قال الأثري أحمد موسي مدير عام الآثار بالقاهرة والجيزة الأسبق أن اسم أطفيح ذكر لأول مرة في لوح حجرية يؤكد أنها كانت عاصمة الإقليم الثاني والعشرين من أقاليم مصر في عصر رمسيس الثاني وهذا اللوح الحجري كان من أهم العناصر المعمارية لمعبد رمسيس الثاني بهذه المنطقة وجاء اسم أطفيح علي أنهاتيب إيحوحرفت فيما بعد إلي أطفيح,والصدفة هي التي قادت الأثريين للعثور علي هذا اللوح الحجري حيث شاهده أحد خبراء المنطقة في الكنيسة الأثرية بدير الرسل بأطفيح فأبلغ بعثة هيئة الآثار التي انتقلت لمعاينته وثبت بالفعل أهميته,وتم انتزاعه من الكنيسة ووضعه في المخزن المتحفي بمنطقة آثار الهرم وهو يزن أكثر من3طن من البازلت الأسود وطوله160سم وعرضه60سم وسمكه يتراوح بين10, 20سم وتحتوي علي نقوش غاية في الدقة لرمسيس الثاني ومكتوب عليهرمسيس الثاني سيد الأرضيين يقدم القرابين والماء الطاهر إلي الإلهة حتحور تقربا منها ولتمنحه القوة والمجد…هذه حتحو الأم سيدة أطفيح وكهنتها…لها حياة الأبد والخلود,كما اكتشف داخل الكنيسة الأثرية تاجا لعمود يرجع تاريخه للعصر الروماني المصري وهو من طرازكومبوزيتالممتلئ بزخارف نباتية ملونة للأكانتس وعناقيد العنب والأزهار,بالإضافة إلي اكتشاف العديد من الشواهد الأثرية الأخري بالمنطقة والتي تشير إلي وجود معبد لرمسيس الثاني هي13تابوتا من الحجر الجيري منقوشة من العصر الفرعوني المتأخر وعصر الرعامسة.
الأهمية التاريخية والأثرية
ذكر القمص إيليا لبيب الكاهن السابق للكنيسة الأثرية بدير الرسل بأطفيح أن المكان بصفة عامة والكنيسة الأثرية بصفة خاصة لها أهمية تاريخية وأثرية لا تقدر بثمن فذكر المؤرخ أبو المكارم سعد الله بن جرجس المتوفي(سنة1209)في كتابه كنائس مصر وأديرتها(المنسوب خطأ إلي أبي صالح الأرميني)أن مدينة أطفح سميت هكذا نسبة لأطفيح بن ماليق من أولاد مصرايم بن كنعان بن حام بن نوح,كما ذكر أيضا أنه في عهد الدولة العثمانية فرض عليها خراج قدره 439ألف دينار وهذا المبلغ الضخم دليل علي اتساع هذه المنطقة وكثرة عدد المسيحيين بها فهي كانت تشمل17ناحية و13كفرا ممتدة حتي مركز بني مزار بالمنيا.
وأضاف القمص إيليا أن الكنيسة الأثرية كانت معبدا فرعونيا في الأصل وهذا ما أكده الأثريون فمن الآثار الفرعونية التي اكتشفت بالكنيسة الأثرية لوح حجري أثري لرمسيس الثاني,وأكد الأثريون أن رمسيس الثاني قد بني معبدا بالمنطقة للإلهةحتحورالتي كانت إلهة للمنطقة في ذلك الوقت.
أضاف أن الكنيسة مبنية علي النظام البازيليكي يعلوها إحدي عشرة قبة متصلة علي مثال تلاميذ السيد المسيح الاثني عشر(بعد تجاهل يهوذا الخائن),أما القبة الثانية عشرة فهي منفصلة وتعلو مذبح الأنبا أنطونيوس المنفصل تماما عن هيكل الرسولين بطرس وبولس,وكانت هذه القبة تشير إلي متياس الرسول الذي حل محل يهوذا وجاءت القبة منفصلة إشارة لأن اختيار متياس الرسول جاء منفصلا عن اختيار باقي التلاميذ السابقين,بالكنيسة ثلاثة هياكل:الأوسط علي اسم الرسولين بطرس وبولس والقبلي علي اسم العذراء مريم وهما متصلان أما الهيكل البحري فهو علي اسم القديس الأنبا أنطونيوس وهو منفصل عن الهيكل الأوسط من خلال حجرة صغيرة أو مغارة مدخلها من الهيكل الأوسط فقط تعلوها حجرة أخري نصل إليها عن طريق فتحة في سقف الحجرة السفلي وتسمي باسم الحصن أو المخبأ لأنها كانت تستخدم وقت هجوم البربر أو الرومان علي الكنيسة فيهرب الكاهن والشماس بالأسرار المقدسة إليها لإتمام الصلاة كما هو الحال في معظم الكنائس والأديرة الأثرية,وشيدت الكنيسة علي أربعة أعمدة ضخمة في وسط الصحن ومدخل رئيسي من الجهة الغربية وبابين آخرين من الجهتين البحرية والقبلية,وصمم حامل الأيقونات للمذبح الأوسط من الخشب المطعم بالعاج سنة1241ميلادية والصليب الذي يزين الحجاب يتميز بالطابع القبطي الصميم كما يوجد وسط أرضية الكنيسة مكان اللقان حسب الطقس القبطي.
