عملت مراسلا حربيا خلال حرب أكتوبر عام 1973 بعد دورات مكثفة في إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة.. ومن خلال هذه الخبرة أسمح لنفسي بأن أدلي بدلوي في المواجهات الدموية بين أجهزة الأمن والجيوش وبين الجماهير الثائرة في المنطقة العربية.. وألخص رؤيتي من خلال مشاهداتي بأن المواجهة بين القوات المسلحة والشعوب لن تكون في مصلحة الجيوش مهما كانت قوتها إذا تحول سلمية.. سلمية إلي حرب عصابات.. لماذا؟
عندما غزت إسرائيل وفرنسا وإنجلترا مصر سنة 1956 واحتلت سيناء وبورسعيد.. لم تستطع أن تتوسع خارج مناطقها المحتلة بسبب حرب العصابات الشرسة وتكبدت خسائر فادحة ووجدت مخرجا لها من كارثة محققة من خلال الإنذار الأمريكي وهربت مسرعة من بورسعيد.
وفي حرب 1967 لم تستطع القوات الإسرائيلية أن تدخل المناطق السكانية رغم تشرذم القوات المصرية, وانسحابها غير المنظم لأن دخولها إلي الدلتا ذات الكثافة السكانية كان لابد أن يعرضها لكارثة في مواجهة حرب العصابات, والدليل علي ذلك أنه ذاقت الأمرين عندما تجاسرت ودخلت مدينة السويس المعزولة نسبيا عن بقية مدن حوض النيل.
وفي الحرب العالمية الثانية تحركت ثلاث فرق ألمانية لتستولي علي روسيا وكان لزاما علي هذه الفرق أن تخترق بولندة -الفرقة تضم ثلاثة ألوية, وحجم الفرقة الواحدة عندما نتخيل تكون بدايتها في القاهرة ونهايتها في الإسكندرية- وعندما وصلت إلي حدود بولندة كان همها الأكبر هو مواجهة حرب عصابات تنهكها قبل الوصول إلي روسيا مع خطوط إمدادها الطويلة, فابتكر جوبلز وزير الدعاية النازية حيلة خبيثة, حيث أعلن في الراديو أن الفيالق الألمانية تواجه كارثة من الجيوش البولندية, وأن فرقة ألمانية كاملة قد أبيدت. وفي صباح اليوم التالي استيقظ البولنديون وهم يرون الجيوش الألمانية في شوارع العاصمة وارسو. بعدها تحطمت تماما الروح المعنوية البولندية, وكانت هي الدولة الأوربية المحتلة الوحيدة التي لم تظهر فيها مقاومة سرية حتي نهاية الحرب.
وعلينا أن نعي الدرس الذي نعايشه الآن في أفغانستان ونحن نري استنزاف القوة الأمريكية وهي أكبر قوة عسكرية في العالم أمام حرب العصابات التي تقوم بها طالبان.
لذلك أقول بثقة لكل من حكومتي اليمن وسورية إنه عليها الحذر كل الحذر أن تجري حرب عصابات بدلا من سلمية.. سلمية.