تبدو الصور الدبلوماسية من الضربات الثلاثية في لعبة البلياردو خطيرة, لكن دعنا نفترض أنه يمكن تحقيق جميع الأهداف التالية: رفع مكانة الحكومة الانتقالية الهشة في مصر وتحقيق رغبة إسرائيل في اعتراف العرب بها وإحياء عملية السلام الفلسطينية من جديد وتوجيه ضربة موجعة لإيران.
إنها ضربة تتطلب براعة وحذرا شديدين, وستحتاج لفترة كي يتم توجيهها, لكن يدهشني أن هذه الأهداف يمكن تحقيقها تدريجيا, إذا ما استطاعت مصر إقناع حركة حماس الفلسطينية بالاعتراف بأن ثمة رياحا جديدة تهب علي العالم العربي, وتغيير نهجها الإرهابي. إذا اعتبرنا جماعة الإخوان المسلمين لاعبا في العالم العربي الديموقراطي الآن, فربما يكون نظيرها الأيديولوجي, حركة حماس, كذلك في نهاية المطاف.
لقد شرحت الولايات المتحدة بوضوح الصيغة التي يجب أن تستخدمها حماس للتخلص من وضع الطرف المنبوذ. يتعين علي حماس نبذ العنف بشكل معلن وتقبل فكرة وجود إسرائيل والموافقة علي الالتزام بالتعهدات التي قطعتها السلطة الفلسطينية فيما مضي. وأضيف إلي ذلك نتيجة طبيعية واضحة: بالنظر إلي أن مصر ستلعب دور الوساطة في أي تحول من هذا النوع, يتعين علي حماس التسليم بحقيقة معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
لأكون صريحا معكم, فليس من الممكن الآن تحقيق هذا الإنجاز. إسرائيل بالفعل في حالة من الذعر الشديد بسبب التغيرات التي تموج بها المنطقة إلي حد أنها لا ترغب في مواجهة مشكلة أخري. وتفهم كل من مصر والولايات المتحدة حقيقة أن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لإلقاء النرد – خاصة في الوقت الذي لا تبدو فيه حماس مستعدة بعد للتخلي عن خطاب الرفض – ومن ثم, فإنهما لا تدعمان القضية. غير أن ثمة بعض الإشارات المحيرة الدالة علي أن طاولة اللعب تشهد تغيرات. أولا, لقد أصبحت حماس أضعف وأكثر عرضة للهجوم والانتقاد من ذي قبل. لقد خسرت حركة حماس قاعدتها القديمة في سورية, حينما دعمت حركة المعارضة المناهضة للرئيس بشار الأسد. وعلي الرغم من أن حماس تسيطر علي قطاع غزة, فإنها بحاجة لقاعدة خارجية. ستكون مصر هي الخيار الأول, لكن القيادة العسكرية هنا ترفض, حتي الآن, لذلك من المحتمل أن تحول الحركة قاعدتها إلي تركيا أو قطر.
وتتمثل إشارة أخري دالة علي حدوث تغير في لعبة الوساطة التي يلعبها بالفعل المجلس العسكري الحاكم في مصر. توسط المصريون في صفقة التبادل التي قامت فيها حركة حماس الشهر الماضي بمبادلة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بـ1000 سجين فلسطيني. وكان المصريون يحاولون إتمام تلك الصفقة منذ خمس سنوات, ولكنهم نجحوا في النهاية لأن رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية, اللواء مراد موافي, كانت لديه حرية أكبر في التفاوض. ويقال إنه أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي, بنيامين نتنياهو, بأنه لم يكن يرغب في محاولة إتمام صفقة من هذا النوع ما لم يكن يدرك أن بإمكانه النجاح فيها.
وفي الأسبوع الماضي, في إشارة أخري إلي القدس, قام المصريون بإطلاق سراح أسير إسرائيلي – أمريكي آخر يدعي إيلان جرابيل.
ويتمثل تطور ثالث في تقدم مسار المناقشات بين المصريين والإسرائيليين حول السيطرة علي شبه جزيرة سيناء. وتعد هذه مشكلة خطيرة بالنسبة للطرفين, نظرا لأن سيناء غير الخاضعة لسيطرة القانون والتي تعمها الفوضي مهددة بخطر أن تصبح منطقة غير محكومة مثل المناطق القبلية في باكستان, حيث يمكن أن تنظم الجماعات المسلحة صفوفها. تصعد مصر عملياتها مع قبائل البدو التي تجوب سيناء, معززة شبكات الاستخبارات هناك. وهذا الجهد المصري يأتي متأخرا.
في النهاية, مصر تواصل حوارها مع حماس, جزئيا, لأن المسئولين هنا يعتقدون أن السياسة القديمة الممثلة في تجاهل الحركة والاعتماد بدلا منها علي الرئيس محمود عباس, رئيس السلطة الفلسطينية ربما تؤول إلي نتائج عكسية. إن عباس ضعيف جدا علي المستوي السياسي إلي حد أنه يحذر العرب من أنه ربما يستسلم ويترك الضفة الغربية للإسرائيليين, الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لاندلاع انتفاضة هناك وموجة عنف يحتمل أن تكتسح الأردن بسرعة. ولهذا, فإن المصريين مستمرون في العمل من أجل الضغط علي حماس لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالا.
وتتمثل إحدي مزايا هذه المناورات الدبلوماسية في أنها يمكن أن تعزز مكانة مصر في العالم العربي في فترة تحول حاسمة. ويعتمد مستقبل المنطقة علي نجاح الثورة الديموقراطية في مصر, التي بدأت تخبو جذوتها في الأشهر الأخيرة بسبب الغضب الشعبي من الحكومة العسكرية. وتتمثل ميزة أخري في أن الحوار المصري مع حماس يقوض إيران, حليفة الحركة في بعض الأحيان.
من المؤكد أن موجة التغيير العربية سرعان ما ستصطدم بالقضية الفلسطينية. لكن إذا ما رغبت حركة حماس وحلفاؤها من الإسلاميين في لعب دور في المستقبل, يجب أن تلتزم مصر والغرب بإصرارهما علي أن تتخلي حماس عن الشعارات الرافضة ونبذ العنف.
هذه نقطة تحول يتضافر فيها الماضي مع المستقبل في العالم العربي. وحتما فإن قيام عالم عربي أكثر ديموقراطية سيجبر العالم علي التركيز علي القضية الفلسطينية. وأي انفتاح علي حماس, حتي وإن كان يفي بشروط الولايات المتحدة, ينطوي علي قدر كبير من المخاطر بالنسبة لإسرائيل, ولكنه يحمل كما هائلا من الفرص في الوقت نفسه.
عن واشنطن بوست والنسخة العربية منشورة بجريدة ##الشرق الاوسط##.