تحتوي الكنيسة علي مجموعة نادرة من الأيقونات والمخطوطات الأثرية معظمها من الكتب الطقسية مثل القطمارسات والخلاجي و20أيقونة تقريبا معظمها من القرون السادس والسابع والثامن عشر معظم هذه الأيقونات والمخطوطات في حاجة ماسة للترميم نظرا لتعرضها للرطوبة وعوامل الجو.
أكد القمص إيليا أن الحالة السيئة التي وصلت إليها الكنيسة قد أضرت بكافة الخدمات الروحية بها وقد استنفدنا كل الطرق المتاحة لاستكمال ترميم الكنيسة الأثرية حيث إنها الكنيسة الوحيدة في المنطقة وتخدم خمسة آلاف أسرة والعديد من القري المجاورة ولكن للأسف كل الوعود علي الورق فقط ولم نجد إلا التهميش فقدمنا طلبا لهيئة الآثار يتضمن عرضا بأن تتحمل الكنيسة نفقة الترميم بالاتفاق مع هيئة الآثار وبإشرافها الفني ولم يتم قبول طلبنا وكان الرد برفض الطلب مع الإشارة إلي أن ترميم الكنائس الأثرية يحتاج إلي معونات من الخارج ولا توجد هذه المعونات الآن.
وحفاظا علي أرواح المصلين منعت الصلوات داخل المبني الأثري بالكنيسة فانتقلت الخدمات الدينية مؤقتا للخيمة التي نصبت في الساحة الخارجية للدير أمام مبني سكن الكهنة وبيت الخلوة,واستصدرنا موافقة من المحافظة ببناء مظلة استيل بدل القماش الذي يتعرض للمطر والتهتك بفعل العوامل الجوية.
ما لحق بالكنيسة من خراب
أوضح القس ديسقوروس صادق كاهن الكنسية أن زلزال أكتوبر سنة 1992م والذي كانت قوته5.9ريختر وكان مركزه جبلقطرانيالقريب من الدير جعل الدير وكنيسته الأثرية من أكثر المواقع التي تضررت وقد ظهرت الأضرار في تدهور الحوائط بفعل الرطوبة والأملاح حيث إن الأساسات مغمورة في المياه(مع ملاحظة أن منسوب المياه مرتفع حوالي متر عن منسوب الأرضية)كما تنمو العديد من الفطريات نتيجة الرطوبة الشديدة,هذا فضلا عن وجود العديد من الشروخ بالحوائط وعقود الكنيسة والأكتاف الحاملة للسقف ووجود شروخ رأسية وأفقية بالقباب وسقوط معظم بياض الحوائط وتدهور النجارة لعدم الصيانة,وفي محاولة لتخفيف هذه الأضرار قامت هيئة الآثار بتنفيذ عمليات صب لعقود الكنيسة والقباب المتدهورة وإسناد الحائط الغربي للكنيسة علي شدات حديدية بعد زلزال 1992وتوقف أعمال الترميم منذ ذلك الحين وحتي هذه اللحظة.
وأرسلت وزارة الثقافة وهيئة الآثار شركة الأمل المتعاقدة معها والتي قامت بالتنقيب والحفر بأساسات الكنيسة وتركتها وذهبت فأضرت الكنيسة أكثر مما نفعت بسبب المياه الجوفية التي ظهرت وتسربت داخل الكنيسة وطالت جدرانها مما يهدد بسقوطها في أية لحظة كما أدي ذلك إلي حدوث تآكل في حامل الأيقونات وحجاب الهيكل البحري وتآكل أساسات المذبح.
