يتحدث المرنم في مزمور36عن أمرين,أولهما عن الأشرار ذوي المبادئ والأعمال الفاسدة.الذين رفضوا الله ومخافته,وثانيهما محبة الله التي بلا حدود.ويري المرنم نفسه بين هاتين القوتين الكبيرتين,فيخاف أن يقع فريسة الشر والشرير,ويطلب من الله المحب رحمته وخلاصه,لأنهعبد الرب.وتحدث أولا عن مبادئ الشرير,وفي آيتي3, 4تحدث عن تصرفات الشرير,فقال:
(أ)كلامه شرير:كلام فمه إثم وغش(آية3أ).يخرج من فمه كلام أثيم وغير مستقيم.لقد ملق نفسه لنفسه.فإن كان خدع نفسه,فهل يكثر عليه أن يغش غيره ويخدعه؟
(ب)تفكيره شرير:كف عن التعقل,عن عمل الخير(آية 3ب).لعله كان متعقلا وصانع خير ذات يوم فاكتشف أن التعقل لن يكسبه كثيرا من متاع هذه الدنيا,فكف عن التعقل وعمل الخير,مفضلا المكسب السريع المؤقت علي الأبدية!وعندما يكف الإنسان عن الاتصال بالله يصبح جاهلا أحمق,ويقع فريسة لإبليس.
(ج)عمله شرير:يتفكر بالإثم علي مضجعه.يقف في طريق غير صالح لا يرفض الشر(آية4).في الليل.والإنسان علي مضجعه,يجب أن يراجع أحداث يومه ويتأملها بالشكر علي الصالح,وبالتوبة عن الخطأ.ولكن هذا الشرير بدأ شره فكرا علي سريرهتفكر بالإثمثم وقف في طريق غير صالح,ثم لم يرفض عمل الشر.ويل للمفتكرين بالبطل والصانعين الشر علي مضاجعهم.في نور الصباح يفعلونه,لأنه في قدرة يدهم(م2:1).وكان يجب أن يسمع كلمات المزمور الأول:طوبي للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار,وفي طريق الخطاة لم يقف,وفي مجلس المستهزئين لم يجلس(مز1:1).
هذا وصف للخاطئ في طبيعته وفي أسلوب تفكيره وفي تصرفه.فإن كنا قد رجعنا إلي الله تائبين,وملك الرب علي تفكيرنا وسلوكنا,فلنصل أن نثمر ثمر الروح القدس:محبة,فرح,سلام.
يئس المرنم من الناس,فرفع وجهه إلي الله,ويا لها من نظرة لطيفة ومحيية.لقد رأي مبادئ الله في:رحمته,وأمانته,وعدله,ورأي أعماله:في الخلاص,والحماية,والإشباع,والإحياء,والإرشاد.
1-مبادئ الله:(آيتا5, 6أ).
(أ)مبدأ الرحمة:يارب,في السماوات رحمتك(آية5أ).رحمته عالية إلي السماوات,في مغفرة الخطايا,واستجابة الصلاة,وكتابة أسمائنا في سفر الحياة,وشفاعة المسيح فينا,وفي أنه يرسل ملائكته إلي عبيده ليخدموهم.ورحمته أيضا علي الأرض لأنهلا يدع رجلك تزل.لا ينعس حافظك(مز121:3).إنه من فوق عرشه يتنازل فيعيننا ويدبر أمورنا ويرعانا.وعندما نصل إلي سمائه سنكتشف مراحمه التي لم نرها ونحن علي الأرض بسبب محدودية إدراكنا,فكم شملتنا رحمته بطريقة لم تخطر علي بالنا أبدا!
هناك ثلاث سماوات:الأولي سماء الطيور,وفيها نري رحمته مع الطيور,لأن واحدا منها لا يسقط بدونه,ولا يبيت منها واحد جائعا(مت6:26 و10:29).والثانية سماء النجوم,وفيها نريالقمر والنجوم التي كونتها(مز8:3)…الفلك يخبر بعمل يديه(مز19:1)لأنه ثبتها في مكانها لتقول لكل مؤمن:الذي حفظ الأفلاك في موقعها سيحفظك فلا تتزعزع,وسيندك فلا تخف.والسماء الثالثة هي سماء الله من حيث جاء الابن الوحيد إلي أرضنا وبذل نفسه عنا ليفدينا,فحمل خطايانا,وصار إنسانا مثلنا ليجعل منا شركاء الطبيعة الإلهية(2بط1ك4).
(ب)مبدأ الأمانة:أمانتك إلي الغمام(آية5ب).هي عالية ورفيعة وفوق إدراك البشر.لم يكن المرنم في زمانه يقدر أن يصل إلي ارتفاع الغمام,فضرب بارتفاعها المثل.وما أعظم أمانة الله في كل وعد قطعه علي نفسه.إن كنا غير أمناء معه فهو يبقي أمينا,لن يقدر أن ينكر نفسه(2تي2:13).لم تسقط كلمة واحدة من جميع الكلام الصالح الذي وعد به شعبه.الكل صار لهم(يش23:14).
