نتابع اليوم تأملنا في المزمور الثاني والستين الذي يشرح الثقة الصادقة التي تنتظر الله,ويقول مطلعه إنما لله انتظرت نفسي.من قبله خلاصي.
يدرك كل مؤمن حقيقي أنه يعيش في عالم معاد,وكلما زاد قربه من الله زادت مقاومة الشرير له,لأن إبليس لن يرضي بضياع أتباعه منه لينضموا إلي ملكوت الله.ولذلك لا تخلو حياتنا من المتاعب والضيقاتوجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوي في المسيح يسوع يضطهدون(2تي3:12).وقال المسيح:لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته.ولكن لأنكم لستم من العالم,بل أنا اخترتكم من العالم,لذلك يبغضكم العالم(يو15:19).ولكن في وسط هذه المتاعب كلها يظهر الله لنا محبته بوضوح.الله أمين,الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون,بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ,لتستطيعوا أن تحتملوا(1كو10:13).ولهذا يرفع المرنم شكواه إلي الله واثقا أنه سيستجاب.وترجع شكوي داود إلي:
1-استمرار المتاعب وكثرتها:إنه يسأل:إلي متي تهجمون علي الإنسان وتهدمونه؟تهدمونه كلكم كحائط منقض,كجدار واقع؟(آية3).لقد هاجموه في عنف,ولكن في جبن,لأن كثيرين اجتمعوا ضد واحد!وكانوا يظنون أنه ضعيف وأنه كحائط يتهدم,تكفيه دفعة واحدة ليقع!هاجموه من قبل وفشلوا,ولكنهم لم ييأسوا فعاودوا الهجوم,كما هاجم إبليس المسيح وفشل,ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلي حين(لو4:13) فلنكن مستعدين دائما لهجوم الشرير علينا حتي لا نفاجأ به.
2-تآمر شرير منافق,بهدف إبعاده عن أخلاقياته:إنما يتآمرون ليدفعوه عن شرفه.يرضون بالكذب بأفواههم يباركون وبقلوبهم يلعنون(آية4).ما أكثر التجارب التي تجئ بعد الانتصار علي الخطية ونوال الخلاص.فلا يجب أن نطمئن للعدو المهزوم,بل لنحمل في كل حين سلاح الله الكامل,ولنتسلح به,لأن إبليس سيفاجئنا دائما بهجوم يتجدد,وبأعداد كبيرة(أف6:13).يتآمرونعلي الإنسان الواحدليدفعوه عن شرفه.ولكن الواحد مع الرب هو القوي والثابت في الحق والبر.يرضون بالكذبليشككوا المؤمن في فائدة إيمانه,وليقنعوه باستحالة الانتصار,فإبليس هو الكذاب وأبو الكذاب(يو8:44).فلنسمع الحكمة السماوية:يا ابني لا تسلك في الطريق.معهم امنع رجلك عن مسالكهم(أم1:15).
وبعد أن عبر المرنم عن ثقته في الرب,ورفع شكواه إليه,عاد يقدم النصائح لنفسه,ولأتباعه,وأعدائه:
1-المرنم الواثق في الله يعلم نفسه:(آيات5-7)
(أ) يعلمها انتظار الرب:إنما لله انتظري يا نفسي,لأن من قبله رجائي.إنما هو صخرتي وخلاصي,ملجأي فلا اتزعزع(آيتا5, 6).أعلن داود هذه الحقيقة في آيتي1, 2 ويكررها لنفسه ثانية.إنه يحض نفسه علي انتظار الله,لأنه كان قد بدأ يتململ من طول الانتظار,فعاد يشجع نفسه علي مزيد من الصبر وطول الأناة,لأن نور الصباح لابد سيشرق مهما بدأ أن الليل طال!ويقول لنفسه:من قبله رجائيفهو يحيا في الأمل,ولهذا قل تزعزعه,وزاد ثباته.وواضح لكل من ينتظر الرب أن مستقبل المؤمن أفضل من ماضيه.وغده أفضل من حاضره.وفي هذا الاتجاه يثق أنه مهما جاءت الرياح والأمطار بالمتاعب فالحماية والمجد والخلاص نصيبه من عند الرب.حين أعيت في نفسي ذكرت الرب,فجاءت إليك صلاتي إلي هيكل قدسك(يو2:7).
فليقل كل واحد منا لنفسه:لا تيأسي يا نفسي,ولا تشكي في محبة الله ,ولا تتركي موقعك.استمري في انتظار الرب,واستمدي رجاءك منهلنكون لمدح مجده,نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح(أف1:12).
(ب)يعلمها الاحتماء بالرب:علي الله خلاصي ومجدي,صخرة قوتي محتماي في الله(آية7).يشجع المرنم نفسه بصفات الله العظيمة,ويعلمها أن صاحب هذه الصفات هو الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه.هو الخلاص,والمجد,وصخرة القوة,وموضع الاحتماء الآمن.إنه مخلصنا وموضوع افتخارنا ومجدنا.ولما كان الخلاص علي الله ومنه,فإن المجد والكرامة هي منه وإليه.ويكمل الله خلاص المؤمن بالمجد الذي يستعلن فيه.فلنحتم دوما به.
2-المرنم الواثق في الله يعلم أتباعه:(آية8).
(أ) يعلمهم الاعتماد علي الله دائما:توكلوا عليه في كل حين يا قوم(آية8أ).يريدهم أن يختبروا ما اختبره هو,وأن يطمئنوا كما اطمأن هو.ينصحهم بعدم الخوف,وبالاتكال الكامل علي الرب,في وقت الراحة كما في وقت التعب.ذو الرأي الممكن تحفظه سالما سالما لأنه عليك متوكل.توكل علي الرب إلي الأبد,لأن في ياه الرب صخر الدهور(إش26:3, 4).
(ب)يعلمهم الصلاة والانفتاح علي الله:اسكبوا قدامه قلوبكم.الله ملجأ لنا(آية8ب).في محضره يفرغون كل ما في قلوبهم من قلق,وعند عرش نعمته يسكبون قلوبهم ويعبرون عن مخاوفهم فيتخلصون منها,ولا يخفون عنه شيئا,بل يحدثون بكل شئ.ملقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم(1بط5:7)كما أخذ الملك حزقيا رسائل القائد الآشوري ربشاقي,وهي مليئة بالسخرية والتعيير,وبسطها أمام الله,فوجد عنده الملجأ والملاذ والإنقاذ(إش37:14).