تقع منطقة نابل الحمامات الشهيرة علي بعد80 كم شرق العاصمة, وتقترن المنطقة منذ أقدم العصور بزهرتي الفل والياسمين علامة الصيف في تونس. تمتاز نابل بفنادقها ومطاعمها وسهراتها الرائعة التي جعلت منها المزار السياحي الأبرز, حتي إنها تعرف أحيانا باسم ريفيرا شمال أفريقيا, فهي مقصد كبار النجوم والمشاهير في الفن والسينما والإعلام والسياسة الذين يتنافسون علي الإقامة بها لفترات طويلة.
وتزخر المنطقة بالشواطئ الساحرة والفنادق والمطاعم الفخمة والمتاحف وبعدد من المغريات السياحية الأخري مثل رياضة الجولف والكازينو ومنتجعات المياه المعدنية الحارة والاستشفاء بمياه البحر إلي جانب عدد من المواقع التاريخية والحضارية المهمة.
وتتميز المنطقة أيضا بالمناطق الأثرية والثقافية والخصائص المعمارية الفريدة والعادات العريقة التي تستهوي الزائر والمقيم مثل مدينة قليبية أو مينائها القديم حيث يجد هواة صيد السمك خاصة سمك التونة في موسم الصيف ومعهم هواة الصيد بالصقور البزدرة أو البيزرة موسما رائجا هناك في يونية/حزيران يجري سنويا بحضور عشرات المولعين بهذه الرياضة النبيلة.
وتشتهر مدينة نابل بصناعاتها التقليدية وأهمها صناعة الخزف, ويعد الخزف النابلي من أجود الأنواع علي الإطلاق وبلغت شهرته أصقاع العالم من اليابان إلي الصين وصولا إلي الولايات المتحدة, كما تشتهر المنطقة بالتطريز الذي جعل من الملابس النسائية في نابل والحمامات تحفا فنية حقيقية, أما مدينة دار شعبان الفهري فتعرف بالنقش علي الحجارة التي صنعت شهرة الشرفات التونسية في كل أنحاء العالم.
أما قربص القريبة فتعرف بعيونها المعدنية الحارة وبحماماتها العامرة وجبالها وبحرها الرابض عند قدميها مطيعا صاغرا وهي تجذب الزوار للتمتع بمزاياها العلاجية خاصة أمراض الكلي, والبرد والمفاصل وأمراض الجلد والربو وأمراض الأنف والحنجرة.
عادات وتقاليد
تختص مدينة نابل التونسية دون سائر مدن البلاد التونسية بعادات طريفة في الاحتفال برأس السنة الهجرية, إذ أن العائلات هناك تطبخالملوخية في آخر يوم من السنة الهجرية وتفتتح السنة الجديدة في يومها الأول بطبقالكسكسي والحلوي والفواكه الجافة ويحتفل الأطفال علي طريقتهم الخاصة, فيتم إعداد حلويالمثرد والذي تتوسطه عروس مصنوعة من الحلوي ويزين الطبق بمختلف أنواع الفواكه المجففة.
وتصنع هذه العرائس وتباع في نابل مع الحلوي والفواكه الجافة علي ناصية الشارع الرئيسي للمدينة طيلة الأسبوع الذي يسبق رأس السنة الهجرية, وهو ما يضفي حركة في صفوف العائلات ويرسم الفرحة علي وجوه الأطفال الصغار.
وتفترض التقاليد المنتشرة في صفوف العائلات هناك أن تكسر عروس رأس العام يوم عاشوراء وتؤكل أو يحلي بها الشاي, ويبقي التساؤل مطروحا حول مصدر صنع عروس السكر ومدلوله, فالبعض يرجع هذه العادة إلي عادات فينيقية والبعض الآخر يرجعها إلي أعماق التاريخ ويربطها بعادات بونية؟
نابل الأقرب لإيطاليا
وبما أن مدينة نابل تعتبر المنطقة الأقرب لإيطاليا, فمن المرجح أن هذه العادات قد تمازجت بمرور الحضارات والسنوات بين شعوب الضفتين ولتأكيد تمسك المدينة بهذه العادة الطريفة, فإن نابل هي المدينة التونسية الوحيدة التي تقيم سنويا مهرجان عرائس السكر, فقد بادرت جمعية صيانة مدينة نابل منذ سنة 1997 بتنظيم تظاهرة للتعريف بعادات نابل في الاحتفال برأس السنة الهجرية وصنع عرائس السكر بفضاء معر ض المدينة. إلا أن تلك العرائس حملت تساؤلات الزوار حول مدلول هذه الاحتفالات وخصوصية الاحتفال لدي سكان هذه المدينة. ومع مرور السنوات اكتسبت التظاهرة أحقيتها وأصبحت من بين الأركان النشيطية للزائرين لمعرض نابل وشهدت سنة2004 العرض الأول لشريط عرائس السكر بنابل للسينمائي أنيس الأسود ومعرضا لعرائس السكر المصنوعة في نابل وعرائس السكر من منطقة باليرمو الإيطالية.
