يتداول كثير من المصريين عبارة مفادها أن مصر تسرق وتنهب منذ آلاف السنين ولايزال خيرها يفيض لولا عدالة التوزيع ,وحين يبحث المرء عن مصر يجدها في حياة العامة من الموظفين والطبقة الوسطي من الناس والتي كادت أن تختفي بفعل القهر الاقتصادي والكبت السياسي وعوامل أخري.
تاريخ طويل ممتد منذ آلاف السنين يحكي لنا عن مصر:مصر في عصورها القديمةالفرعونيةومصر في عصورها الوسيطةالإسلاميةومصر في عصورها الحديثة الاستعمار وما أفرزه من مقاومة أظهرت معدن هذا الشعب الأصيلوحين يطوف المرء في هذا التاريخ يخرج بعده استنتاجات قد ترقي إلي الحقائق نذكر منها مايلي:
طبيعة هذا الشعب تجنح إلي الوداعة والمسالمةوهي طبيعة تفسر أحيانا بفعل القهر والضغط بالجبن وإن كان ينفي هذا الوصف حروب المصريين وتصديهم بأجسادهم للعدو يحكي لنا التاريخ ذلك.
خيرات هذه البلاد تكاد لاتنقطع يشهد علي ذلك عطاؤها المتجدد في كل العصور لاسيما العصر الإسلامي وما سجله عمرو بن العاص في وصف مصريرجع في ذلك للدارسين.
بأس المصريين بينهم شديد:إذا حكمهم بنو جلدتهم قهروهم بالاستبداد والتزوير والغش,وإذا حكمهم غيرهم كانوا أخف وطأة علي المصريين من بني جلدتهم ويتداول الناس في ذلك نكات تدرس في مظانها كعلم الاجتماع السياسي وغيره.
المصريون ذوو عقل رشيد وأداء جيد يشهد علي ذلك تفوقهم البارع في مجالات متعددة لاسيما في البيئات الملائمة,وأقصد بالبيئات الملائمة أوطانا أجنبية وربما عربية,مما يؤكد أن تخلف المصريين لم يكن وليد كسل وجهل وإنما هو وليد بيئة سياسية خانقة ومناخ غير جيد.
وجدير ها هنا أن نسوق أن المصريين ينشطون ساعة الخطر وساعة الجد نشاطا غير مسبوق وكأنهم بهذا يسابقون الزمن,ويشهد علي ذلك ما عايشه المصريون في التحضير لحرب أكتوبر 1973 وكيف قهر المصريون-بآذن الله- ما لا يقهر تكنولوجيا وعقليا وأداء عسكريا وسياسيا وغير ذلك.
وها هنا بيت القصيد:
فمنذ حرب أكتوبر وما أنجزه المصريون من أداء جيد شهد لهم فيه المنصفون بالكفاية والاقتدار فقد كانت هذه الملحمة هي آخر ما حققه المصريون من إنجاز يحسب للأمة المصرية بأسرها وكأن مصر قد وقفت عن النهوض الحضاري من ذلك الزمن أما التطورات التكنولوجية فقد حدثت بما يمكن تفسيره بالحتمية التاريخية وتطور الزمن .
وسؤالنا:أين مصر منذ تلك الحرب؟ماذا تبقي لمصر؟أين مصر بمشروعاتها القومية التي توجب التفاف الشعب حولها كما السد العالي من قبل بدلا من التفاف ساذج سطحي كاذب كالكرة مثلا؟!!
إن المقارنة جد ظالمة بين مصر قبل أكتوبر 1973 وبين مصر بعد ذلك ..لست ناصريا ولا أدعو لعودة التجربة الناصرية بإيجابياتها وسلبياتها لكني أدعو لمشروع يبني نهضة ويخلق أمتنا من جديد ويفجر طاقات أمتنا الإبداعية ولا أعتقد أن عاقلا يختلف في ذلك فمصر اليوم في حاجة إلي نهضة..لا يمكن لهذه الشيخوخة أن تدوم قد يحتاج الغافل لصحوة أو هزة عنيفة توقظه وتنبهه للخطر القادم, وقد تحتاج الأمم أيضا لمثل هذه الهزات لعلها تفيق من سكراتها وقد تكون هذه الصحوة ابتلاء يحسبه الجهلاء محنة وإن هو إلا منحة علها توقظ الكسالي وتفجر همة العاقلين مصر علي موعد مع مشكلات ترقي للكوارث لولا أن يتداركها المخلصون:إن الفقر والبطالة وتآكل الدلتا وغياب الحريات والتوريث وأزمات مياه الشرب والإسكان والتغير الناشيء في الشخصية المصرية وغير ذلك هي مشكلات تحتاج إلي حلول واضحة,فاعلة,مستمرة,جادة.
ويبقي سؤال:
قد لا أملك إجابة جامعة مانعة لكني أطرح السؤال علي العاقلين المخلصين المدركين لقيمة مصر وتاريخها وتراثها:ماذا تبقي لمصر؟هل تبقي لها جيل هو أعز ما تملك:جيل جبار مغوار يمكنه أن يبني ما هدمه الديكتاتوريون منذ عشرات السنين؟أم تبقي لها جيل خانع لاهم له سوي نفسه وليذهب الآخرون إلي الجميع:جيلفي معظمهيعرف المطربة فلانة الفلانية ولا يعرف من هو عبد الوهاب المسيري أو أحمد مستجير أو مصطفي محمود أو قامات مصر التي أهال عليها المتخلفون التراب حتي صارت تلك الأعلام نكرات في زمن الهبوط الأخلاقي والسياسي وغير ذلك؟!