ثمة هاجسين تختزلهما الانتخابات الإسرائيلية الراهنة التي انعقدت في 10فبراير2009 من جملة قضايا كثيرة,الهاجس الأولي أمني يستولي علي عقل الناخب الإسرائيلي,والثاني يتعلق بهوية الدولة العبرية وما إذا كانت ديموقراطية أم عنصرية تلفظ الآخر.وهذه الانتخابات مثيرة للجدل,فقد تصدرت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية وزعيمة حزب كاديما قائمة الفوز بـ28 مقعدا عن يمين الوسط تلاها حزب الليكود اليميني بزعامة بنيامين نتنياهو بـ27 مقعدا ثم حزب إسرائيل بيتنا بزعامة أفيجدور ليبرمان أو الحصان الأسمر كما أطلق عليه في السباق الانتخابي وحصد 14مقعدا متخطيا حزب العمل الذي فاز بـ12مقعدا.
في البداية أصرت ليفني صاحبة أعلي الأصوات علي تشكيل الحكومة إلا أن أحزاب اليسار ويمين الوسط لا تحصد بالبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) سوي 55 مقعدا,في حين تشكيل أحزاب اليمين واليمين المتشدد 65مقعدا ومن ثم يحق لليمين بزعامة نتنياهو تشكيل الحكومة.
حتي تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية علي غرار ما حدث في عام 1984 لم يحظ بتأييد ليفني-نتنياهو,وهو الائتلاف الذي نفذه من قبل الليكود اليميني بزعامة إسحق شامير والعمل اليساري بزعامة شيمون بيريز حيث تناوب رئيسا الحزبين علي رئاسة الوزارة بواقع سنتين لكل واحد منهما.
ولا يخفي من وجهة نظر المحللين أن تشكيل حكومة وطنية من الحزبين الفائزين هو الأكثر ضمانا في ظل تنامي دور حزب إسرائيل بيتنا الحائز علي ثالث أعلي الأصوات وهو ما يسعي إليه بنيامين نتنياهو المكلف بتشكيل الوزارة,ومعروف عن الحزب الأخير ورئيسه ليبرمان تطرفه الشديد ومعه عدد من الأحزاب الدينية وعلي رأسها شاس الديني المتطرف…لذا فضلت ليفني البقاء في صف المعارضة انتظارا لأول أزمة لسحب الثقة من الحكومة الجديدة.
الهاجس الأمني هو الذي حكم الناخب الإسرائيلي الذي أصبح يريد زعيما صلبا قادرا علي استخدام القوة ضد الفلسطينيين. لكن المفارقة المثيرة أن حزبي الليكود وإسرائيل بيتنا استفادا انتخابيا من الحرب علي غزة أكثر من الذين اتخذوا قرار الحرب أي ليفني وأولمرت وباراك…وأبسط دليل أن حزبب العمل برئاسة وزير الدفاع إيهود باراك صاحب ضربة غزة تقهقر أمام حزب إسرائيل بيتنا!
كما لم تعد معايير النزاهة والشفافية هي الفيصل,فبنيامين نتنياهو الذي يرغبه الناخب الإسرائيلي لاحقته فضائح فساد أثناء رئاسته للوزارة الإسرائيلية في أواخر التسعينيات هو وزوجته سارة لكنه لم يتعرض لملاحقات قضائية فكان أسعد حظا من أولمرت.
هكذا فإن الحرب علي غزة هي التي حكمت عقلية الناخب الإسرائيلي الذي سيطر عليه الهاجس الأمني ممثلا في صواريخ حماس التي انهالت دونما قدرة علي وقفها رغم الآلة العسكرية الإسرائيلية الطاغية.
أما قضايا السلام والمفاوضات والمستوطنات وسورية والملف النووي الإيراني فكلها باتت قضايا يمكن تأجيلها في عقلية الناخب الإسرائيلي.
أيضا باتت هوية الدولة العبرية الهاجس الأهم حيث قفزت إلي الصدارة في الانتخابات الراهنة مع ارتفاع أصوات اليمين المتطرف الذي يري في عرب إسرائيل خونة وطابور خامس للفلسطينيين ووجوب تخييرهم إما الولاء لإسرائيل أو الطرد خارج البلاد وإلزامهم بالخدمة العسكرية كشرط حصولهم علي المواطنة الكاملة.
أفيجدور ليبرمان وصعود نجمه أحد أهم مفارقات الانتخابات الأخيرة,حيث أضحي من وجهة نظر المحللين بيضة القبان في تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة برئاسة نتنياهو. وكما يتردد فهو شخصية مثيرة للمشاكل وربما بتسبب في إسقاط الحكومة في أقرب اقتراع لسحب الثقة. والمعروف أن حزب إسرائيل بيتنا -وهو حزب المهاجرين الروس- يتبني أفكار طرد الفلسطينيين من إسرائيل وتهجيرهم إلي مناطق مجاورة وحرمان عرب إسرائيل من الجنسية الإسرائيلية. وقد تنامي دور الحزب حيث بلغ تعداد اليهود من أصل روسي مليون شخص من إجمالي سبعة ملايين هم تعداد إسرائيل.
لكن حزب شاس هو الذي كان وراء حرمان ليفني من تشكيل الحكومة بعد رفضها مطالبه بوقف المفاوضات مع الفلسطينيين خاصة الجارية حول القدس,ومن ثم تحول الحزب للتحالف مع نتنياهو.
ويعايش نتنياهو إشكالية خطيرة يصنعها ليبرمان الذي يطالب بالموافقة علي الزواج المدني,وهو ما يرفضه بشدة شاس بزعامة إيلي يشاي,لذا يدور البحث عن إيجاد صيغة استثنائية تسمح بشراكة ائتلاف بين الحزبين وإلا انقضي تشكيل الحكومة الجاري حاليا.
هاجر ليبرمان المولود في 5 يونية 1958 من موطنه في كيشنيف بمولدوفيا بالاتحاد السوفييتي السابق إلي إسرائيل في عام .1978 وفي صدر شبابه عمل بأحد النوادي الليلية بمسقط رأسه ثم مذيعا في باكو.
وفي إسرائيل تنقل بين خبرات عديدة بالاقتصاد والسياسة. وخلال المدة من 93 إلي 1996 خدم كأمين عام لحزب الليكود,وفي عامي 97-98 عمل مديرا لمكتب بنيامين نتنياهو,ثم أسس حزب إسرائيل بيتنا في عام .1999
وبعد عامين شغل وزارة البنية التحتية,وبعدها في فبراير 2003 تقلد وزارة النقل,وفي مايو 2004 قدم خطة فصل بين اليهود والعرب وتبادل الأراضي…لكن شارون طرده من الوزارة في الرابع من يونية 2004.
لغته المنسجمة مع المناخ السائد والذعر من صواريخ القسام دعمت موقفه الانتخابي حتي صار ترتيب حزبه الثالث بعد كاديما والليكود متخطيا حزب العمل صاحب الدور البارز في تأسيس دولة إسرائيل. وعلي أية حال سوف يواجه ليبرمان تحقيقات من الشرطة لوجود وثائق تدل علي تورطه في جرائم غسيل أموال وتلقي رشاوي,وهي التحقيقات التي بدأت منذ عام 2006 واعتقل علي أثرها عدد من المقربين له ومحاميه منذ أربعة أسابيع…لكن ثمة تساؤل: هل يقع المأمول ويتسبب ليبرمان في سحب الثقة سريعا من حكومة نتنياهو حال تشكيلها؟ وماذا يحمل تشدد الحكومة الجديدة من توجهات؟!…الإجابة تنتظرها ليفني بفارغ الصبر.