نتأمل اليوم مزمور71 الذي يصف مشاعر شيخ تقي يشهد لاختباراته الماضية مع الله,ويتذكر معاملاته معه.إنه يعترف بضعفاته ويسترجع التجارب التي مر بها,لكنه لا ينسي العطايا والمواهب الطبيعية وفوق الطبيعية التي منحها الرب له.وإذ يذكر الماضي يمتلئ قلبه بالأمل في المستقبل.
هذا المزمور تذكرة للشيوخ ليرنموا مع صاحبه ترنيمة شهادة عن ماضيهم مع الرب,كما يلهم الشباب ليعرفوا ما يمكن أن يقولوه عندما يتقدم بهم العمر.إنه مزمور الجميع,من شباب وشيوخ.كثيرا ما يقرأ رعاة الكنائس هذا المزمور للمرضي أثناء زيارتهم لهم.
يبدأ هذا المزمور بإعلان ثقة الشيخ التقي في إلهه.والآيات الثلاث الأولي من هذا المزمور مقتبسة من مطلع المزمور الحادي والثلاثين.الأغلب أن كلمات داود في مز31 كانت الترنيمة المفضلة عند كاتب مزمورنا,الشيخ التقي,منذ مطلع حياته,فبدأ بها معلنا ثقته في الرب في آيتي (1, 3),ولذلك يطلب من الرب في آيتي (2, 4),أن يطمئنه,ويقول :بك يارب احتميت فلا أخزي إلي الدهر…كن لي صخرة ملجأ أدخله دائما.أمرت بخلاصي لأنك صخرتي وحصني(آيتا1, 3).هذا إعلان الثقة في الرب وفي حمايته,فلا يخزي إلي الدهر,كما قال الرسول بولس:حسب انتظاري ورجائي أني لا أخزي في شئ(في1:20).إنه يثبت في الله فلا يتزعزع,ويختبئ في ستره كما كان داود يختبئ في الكهف من مطاردة شاول.ويعلن المرنم أن الله صخرة ملجأ دائم له,وأمر بخلاصه ووعد بنجاته.لقد أمر أن يكون نورا فكان نورا,وعندما يأمر بالخلاص يأتي الخلاص.إنه دائم الوجود مع عبده,فيركض إليه الصديق ويتمتع(أم18:10).إنه رب الطبيعة يأمرها لتخدم عبيده,وهو رب العناية يكلفها لتعمل لخيرهم,وهو رب الملائكة يوجههم ليحرسوهم.
وهناك صلة خاصة شخصية بين المرنم وبين الله,فيخاطبه بلهجة اليقين:لأنك صخرتي وحصني.وحصن الرب محكم الغلق في وجه كل المهاجمين,ولو أن له كوة مفتوحة دوما لترتفع منها الصلاة إلي السماء كالبخور العطر.
2-طلبة الشيخ التقي:بعدلك نجني وأنقذني.أمل إلي أذنك وخلصني…يا إلهي نجني من يد الشرير,من كف فاعل الشر والظالم(آيتا2, 4)يطلب من الرب أن ينقذه من الشرير الظالم,لأنه الإله العادل الذي يعطي كل صاحب حق حقه,ويجازي بعدل كل واحد حسب أعماله.ويطلب أن يمنحه طمأنينة القرب منه,قائلا:أمل إلي أذنكلا لأن الرب بعيد,لكن ليطمئن قلبه.
ولنا في طلبة الشيخ التقي درسان:
(أ) الصلاة الحقيقية هي صلاة الإيمان:فالذي يأتي إلي الله يجب أن يؤمن أنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه(عب11:6) فليطلب المؤمنمن الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير,فسيعطي له.ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة,لأن المرتاب يشبه موجا من البحر تخبطه الريح وتدفعه,فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئا من عند الرب(يع1:5-7).
(ب) الصلاة الحقيقية هي الصلاة التي تنتظر الاستجابة:لأن الصارخ يدرك أن آباه السماوي يهب خيرات للذين يسألونه(مت7:11)فهو سامع الصلاة الذي يأتي إليه كل بشر (مز65:2).أنت إذا تكلم من تثق أنه يستمع لك,ويقدر أن يقدم لك العون,والحكيم في تقديم النصح,لأنه العجيب,المشير,الإله القدير(إش9:6).
وبعد الصلاة يسجل الشيخ التقي ذكرياته(آيات5-8) ويورد ثلاثا منها,أتبعها بكلمات الشكر والتسبيح:
1-ذكر أيام الصبا:لأنك أنت رجائي يا سيدي الرب,متكلي منذ صباي(آية5).ما أجمل أن نعود بالذاكرة إلي تعاملات الله معنا,فنقول:الرب راعي فلا يعوزني شئ(مز23:1) كما قال يعقوب لابنه يوسف في أواخر أيامه:الله الذي سار أمامه أبواي إبراهيم وإسحاق.الله الذي رعاني منذ وجودي إلي هذا اليوم(تك48:15)اختبر المرنم زمن شبابه عناية إلهه الصالح به إذ حفظه من ساعة التجربة,وكأنه يقول له:لأنك حفظت كلمة صبري أنا أيضا سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتي علي العالم كله لتجرب الساكنين علي الأرض(رؤ3:10) وأقام علي صخرة رجليه وثبت خطواته(مز40:2).وحتي عندما سقط لم ينطرح,لأن الرب أسند يده(مز37:24) حفظ الله داود من جليات ومن شاول,وعمل به أعمالا بطولية,وسيحفظه في شيخوخته من كل خطر,ويعمل به أعمالا أعظم.
2-ذكر كيف أبدأه:عليك استندت من البطن,وأنت مخرجي من أحشاء أمي.بك تسبيحي دائما(آية6).نسجتني في بطن أمي…رأت عيناك أعضائي,وفي سفرك كلها كتبت يوم تصورت,إذ لم يكن واحد منها(مز139:13, 16).من قبل أن يشعر المرنم بوجوده,وهو بعد جنين,وبعد ولادته قبل أن يقوي علي عمل شئ,أحياء الله وأسنده كما قال لإرميا: قبلما صورتك في البطن عرفتك,وقبلما خرجت من الرحم قدستك(إر1:5)وكما قال لشعبه:اسمعوا لي يا بيت يعقوب…المحملين علي من البطن,المحمولين من الرحم,وإلي الشيخوخة أنا هو,وإلي الشبيبة أنا أحمل.قد فعلت وأنا أرفع وأنا أحمل وأنجي(إش46:3, 4).
3- ذكر كيف كان في آلامه وتجاربهكآية لكثيرين:صرت كآية لكثيرين.أما أنت فملجأي القوي.يمتلئ فمي من تسبيحك.اليوم كله من مجدك(آيتا7, 8).رأوه في بلاياه وظنوا أن إلهه تركه,لكن البلايا زادته تمسكا بإلهه,وبقي الله ملجأه القوي.لقد جاز اختبار المسيا المتألم فاندهش منه كثيرون بسبب ما حل به(إش52:14).ولكن النصرة الإلهية كانت من نصيبه.
كان الله مع الشيخ التقي منذ كان جنينا,وحمله بحب واقتدار في صباه,وكان له الملجأ القوي في المصاعب,حتي اندهش أصدقاؤه وأعداؤه علي السواء.لذلك امتلأ فم الشيخ التقي من تسبيح الله,وكان اليوم كله يتأمل عمل إله المجد السماوي معه بالشكر والحمد والتمجيد.