أصدر اللواء فؤاد سعد الدين محافظ المنيا قرارا ببناء سور دير أبوفانا الأثري من الجانبين الشرقي والبحري بعد أن تعرض الدير الذي يعود تأسيسه للقرن الرابع الميلادي لهجومين أحدهما يوم رأس السنة الميلادية والآخر يوم الأربعاء 9 يناير 2008 وذلك من قبل بعض الخارجين عن القانون بالقري المجاورة للدير الأمر الذي أسفر عن هدم ثماني قلالي للرهبان المتوحدين وإصابة أحد الرهبان في يده من جراء إطلاق الأعيرة النارية فضلا عن حرق وإتلاف بعض الأيقونات والأناجيل في ظل غياب أمني واضح علي حد تعبير رهبان الدير.. لكن البناء يحتاج لقوات من الشرطة تحمي تنفيد القرار.
المثير أن التدمير الأخير هو الاعتداء الثالث عشر علي مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة بحسب ما رواه القس مينا آفافيني حيث إن الدير بلا أسوار تحده رغم التقدم منذ أربع سنوات بطلب للمسئولين لبناء سور يحمي الدير والحياة الرهبانية فيه وتحديدا منذ تاريخ اعتراف المجمع المقدس بدير أبوفانا حتي 29 مايو 2004
كان قداسة البابا شنودة الثالث تابع تطورات الأحداث المؤسفة التي تعرض لها الدير هذه المرة من خلال نيافة أنبا ديمتريوس أسقف أنصنا وملوي والأشمونين ورئيس الدير حيث أبدي استياء من تعرض دير أبوفانا للاعتداء وقام بتشكيل لجنة تقصي حقائق من المحامين: رمسيس رؤوف النجار وممدوح رمزي وماجد حنا وبيتر النجار للمتابعة ورصد التجاوزات.
وطني انتقلت لموقع المطرانية حيث تقابلت بنيافة أنبا ديمتريوس قال نيافته: قمنا فور وقوع الأحداث المؤسفة بالاتصال بالمسئولين بعد كل ما تعرض له الدير والرهبان من اعتداءات وقد وعدوا بالاستجابة لمشكلة بناء سور للدير وأنها في طريقها للحل. أما الكهرباء فبدأت تدخل بعد تحمل الدير لكافة التكاليف الزائدة لتركيب محول كهرباء.
وعن معاقبة الجناة قال نيافة الأسقف: طالبت الرهبان بالإدلاء بأقوالهم في النيابة حسب ما شاهدوه أثناء عملية الاعتداء حتي لا يترك الجناة بدون عقاب.
جولة وسط آثار التدمير
ومن مطرانية ملوي انتقلت وطني بصحبة المحامين ممدوح رمزي وبيتر النجار لرصد الأوضاع القانونية والأمنية بالدير حيث كان في استقبالنا بعض الرهبان لمتابعة آثار الاعتداء علي القلالي أماكن إقامة الرهبان والتي تقع خلف الدير من الجانب الغربي باتجاه الطريق الغربي الصحراوي.. ولأننا لم نستطع السير كثيرا بالسيارة بسبب الكثبان الرملية تركناها واستكملنا السير بأحد الجرارات الزراعية وسرنا لمسافة ثلاثة كيلو مترات وسط كثبان رملية عالية ثم في منخفضات.. المنطقة تثير الدهشة من قدرة تأقلم الراهب المتوحد مع هذه الحياة الصعبة وسط الرياح الشديدة والكثبان الرملية الناعمة وبعدها عن الدير دون كهرباء أو مياه ولكن كما وصف الراهب مينا فحياة الراهب المتوحد هي البعد عن العالم لذا فكل قلاية تبتعد عن الأخري لمسافة لا تقل عن كيلو متر أو أكثر.
وبعد مسافة طويلة وصلنا إلي أول قلاية ترتفع علي صخرة عالية حيث شاهدنا آثار الهدم في بعض أجزائها مع تدمير كامل للقبة وحرق لبعض الصور والكتب أمام القلاية التي تم سرقة شبابيكها.
أين الأمن.. أين القانون
روي الراهب كيرلس آفافيني الأحداث قال: يوم رأس السنة فوجئنا باحتلال جزء من أرض الدير من قبل شخص يدعي سمير محمد حسين وشهرته سمير أبولولي فقمنا بإبلاغ الشرطة وذهب معنا المقدم هشام يحيي الوكيل رئيس شرطة قرية هور التابعة لمركز ملوي ووجدنا سمير أبولولي مع ابنه عبدالله ومجموعات تحمل سلاحا آليا. ولكن المقدم هشام لم يقبض عليه بل قال له: تعال يا أبوسمرة نشرب الشاي مع بعض!
