن هو أو ولي أمره متواطئا مع جهة الإدارة قاصدين الغش للحصول علي المكسب الذي يهدف إليه.
سادسا: إن طلب إحالة الأمر لأهل الخبرة في هذه الحالات يخضع لتقدير المحكمة وهيمنتها فلا تثريب عليها إن امتنعت عن إحالة الأمر للخبير فهي الخبير الأعلي وكما تقول نصوص قانون الإثبات رقم 25 لسنة 68 مادة 156 رأي الخبير لا يقيد المحكمة.
ونخلص مما سبق أن القضاء لا يقوم بعملية التصحيح فكثيرا ما قدمت دعاوي أمام القضاء يطالب رافعوها بدرجة أو درجتين أو حي نصف درجة بحجة أن المصحح لم يلتزم بنموذج التصحيح أو بحجة أن ظلما وقع علي الطالب ولم نجد أي حكم يناصر هؤلاء خلافا للحالات التي أشرنا فيها لجواز تدخل القضاء لإقرار التطبيق القانوني الصحيح وفي النهاية يتدخل القضاء لتصحيح الخطأ المادي في رصد الدرجات والخطأ في تجميع هذه الدرجات أي لبحث ما إذا كان هناك سؤال لم يصحح أو تجمع درجاته دون غير ذلك, ومن ثم نأمل عدم لجوء ذوي الشأن للمحاكم في غير الحالات المشار إليها حرصا علي الوقت والجهد الذي تستغرقه الجلسات ونهيب بالجهات التعليمية الاهتمام بتظلمات ذوي الشأن فهم أولادنا ومستقبلنا للحد من الالتجاء والانتظار في ساحات المحاكم.
والله الموفق
نائب رئيس مجلس الدولة والرئيس بمحكمة القضاء الإداري والدوائر الاستئنافية