الوضع الراهن للقصة القصيرة في مصر والعالم العربي يعد موضوعا مهما للنقاش من جانب الدارسين والباحثين ومبدعي هذا الفن الجميل أنفسهم, لذلك جاء الملتقي الدولي الأول للقصة القصيرة العربية الذي عقد بالمجلس الأعلي للثقافة في الفترة 4-1 نوفمبر الجاري, وقد حمل في دورته الأولي هذه اسم الراحل الكبير القاص المصري يحيي الطاهر عبدالله وشارك فيه أكثر من سبعين قاصا وناقدا عربيا وحوالي مائة مبدع وناقد مصري لدراسة الوضع الحالي للقصة القصيرة العربية من خلال مجموعة من المحاور منها:
قضايا النشأة والتطور والانتشار في الثقافات الإنسانية, قواعد الفن القصصي.. الثابت والمتغير, هذا إلي جانب القصة والصحافة الأدبية.. والانكماش والازدهار, القصة والفنون الأخري: المسرح, السينما, الإذاعة, بالإضافة إلي الخصوصيات الجمالية للقصة في الآداب الإنسانية المختلفة, السرد القصصي في التراث العربي, القصة القصيرة ومغامرات الشكل, خصوصية المكان في قصص الحرب, الطيب صالح وفن القصة القصيرة, مستقبل القصة في العالم.
وتضمن الملتقي تنظيم مجموعات من الموائد المستديرة التي تتناول قضية من القضايا ومن هذه الموائد المستديرة القصة القصيرة وقضايا النشر التي رأستها الدكتورة فاطمة البودي صاحبة دارعين, مشيرة إلي أن الاهتمام الزائد بالرواية لم يمنعها من الاهتمام بالقصة القصيرة وهذا ما جعلها بصفتها أحد المسئولين عن دور النشر المهتمة بنشر جميع أطياف الإبداع أن تقوم بنشر المجموعة الكاملة لأعمال يحيي الطاهر عبدالله إيمانا منها بأهمية القصة القصيرة ودورها الذي تلعبه في حياتنا الثقافية, فالقصة القصيرة تعد أقدر الفنون الأدبية علي ملاحظة الحياة وإعطاء صورة كاملة وواضحة عن أي مجتمع, ومن هذا المنطلق قامت بإجازة ثلاث مجموعات قصصية لكتاب مبتدئين, هذه المجموعات في طريقها للنشر, موضحة أن العديد من الناشرين يحاولون تطبيق المعايير الدولية المتطورة للنشر في واقع لا تستوي فيه أهمية القراءة لدي مجتمعنا مع باقي الشعوب, كما أن غياب النقد أثر بصورة سلبية وواضحة علي مستوي الإنتاج الأدبي, حقا إن ظهور دور نشر تحت السلم كما تطلق عليها الدكتورة فاطمة البودي جعلت السوق تغزوه كتب رديئة ووضعت دور النشر الأخري في مأزق أخلاقي.
القصة القصيرة.. شاب يافع لم يعش طفولته
القصة القصيرة شاب يافع ينظر إلي الوراء إلي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وكأنه لم يعش طفولته.. هذه هي رؤية الناقد الدكتور محمد شاهين حيث إن القصة القصيرة تحمل الكثير من قضايا الوطن وتعبر بعمق عن همومه وأحزانه, وللمرور من الواقع المرير استخدم بعض كتاب الستينيات والسبعينيات الموتيف الشعبي كمهرب من الواقع, أمثال نجيب محفوظ الذي كتب ليالي ألف ليلة وليلة.
وأشارت كرم يوسف مؤسسة دار نشر كتب خان إلي أن الدار قامت بعمل العديد من ورش الكتابة الإبداعية التي تم تفعيلها, وكان باكورة إنتاجها المجموعة القصصية في السابعة والنصف مساء الأربعاء التي قام بكتابتها العديد من المبدعين الشبان, وذكرت أيضا أن دور النشر تقوم بمجازفة كبيرة عند نشر إبداعات كتاب جدد, لذلك يجب العمل علي تقليل تكلفة النشر, وتفعيل فكرة القراءة لدي شعب ليست من عادته القراءة, وطالبت الناشرين المستقلين, خاصة الدور الصغيرة بالتجمع والالتقاء لتبادل الآراء والمناقشات والخبرات لإثراء مجال النشر.