في هذه الأثناء قلت للمقدم ممكن تحرز السلاح؟ ثم جاء بعد ذلك الأمين دياب من أمن الدولة ولكن أخذوا بعضهم وذهبوا لأرض سمير أبولولي.. كم دهشت من الموقف؟! ومرت الحادثة دون تحرير محضر ولم يتم إثبات ذلك الحادث بتواطؤ من الشرطة التي أنكرت ما حدث.
أضاف الراهب كيرلس: فوجئنا يوم الأربعاء 9 يناير 2008 بقيام مجموعات مسلحة بهدم قلالي الرهبان ستة قلالي هدما تماما وكأنه تفجير وحرق بعض الكتب المقدسة والصور ولما أبغلنا أحد الرهبان ذهبنا لنري الموقف فوجدنا عشرات من طلقات الرصاص أطلقت من خلال مجموعات لا تقل عن 30 فردا وكان معنا الجرار الزراعي وكان يقوده الراهب مكاري آفافيني فردت إحدي الطلقات بشظية في يده واخترقت طلقات أخري مقدمة الجرار فاضطررنا للتراجع لأن الرصاص كان مصوبا باتجاهنا.. والحادث وقع حوالي الساعة 2 ظهرا وأخذوا كل شئ بالداخل وبعض أبواب وشبابيك القلالي وهربوا.
بعد ذلك وصل رئيس شرطة هور ولم يتخذ أي إجراء قانوني رغم استمرار الاعتداء لساعات وكان هدفهم القتل لأن الرصاص كان متجها نحونا!
أنا ضربت وهاضرب تاني!!
قال الراهب مينا آفافيني: هذا الاعتداء لم يكن الأول فقد سبق وقام سمير أبولولي بإطلاق مجموعة أعيرة نارية باتجاه الدير وهو يريد اغتصاب أرض وحرم الدير ورغم اتصالنا بالمقدم هشام لاتخاذ إجراء قانوني إلا أنه لم يأخذ إجراء واحدا ضده رغم تهديدات سمير أبولولي لنا أمام الضابط وهو يقول أنا ضربت وهضرب تاني فابتسم الضابط فقال له تعالي نشرب الشاي وذهبوا في اتجاه أرض العرب التي ينتمي لها سمير أبولولي وتوقعنا أن العدالة سوف تأخذ مجراها ولكن فوجئنا يوم الأربعاء بهجوم بربري بأكثر من 30 فردا وقاموا بمحاصرة الدير وحملوا السلاح الآلي ولا نعلم من أين أتوا به وقاموا بمهاجمة قلالي الرهبان المتوحدين البعيدة عن الدير ولكنها داخل حرم الدير وبدأوا في الهدم حيث قسموا أنفسهم إلي مجموعات واستغلوا فرصة وجود الرهبان بالدير خارح القلالي عدا أخ تحت الاختبار اسمه مكسيوس كان في إحدي القلالي ولما هرب سريعا أبلغنا بالدير عن الهجوم لم نستطيع مواجهتهم لأنهم أمطرونا بوابل من الرصاص أيضا لم يتحرك الغفر الحراس للدير للرد عليهم بل اختفوا تماما أثناء الهجوم ولم يظهروا إلا بعد وصول الشرطة في المساء التي جاءت برئاسة نفس الضابط المقدم هشام يحيي ومعه قوة لا تتعدي أصابع اليد الواحدة ولم يتم القبض علي أي من المعتدين وكأنه لم يحدث شئ ولم تنتقل النيابة للمعاينة بل ظلت تحقق مع الراهب مكاري والراهب بيشوي لأكثر من ثلاث ساعات وهي تحاول إبعاد عملية إطلاق النيران عن التحقيق والاكتفاء بهدم القلالي ثم تم استدعاء الرهبان يوأنس وباخوميوس وبيشوي في اليوم الثاني وظلوا أكثر من أربعة ساعات وكأنهم الجناة.
أضاف: لدينا مشكلات بالدير ومنها عدم السماح ببناء سور حول الدير رغم تقديم طلب منذ أربع سنوات ورغم أنه يقال بأن اللجنة الدائمة وافقت علي السور إلا أنه حتي الآن لم يسمح لنا ببناء هذا السور لحماية الدير الذي يعود للقرن الرابع الميلادي. وهناك أيضا مشكلة عدم وجود كهرباء بالدير وإن كانوا أخذوا خطوة إيجابية وبدأ توصيل الكهرباء لطريق الدير والجبانات المقامة داخل حرم الدير وربما تدخل الكهرباء إلي مبني الدير قريبا.
تساءل الراهب مينا: كيف تترك الدولة مجرما ينتهك حرمة الأماكن المقدسة بدير يعود للقرن الرابع الميلادي؟!