موسم الزهر
تشهد مدينة نابل التونسية حركة دؤوبة لإنتاج العطريات وتقطير الأزهار في تقليد سنوي تحرص علي إحيائه كل العائلات وتتحول المدينة مع بداية موسم الزهر في شهر إبريل إلي خلية تقطير كبري لإنتاج ماء الزهر(زهر شجرة النارنج) وماء الورد والعطرشاء. إذ ما أن يحل فصل الربيع الذي تنضج فيه زهرة النارنج ويكتمل نموها حتي يسارع أهالي المدينة بقطفها وتجميعها قبل أن تتفتح وتفقد قيمتها لاسيما أن هذه الفترة لا تستمر سوي أربعة أسابيع فقط. وتتميز زهرة النارنج بأوراق غامقة اللون وأزهار بيضاء ذات رائحة عطرية وثمرة كروية خشنة الملمس وكبيرة لها لون أقرب للبرتقالي وطعم حمضي مثل الليمون. ويعود الموطن الأصلي لشجرة النارنج إلي الصين التي انتقل منها نحو باقي القارة الآسيوية فأفريقيا إذ أدخله العرب إلي إسبانيا وزرع فيها عدة سنين قبل البرتقال حسب ما يؤكده المؤرخون. وتعد هذه الشجرة المعمرة الدائمة الخضرة والتي يصل ارتفاعها إلي 10أمتار ثروة اقتصادية ذات بعد ثقافي واجتماعي هنا إذ يرجع تاريخ أول وحدة تقطير إلي أوائل القرن ال 19.
ويكتسي موسم الزهو مع أبعاده الثقافية المتصلة بالمحافظة علي التقاليد أهمية اجتماعية اذ يساهم في توفير أموال أضافية لبعض العائلات محدودة الدخل عبر ممارسة نشاط اقتصادي وتقاليدي عائلي متمثلة في تقطير الزهر وبيعه لزوار المدينة.
كما يوفر هذا الموسم لعائلات أخري فرصا تجارية وذاك بتجميع محاصيل متفاوتة من الأزهار وبيعها في الأسواق أو توجيهها نحو مراكز التجميع التي تقتني الأزهار لمصلحة المعامل الخمسة القائمة في ولاية نابل.ويساهم استقرار الطقس هذه الأيام بتونس في إحياء هذا النوع من الأنشطة التقليدية التي تحافظ فيها العائلات علي استعمال القطارة النحاسية التقليدية فضلا عن انتشار مظاهر التقطير وتنوع تقنيات الجمع سواء في الحدائق أو الشوارع.
ومن الصعب أن تمر فترة موسم الزهر دون أن تكون البداية بجمع الزهر وتجفيفه لمدة يومين كي يفرز المادة الزيتية ثم توضع كمية كم الزهر(2.5كيلو) في وعاء نحاسي يسمي(القطار) يضاف إليها الماء(سبعة ليترات) وتترك علي نار عالية حتي الغليان.
وعن فوائد ماء الزهر في المجال العلاجي والصحي يؤكد كثير من الناس هنا أن ماء الزهر مفيد بالدرجة الأولي لتهدئة الأعصاب ومفيد للإنسان علي امتداد العام وفي جميع الفصول كما أن هناك أدوية يدخل في تركيبتها ماء الزهر لإضفاء النشاط والصحة لاسيما مرضي الجهاز العصبي ومرضي القلب وتصلب الشرايين.
ويقال إن هذا الماء يمد الجسم بالفيتامينات والأملاح إذا ما استعمل مع الوجبات عبر الخضار والسلطة كما أن له فؤائد أخري في مجال التجميل وغسل الوجه وترطيب العينين ومع الاستعمالات العائلية في الطبخ والتعطير والمداواة يبقي للزهر جوانب أخري لإنتاج الزيوت الأساسية للعطور وخاصة النيرولي(زيت الزهر الأساسي) والمطلوبة في مجال صناعة العطور الرفيعة هكذا يدخل ماء الزهر بشخصية عطرة من بوابة البيت ليتسلل إلي الأجساد قبل أن يتواجد في كل ركن من الأركان لاسيما المطبخ… والجدير بالذكر أن سعر الكيلو من تلك الزيوت يصل إلي 4500 دولار بالأسواق الخارجية.