(ج)مبدأ العدالة:عدلك مثل جبال الله,وأحكامك لجة عظيمة(آية6أ).والتعبيرجبال اللهيعني الجبال الطبيعة العظيمة عظمة الله.عدل الله ثابت كالجبل,ولا يمكن أن يختفي.ظلم البشر المرنم.لكن الرب هو العادل.تزعزت الأرض من تحته,فوقف الرب إلي جواره وثبته وطمأنه وأعطاه حقه,ومنحه مواعيده العظمي والثمينة,لأنأحكامك لجة عظمة.وصاياه نهر سباحة لا يعبر,ومهما بلغت معرفتنا الكتابية فستبقي أحكامه لجة عظيمة,لا قرار لها عميقة لا يقدر أحد أن يدركها,كما أنهاواسعة جدا(119:96)عندما يقول المؤمن إن شعر رأسه معدود,وإن واحدة منها لا تسقط إلا والآب يعرفها,قد يبدو هذا أسلوب مبالغة…لا,هذا كلام حرفي(مت10:30).يا لعمق غني الله وحكمته وعلمه!ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء!(رو11:23)
2-أعمال الله(آيات 6ب-9)
(أ)الله يخلص:الناس والبهائم تخلص يارب(آية 6ب)يخلص الله الناس من الجوع,ومن الحرب (مز27:1-3)ومن المرض(لو8:36)ومن الخطية(لو19:10).وهو يخلص البهائم أيضا,فهي خليقته,يهتم بها ويدبر طعامها.من يهيئ للغراب صيده إذ تنعب فراخه إلي الله,وتتردد لعدم القوت؟(أي38:41).يعتني بالطيور,هل بات واحد منها بغير عشاء؟أنهالا تزرع ولا تحصد ولاتجمع إلي مخازن,وأبوكم السماوي يقوتها(مت6:26).كلها إياك تترجي لترزقها قوتها في حينه.تعطيها فتلتقط تفتح يدك فتشبع خيرا(مز104:27, 28).لئن خلص البهائم,فكم يخلصنا!لئن أطعم الطيور,فكم يطعمنا!لئن اعتني بالخليقة كلها,فكم يعتني بك!ما أسعدنا ونحن نسمعه يقول:أشفق أنا علي نينوي المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة(120ألفا)من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم(هم الأطفال),وبهائم كثيرة(يو4:11).
(ب)الله يحمي:ما أكرم رحمتك يا الله,فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون(آية7).تمتد رحمة الله وحمايته إلي البشر,كل البشر,فهو رب العالمين,كما تمتد إلي كل مخلوقاته.ومحبته كريمة تغدق عليهم نعمة بغير استحقاق فيهم,فيحتمي بنو البشر في ظل جناحيه.إنهم بنو آدم,بنو التراب والضعف والخطية,ولكنه يحميهم,ولو أنهم كثيرا ما يحاولون الاحتماء في ظل أعمالهم أو ظل البشر!يظن الإنسان أنه يملك صحة فتضيع,أو مالا فينتهي.يظن أن له صديقا أو شريك حياة,فإذا به يتركه.دعونا نحتمي تحت الظل الوحيد الذي يستحق أن نحتمي فيه,لأنه باق دائما.قال بوعز لراعوثليكافئ الرب عملك,وليكن أجرك كاملا من عند الرب إله إسرائيل الذي جئت لكي تحتمي تحت جناحيه(را2:12).فلنقل له:احفظني مثل حدقة العين.بظل جناحيك استرني(مز17:8).ارحمني يا الله ارحمني,لأنه بك احتمت نفسي,وبظل جناحيك أحتمي إلي أن تعبر المصائب(مز57:1).
(ج)الله يروي:يروون من دسم بيتك,ومن نهر نعمك تسقيهم(آية8).لا شك أن المرنم يذكر الماء الذي خرج من الصخرة ليروي شعبه في الصحراء(خر17وعد20)فقال إن الرب يرتب لشعبه مائدة تجاه مضايقيهم,ويجعل كؤوسهم ريا(مز23:5).والكلمةنعمفي الأصل العبري هي صيغة الجمع لكلمةعدنالجنة التي لم يعوز آدم فيها شئ.ويقول المرنم إن الله يسقيه من نهرعدناتجنات فيشرب ويرتوي.قال المسيح للسامرية:من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلي الأبد.بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلي حياة أبدية(يو4:14)فإن الرب قد عزي صهيون.عزي كل خربها ويجعل بريتها كعدن,وباديتها كجنة الرب(إش51:3).وهذا الارتواء أبدي,فيقول الرائي:الحمل الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلي ينابيع ماء حية,ويمسح الله كل دمعة من عيونهم(رؤ7:17).