القصة القصيرة وعلم الاتصال
القصة القصيرة والإعلام المقروء موضوع ورقة العمل التي شاركت بها الأديبة والصحفية إخلاص عطاالله فهناك علاقة وثيقة بين القصة القصيرة والصحافة التي تعد مصدرا أساسيا لنشر الأديان لأعمالهم.
تأتي هذه العلاقة من خلال محورين يكمل أحدهما الآخر:
المحور الأول: يتعلق بنشأة هذه العلاقة بداية من كون الصحافة قومية, حزبية, مستقلة تعد أحد المكونات المعرفية المهمة التي يستقي منها الأديب أفكاره بما تقدمه من حقائق وقصص وعلوم وتاريخ وثقافة ودين وفن وأدب وعلوم إنسانية وحوادث وغيرها مما قد يشكل المادة الخادم لمخيلة الكاتب الإبداعية, نجد شيئا من هذا في رواية اللص والكلاب حيث كان سعيد مهران بطلا حقيقيا التقط الراحل الكبير نجيب محفوظ مأساته من حادثة نشرت بالصحف التي كانت حديث الساعة وقتئذ.. فحاجتنا كأدباء للمعرفة حاجة ملحة في كل عصر.
إن هذا يقودنا والكلام مازال لإخلاص عطاالله إلي ما يسمي بعملية الاتصال الإنساني والاتصال Communication مشتقة من كلمة Communis اللاتينية ومعناها الشيء المشترك, والاتصال علم التفاعل بين الأفراد يتضمن كل الوسائل الخاصة بنشر المعرفة والأفكار والاتجاهات من خلال ستة عناصر رئيسية.
ودعونا نطبق نظرية الاتصال هذه علي فن القصة القصيرة.
أولا: المصدر المرسل: مؤلف القصة القصيرة.
ثانيا: المستقبل المرسل إليه: القارئ.
ثالثا: الرسالة القصة القصيرة ذاتها.
رابعا: الوسيلة الإعلامية أو القناة الإعلامية المجلة أو الجريدة التي من خلالها تصل الرسالة أي القصة القصيرة.
خامسا: التأثيرات: ما تحدثه هذه القصة من تأثير علي القارئ.
سادسا: رد الفعل: وهنا يمكن القول إن دور الناقد يمثل رد الفعل بما يقدمه للقارئ من شرح وتحليل لهذا العمل القصصي.
إذن فالصحافة وسيلة أساسية من وسائل المعرفة لدي الكاتب.
المحور الثاني
انتقلت إخلاص عطاالله إلي الجانب الآخر من القضية, حيث ذكرت أن القصة القصيرة تمثل مادة أساسية حيوية وجذابة للنشر علي صفحات الجرائد بأنواعها يومية أو أسبوعية – مستقلة أو قومية أو حزبية والمجلات أسبوعية – شهرية – فصلية أو حتي غير دورية حيث تزايد الإقبال علي قراءتها بسبب صغر مساحتها في وقت أصبح فيه المرأ يلهث وراء متطلبات الحياة المادية القاسية ومنح وقت الفراغ إن وجد فراغ لمشاهدة فيلم سينمائي يروح عنه أو قراءة قصة قصيرة ممتعة. فالقصة القصيرة تمثل خلاصة الحياة في نقطة – لحظة إنسانية مكثفة.
وإذا كان الأمر هكذا بالنسبة لنشر القصة القصيرة في الصحافة إلا أن الأمر يختلف جذريا عند نشر المجموعات القصصية في كتاب, وهنا انتقلت إلي قضية نشر الكتب.
