مازلنا نتأمل مزمور 65, وهو ترنيمة شكر علي الحصاد في سنة زراعية ناجحة تسبح فيها الله (في آيات 6-8). فقد خلق الله الكون ويضبطه, وهو المتحكم في كل قوي الطبيعة ويحفظها. قال له نحميا: أنت هو الرب وحدك. أنت صنعت السماوات وسماء السماوات وسماء السموات وكل جندها, والأرض وكل ما عليها, والبحار وكل ما فيها. وأنت تحييها كلها. وجند السماء لك يسجد (نح 9: 6).
1- الطبيعة تسبح الذي يثبتها: المثبت الجبال بقوته, المتنطق بالقدرة (آية 6). هو الخالق الذي لا ينسي خليقته. خلقها ويهتم بها, فالأفلاك تدور والنجوم ثابتة في مداراتها, والجبال راسخة في أماكنها. إلي دور فدور أمانتك. أسست الأرض فتثبتت (مز 119: 90) لذلك تدعي الجبال الدهرية (حب 3: 6). قال المسيح: أبي يعمل حتي الآن وأنا أعمل (يو 5: 17). صحيح أن عمل الله في خلق العالم قد انتهي, ولكنه لايزال يضبط الأكوان. فلنهتف له: أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة, لأنك أنت خلقت كل الأشياء, وهي بإرادتك كائنة وخلقت (رؤ 4: 11).
2- الطبيعة تسبح الذي يهدئها: المهدئ عجيج البحار, عجيج أمواجها, وضجيج الأمم (آية 7). قال الرب: أنا الذي وضعت الرمل تخوما للبحر فريضة أبدية لا يتعداها, فتتلاطم ولا تستطيع, وتعج أمواجه ولا تتجاوزها (إر 5: 22). الرب هو الذي انتهر بحر سوف فيبس, وسيرهم في اللجج كالبرية, وخلصهم من يد المبغض, وفداهم من يدو العدو (مز 106: 9, 10). والرب هو الذي يسكت العاصفة. تهيج العواصف فتثور الأمواج, فيسكت الرب العاصفة ليهدأ الموج. وهذا ما فعله المسيح, لأنه صاحب السلطان علي الطبيعة (مت 8: 26, 27).
3- الطبيعة تسبح الرب الذي يعلم البشر: تخاف سكان الأقاصي من آياتك. تجعل مطالع الصباح والمساء تبتهج (آية 8). فعندما يتأمل الناس عمل الله في الطبيعة, يرون السماوات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه. يوم إلي يوم يذيع كلاما, وليل إلي ليل يبدي علما. لا قول ولا كلام. لا يسمع صوتهم, في كل الأرض خرج منطقهم (مز 19: 1-4). فالله يشرق شمسه, فيجعل مطالع الصباح تبتهج ببدء يوم جديد. وعندما تغرب تأتي مطالع الليل, فيبتهج الناس لأن الله كلل عمل اليوم بالنجاح, وأعطي عبيده المشتغلين راحة بعد تعب عمل اليوم وعنائه. ويكلل الله بدء حياة الخاطئ التائب بفرح الغفران, فيجعل مطالع حياته تبتهج. ويكلل نهاية حياته بإكليل الحياة, فيجعل نهاية حياته تبتهج ويضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم (مت 13: 43).
ويختم المرنم مزمور 65 بقوله إن الحصادين يسبحون الله (في آيات 9-13).
1- الحصادون يسبحون مروي الأرض: تعهدت الأرض وجعلتها تفيض. تغنيها جدا. سواقي الله ملآنة ماء. تهيئ طعامهم لأنك هكذا تعدها. أرو أتلامها. مهد أخاديدها. بالغيوث نحللها. تبارك غلتها (آيتا 9, 10). يرسل الله المطر المبكر في أول الشتاء ليجهز المحصول للحصاد. ولا يمكن أن يحصل الحصادون علي حصاد وفير إلا إذا أمطرهم الله في الوقت المناسب وبالكمية المناسبة. وعند الرب مخازن الماء (تث 11: 11وأي 38: 25-28). وهكذا هيأ لهم طعامهم بأن هيأ الأرض بالمطر المبكر الذي جهزها للبذار, ثم روي أتلامها وهو ما يشقه محراث الفلاح من الأرض ومعهد أخاديدها أي حفرها المستطيلة وحلل تربتها ليسهل نزول جذور النبات فيها, فتباركت غلتها. وبعد أن يقوم الفلاح بدوره من حرث الأرض وبذر البذور فيها, لن تنبت إلا بالعمل الإلهي إذا الأرض البذور, فتخرج نباتا ثم سنبلا ثم قمحا ملآن في السنبل (مر 4: 28).
2- الحصادون يسبحون منبت الزرع: كللت السنة بجودك, وأثارك تقطر دسما. تقطر مراعي البرية وتنطق الآكام بالبهجة (آيتا 11, 12). أعطت الحقول ثمارها, وحصد الناس الخير, وكلل الله السنة, فإكليل السنة هو حصاد محصولها. وظهرت آثار عطايا الله واضحة في آثار عجلات العربات المحملة بالمحصول الوفير, وفي ما تساقط علي جانبي الطريق من بعض ما حملته. فمن فرط ما حملت بركة ودسما أخذ الدسم يقطر منها. وهذا يعني أن الله أعطي بركة أكبر مما طلبوا أو افتكروا, وأنعم عليهم بأكثر من احتياجاتهم, لأنه يعطي بفيض وغني. وكثر العشب في المراعي فقطرت غذاء للحيوان, فتنطقت التلال والآكام بالبهجة, أي شدت وسطها بحزام لترقص فرحا. لإنكم بفرح تخرجون, وبسلام تحضرون. الجبال والآكام تشيد أمامكم ترنما, وكل شجر الحقل تصفق بالأيادي (إش 55: 12).
3- الحصادون يسبحون راعي الأغنام والبشر: اكتست المروج غنما, والأودية تتعطف برا, تهتف وأيضا تغني (آية 13). كثر عدد الأغنام حتي غطت المراعي, فكأنها اكتست غنما! وارتوت الأرض فأنبتت عشبا, ونبت القمح وغطي الأودية, فكأنها لبست معطفا من القمح. الذي يجعل تخومك سلاما ويشبعك من شحم الحنطة (مز 147: 14). وفي تمايل النباتات الوفيرة مع نسمات الريح بدا وكأن الأودية تتمايل معها, موحية لمن يراها بأنها ترقص, لأن المحصول غطي كل جزء في الوادي, فهتفت الأودية وغنت شكرا وحمدا لله علي البركة الموهوبة لها من عنايته.
فلنسبح الله راعينا الذي يفتش عن الواحد الضال حتي يجده. فلنسبح الله راعينا الذي معه لا يعوزنا شيء (مز 23: 1). ولنسبح الذي يعلي المسكين نم الذل (مز 107: 41). ولنرنم هذا المزمور, لأن الله دائما يسمح ويغفر ويعطينا فرص التوبة والعبادة, ويستجيب لنا ويمتعنا دائما بالطبيعة التي يثبتها ويهدئها لتعلمنا أنها تحت أمره. وهو الذي يروي ويشبع دائما بأكثر مما نحتاج, ويعطي ما لا نستطيع أن نحصل عليه بمجهودنا الشخصي. فله ينبغي التسبيح. يحمدك يارب كل أعمالك, ويباركك أتقياؤك. بمجد ملكك ينطقون (مز 145: 10, 11).