لجنة لرصد الخسائر!
أثناء حوارنا مع الرهبان وصلت لجنة من مجلس قرية هور لرصد الخسائر مكونة من رجل وسيدتين وتقابلنا مع السيدة دلال التي قالت: نحن نقوم برصد الخسائر والهدم وسوف يتم رفع التقرير إلي رئيس مجلس المدينة. تعليقها علي ما حدث قالت إن المسألة تخرج عن نطاق الدين لأن ما قام بذلك بلطجية ليس لهم علاقة بالدين ولكنها مسألة طمع وصراع علي أرض. وعبرت عن استيائها لما حدث وظلت تستمع لروايات الرهبان لما حدث من جانب سمير أبولولي.
بعدئذ انتقلنا للسير إلي القلاية الثانية والتي كانت متهدمة بالكامل ولم يتبق بها شئ
لماذا الاعتداءات؟!
حاولنا معرفة أسباب قيام سمير أبولولي بهذه الأفعال فقال الراهب كيرلس: إن سمير أبولولي كان من قبل يقوم بقطع الطريق علي زوار الدير وبعد ذلك سعي للاستيلاء علي قطعة أرض ملك للدير رغم أن الأرض صحراوية رملية لا تصلح لشئ! وقد سبق اعتقاله من قبل ويعمل مرشدا للشرطة لذا لم تقم الشرطة بتحرير محضر بالواقعة الأولي في أول يناير رغم حمله لسلاح علي مرأي ومسمع الأمن وتهديده للآخرين ولم ينتقل إلي موقع الحادث أي من المسئولين سوي لجنة مجلس قرية هور وشخصين من معمل البحث الجنائي انتقلوا للموقع بعد يومين من الحادث بعد اختفاء آثار الجريمة وضياع الطلقات تحت الرمال.
مهازل متكررة!
أضاف الراهب كيرلس إننا لا نريد سوي العيش في سلام. نحن لا نطلب أكثر من الحماية والقبض علي الجناة ومحاسبتهم واتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمنع تكرار هذه الأحداث ونطالب بمحاكمة المقصرين من الأمن وحماية الدير, فيجب وقف هذه المهازل المتكررة التي وصلت إلي حد استيلاء غفير آثار الدير ويدعي عبدالفتاح محمد علي عشرين فدانا من حرم الدير بمساعدة هيئة الآثار وتوقيع أوراقه رغم أن الدير يمتلك كافة الأوراق الي تثبت حقه وحرمته ولكن لم يحرك أحد ساكنا لهذا التعدي.. فلمصلحة من يتعاون ضابط شرطة مع مجرم ولمصلحة من يستولي الغفير المكلف بحماية الدير علي أراضي الدير ولمصلحة من يختفي الغفر المكلفون بحمايتنا وقت إطلاق الرصاص.. نحن نطالب التحقيق في هذه القضية ومحاسبة المقصرين لترسيخ دولة المواطنة التي يتحدثون عنها.
الراهب مكاري الذي كاد أن يصاب بإحدي الطلقات قال: أنا كنت طالع القلاية بعد ما جاء خبر الهجوم علي القلالي وأثناء ما كنت أقود الجرار فوجئت بإطلاق الأعيرة النارية نحونا واخترقت بعض الطلقات الجرار الزراعي وكانت هناك مجموعة كبيرة من المعتدين تم توزيعهم علي القلالي وأصيبت يدي بشطية وعملت تقريرا طبيا وتم كتابة تقرير بأنه جرح عمقه نصف سم يحتاج إلي علاج 20 يوما ولم يكتب 21 يوما حتي لا تدخل في قضايا. وهذه لم تكن القضية الأولي بل حدث أكثر من مرة الاعتداء علي الدير والقضية الآن ليست في سمير أبولولي لكن تتعلق بمن يساند سمير أبولولي حتي يقوم بهذه الجرائم دو خوف.
أضاف الراهب: الشرطة حاولت التغاضي عن موضوع ضرب النار والاكتفاء بهدم القلالي وتسجيل ذلك في محضر النيابة ولكني أدليت بأقوالي أنه حدث إطلاق للنار عشوائي كثيف وهذا مثبت في الجرار الزراعي الذي اخترقته الرصاصات ولم يتم القبض علي المعتدين ولن يتم القبض علي أحد وموضوع السور مازال متوقفا لأسباب غير معروفة فتارة يقولون لدواع أمنية, وتارة أخري المساحة ومرة الآثار. ورغم صدور الموافقة إلا أنه حتي لم يتم السماح ببناء السور لدير أثري يعود للقرن الرابع الميلادي وهو ما يسمح لأي فرد اختراقه في أي وقت.