هناك نوعان من النشر:
أولا: النشر الحكومي: من خلال السلاسل المختلفة بهيئات الدولة التي تقدم المؤلفين علي اختلاف مدارسهم مصحوبة عادة بدراسة نقدية, بالإضافة إلي أنها تمنح مكافأة نقدية للكاتب, إلا أن هناك بعض التضحيات التي علي المبدع أن يقدمها يأتي في مقدمتها طابور الانتظار لسنوات ومراعاة المحاذير الخاصة بالنشر.
ثانيا: النشر الخاص:
إن كلا من الناشر الخاص والمؤلف في مأزق لأنهما لا يجدان في أحيان كثيرة سوقا لبضاعتهما, ومرد ذلك إلي الثورة الإلكترونية الهائلة وهجوم البث الفضائي والسعي وراء متطلبات الحياة الاقتصادية وغيرها من العوامل, لذلك فإن الكاتب عندما يفكر في بداية رحلته الإبداعية في نشر أعماله بدور النشر الخاصة فإنه يتعرض لمعضلة أساسية مفادها أن الناشر الخاص عكس النشر الحكومي يتعامل بمنطق الربح المادي لأنه يعتمد علي رأس المال الخاص فيخشي المغامرة والتعامل والأدباء الشبان من ناحية, ومن هذا اللون الأدبي من ناحية أخري لأنه عادة ما يتم تفضيل العناوين الدينية أو العناوين الأكثر إثارة.
وفي النهاية أوصت إخلاص عطاالله أننا أدباء وناشرون شركاء في قضية واحدة وعلينا جميعا تحمل المسئولية ومواجهتها.
القصة القصيرة.. وتابوهات الدين والسياسة
أعلن الكاتب والصحفي يسري السيد بصراحة أنه يصطدم بقوي الجهل من خلال إشرافه علي القسم الأدبي بجريدة الجمهورية, وقسم هذا الجهل إلي نوعين: جهل عام يعاني منه معظم أفراد المجتمع, وجهل خاص عند بعض المسئولين يجعله في حالة صدام معهم عند نشر عمل إبداعي يتلامس مع تابوهات الدين أو السياسة, ويري أن القصة القصيرة أسعد حظا من الرواية في النشر علي صفحات الجرائد, وأن الصفحات المتخصصة في الجرائد والمجلات تعطي فرصة أكبر لوصول الأعمال الإبداعية للقراء أكثر من الجرائد والمجلات المتخصصة. مشيرا إلي أن بعض دور النشر للأسف تجعل الكاتب يدفع ثمن نشر إبداعه, وليس هذا فقط بل امتدت هذه الظاهرة لتشمل دور النشر الحكومية أيضا, ولعل هذا أحد الأسباب, في ظل غياب النقد, التي أدت إلي ظهور أعمال لا علاقة لها بالإبداع, أما الكاتب الصحفي مصطفي عبدالله فقدم توصيته بتشكيل جمعية صغيرة لخدمة الإبداع الحقيقي وتقديمه من خلال التعاون بين الصحافة ودور النشر.
وأضاف الناشر إبراهيم الحسيني أن القصة القصيرة تعد الفن الأكثر شعبية ولكنه وقع في أزمة منذ منصتف الثمانينيات وذلك بسبب منح الأديب نجيب محفوظ جائزة نوبل عن أعماله الروائية, وظهور كتاب للناقد الدكتور جابر عصفور زمن الرواية, حقا أن هذين الحدثين كادا أن يدمرا القصة القصيرة وذلك لتطلع جميع الكتاب إلي جائزة نوبل.
وأنهي الكاتب والناشر إلياس فركوح المائدة المستديرة قائلا: إن من الصعوبة أن تغامر دور النشر بتحمل نفقات طباعة كتب لكتاب مغمورين لأنها في هذه الحالة تتحمل مغامرة الكاتب في نشر كتابه, وهنا يجد الكاتب نفسه أمام اختيار إجباري وهو تمويل كتابه للخروج إلي النور, وللأسف بسبب انتشار أموال الخليج, بدأ ينحدر مستوي الأعمال التي يتم نشرها إلي الدرجة التي جعلت أحد هذه الأعمال الرديئة يرشح إلي الفوز بجائزة البوكر.