وأكد القس طوبيا صموئيل أحد كهنة الكنيسة أن مسلسل الإهمال لم ينته عند هذا الحد وإنما وصل إلي درجة الافتراء حيث فوجئنا بعمل محضر للكنيسة من قبل هيئة الآثار بالتعدي والبناء علي الحرم الأثري للكنيسة رغم أن الحرم الأثري والمثبوت بالخرائط الهندسية لايزيد علي مترين ونصف من جميع الجهات,وتساءل القس طوبيا بأي عقل وأي منطق يكون حرم الأثر40مترا من جهة ومن الجهات الأخري ستة أمتار فقط؟وهل يوجد حرم أثري لأي أثر وفي أي مكان غير مربع الشكل؟؟
أوضح أن ما تم بناؤه جاء بموافقة من المحافظة ولا يوجد أية مخالفات في هذا الشأن فكيف يتم هدم الكنيسة التي نقيم عبادتنا فيها؟؟أما بخصوص الكانتين وحجرة المكتب فقد قمنا بتجديدهما طبقا للخريطة الهندسية الموثقة من قبل الآثار والواضح فيها أن هذه البنايات بعيدة كل البعد عن الحرم الأصلي للكنيسة الأثرية…
حكم غريب
قال خالد محمد سليمان محامي الكنيسة:رفعنا قضيتين أمام محكمة الجيزة واحدة لتخفيض الحرم الكنسي ومساواته بالجوانب الأخري للكنيسة الأثرية حتي لا يعتبر مدخل الكنيسة الجديدة ضمن الحرم الكنسي وسوف يبت فيها في يناير القادم,وقضية أخري لإلزام المجلس الأعلي للآثار ووزير الثقافة بترميم الكنيسة لما لحق بها من أضرار من قبل الشركة المرسلة لأعمال من قبل وزارة الثقافة والمجلس الأعلي للآثار وجاء الحكم في هذه القضية في منتهي الغرابة فكان منطوق الحكمعدم قبول الدعوي لرفعها علي غير ذي صفة,وسبب القاضي حكمه علي اعتبار أن وزارة الثقافة أعطت الترميم لشركات ليست مسئولية عن الترميم,مما اعتبرته حكما غير مقنع ويعتبر تهربا من إلقاء المسئولية علي الجهات الرسمية فقمت بالاستئناف بدار القضاء العالي وأكدت في أسباب الدعوي أن الكنيسة موضوع القضية تابعة لوزارة الثقافة والمجلس الأعلي للآثار وهم المسئولون عن الترميم وصيانة الكنيسة وهم الذين اختاروا وتعاقدوا مع شركة الترميم التي خربت الأثر فتعتبر مسئولية تبعية أو تضامنية وننتظر نتيجة الحكم.
شركة الترميم أفسدت الآثار بثلاثة مواقع
وفي هذا الصدد أكد محمد عبد العظيم مدير عام مناطق آثار الجيزة أن الكنيسة مسجلة أثرا بقرار وزاري وصلبت بشدات حديدية بعد زلزال 1992ولم يتم ترميمها حتي الآن بسبب الإهمال غير المقصود وليس التعنت فقد تعاقد المجلس الأعلي للآثار مع شركة لترميم ثلاثة مواقع أثرية هي كنيسة الآباء الرسل الأثرية بأطفيح ومسجد العمري بالأقصر وكنيسة الحيث بالواحات,وللأسف ثبت بعد ذلك أن هذه الشركة ليس لديها خبرة في مجال الترميم فأفسدت وخربت الآثار كما أدت أعمالها بكنيسة الحيث بالواحات إلي سقوط جزء منها وكانت هذه كارثة بالنسبة لنا…وتم إيقاف التعامل مع هذه الشركة لما سببت من أضرار,وجار الآن عمل طرح لاختيار شركة أخري لإتمام أعمال الترميم أما بخصوص إعادة النظر في حرم الكنيسة فسوف نطبق قرار المحكمة بخصوص ماسيصدر من قرارات في قضية تخفيض الحرم الأثري.
مستعدون لترميم الأيقونات والمخطوطات
قال ماجد الراهب رئيس جمعية الحفاظ علي التراث المصري:قامت الجمعية بزيارة للمكان فوجدنا حال الكنيسة يرثي له علي الرغم من القيمة التاريخية والأثرية العالية لها فهي أقدم كنيسة أثرية في أطفيح ولكنها مهددة بالسقوط للإهمال في الترميم وهي موضوعة ومسجلة كأثر تاريخي من قبل المجلس الأعلي للآثار.
وتساءل كيف يتم السكوت علي ترميم أثر متهالك لمدة ستة عشر سنة.
وأشار إلي وجود احتقان بين هيئة الآثار والكنيسة تقوم الجمعية بمحاولة التدخل لحله,وأعرب عن استعداده الكامل لعمل ورشة لترميم الأيقونات والمخطوطات ومعالجة ما لحق بها من تآكل من خلال كوادر الجمعية.