القانون.. الشرطة.. المجرمون
قال ممدوح رمزي المحامي عضو لجنة تقصي الحقائق: لابد أن يأخذ القانون مجراه وأن تضطلع الشرطة بمسئولياتها ويقدم المجرمون للمحاكمة. وقال بيتر النجار عضو لجنة تقصي الحقائق: النيابة العامة خالفت القانون بعدم الانتقال لمكان الحادث فور وقوعه وكان من المفترض أن تشرف بنفسها علي معاينة التدمير والاعتداء وأن تضع حراسة علي مكان الحادث ولكن حتي أسبوع بعد الحادث لم تنتقل ولم تشرف علي التحقيقات من مكان الحادث وتركت الأمر لأشخاص مدنيين من هيئة المساحة والمعمل الجنائي.
أضاف النجار: أطالب بتدخل محافظ المنيا لخروج تصريح بناء السور حول الدير لحماية الرهبان العزل دون تركهم لكل من تسول له نفسه للاستيلاء علي أملاك الدير.
تركنا الدير الذي لا تحوطه قوات شرطة إضافية عدا ثلاثة من الغفر. وفي طريقنا للرحيل تقابلنا مع أحد الجيران المسلمين ويدعي سعد أبوالليل قال يا أستاذ إحنا قاعدين جنب الدير وبنزرع جنبه علي طول وإللي حصل هو جشع وطمع من سمير أبولولي وهو إللي غطان لأن الرهبان دول ناس كويسين مش بتوع طمع ومش بياخدوا حاجة مش بتاعتهم لكن أبولولي غلطان والموضوع ملوش دعوة بالدين بس هو طمع الدنيا وكل الناس هنا بتحب بعضها لكن الحقد هو سبب كل المشاكل إللي بتحصل.
تركنا أبوالليل الرجل البسيط الذي يمثل صورة المصري الأصيل المحب للكل فالمشكلة هنا ليست في عامة الشعب بقدر ما في تعامل الأمن والإدارة مع مثل هذه الأحداث ومع الخارجين عن القانون.
وطني تقابلت مع المهندس صلاح الدين محمد كامل رئيس مركز ومدينة ملوي قال في تفاؤل: بالنسبة لتوصيل الكهرباء للدير هناك محول جديد بسعة مائة كيلو وات وعدد 15 عامود كهرباء في سبيلها للعمل.. وكان القائمون علي الدير قد طلبوا من محافظ المنيا زيادة سعة المحول لخدمة الأراضي الزراعية. ووافق المحافظ, أما بخصوص السور فالوحدة المحلية جهة إشرافية علي التنفيذ فقط.
وقال النائب رياض عبدالستار عضو مجلس الشعب عن دائرة مركز ملوي: هذه الأحداث ليس لها أي ارتباط بالدين الإسلامي وسماحته ولكنها لبعض الجهلاء الذين يأتون بأفعال غير مسئولة تنسب خطأ للمسلمين وهذا عمل غير إنساني لأن هذا مكان أثري من الأماكن المقدسة السياحية.
أضاف عبدالستار: سأتقدم بطلب لرصف الطريق المؤدي للدير ووضعه في خطة المجالس المحلية حتي لو تطلب ذلك مني مساهمة مادية.. وأري أن مطالب الرهبان في سور يحميهم وكهرباء ومياه هي مطالب منطقية ومشروعة.
الجدير بالذكر أن دير أبوفانا يقع في الحاجر الغربي بالقرب من بلدة هور ويبعد عنها بحوالي أربعة كيلو مترات, وتتبع هور مركز ملوي محافظة المنيا. ويرجح علماء الآثار أن يكون الدير من أوائل أديرة الصعيد بل ويعد من أقدم الأديرة في العالم, وقد صاحب إنشاؤه حركة الرهبنة الأولي, وكان يعد أهم تجمع رهباني في المنطقة, وكان عامرا بالرهبان والذين تزايد عددهم حي زاد علي ألف راهب.
وقد أسسه القديس أبوفانا إذ بدأ الرهبنة بالمنطقة في القرن الرابع للميلاد وقرر المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في جلسته المنعقدة يوم السبت 21 بشنس سنة 1720ش الموافق 29 مايو سنة 2004م برئاسة صاحب الغبطة والقداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الاعتراف بدير القديس أبوفانا المتوحد بملوي ضمن الأديرة الرسمية في الكنيسة القبطية وبناء علي ذلك قام قداسة البابا شنودة الثالث بإعطاء الشكل الرهباني للرهبان المقيمين بالدير ولكن تظل مشكلته أنه دون سور يحميه لذا كان رهبان الدير يتعرضون بين وقت وآخر إلي إطلاق نيران من البدو العرب المجاورين للدير.