تقرير إخباري بثته قناة الـ بي.بي.سيالبريطانية الأسبوع الماضي بعنوانالقاهرة:أسوأ عواصم العالم في المرورنقل إلي العالم واقعنا المتردي المقلق بالنسبة للطرق والمرور وأخلاقيات القيادة وأمان المشاة,علاوة علي الواقع المؤسف لرجال المرور وكيفية أدائهم لمهمة رقابة الحركة علي الطرق وتفعيل القانون…هكذا خرجت شوارع القاهرة إلي العالمية,وما كان سابقا مقصورا علي شهادات بعض الأجانب ممن يعملون بمصر أو يزورونها أصبح الآن متاحا للكافة حول العالم,باعتبار ما لقناة الـ بي.بي.سيمن شهرة عالمية وما لها من رصيد ضخم من الجدية والحياد والمصداقية فيما تبثه.
التقرير الإخباري المصور يبدأ بتسجيل الزحام والفوضي المألوفين في شوارع القاهرة,ثم ينتقل إلي مشهد سيارة مرسيدس سوداء اللون تسير في عكس اتجاه المرور,متحدية جحافل السيارات في الطريق وغير مبالية برجل الشرطة المتواجد في الموقع!!….أتعرفون لماذا؟…لأن رجل الشرطة-ويا للخجل-صورته الكاميرا جالسا عليدكةخشبية علي الرصيف,عاقدا كلتا يديه خلف رأسه ويتثاءب!!!
تنتقل الكاميرا بعد ذلك لتسجل مشهدا كريها أتصور أنه سوف يصدم المشاهدين حول العالم,بينما لن يتحرك أمامه كثير من المصريين الذين تبلدت معايير إدراك المخاطر في داخلهم من فرط ما يفعلونه وما يتعرضون له علي طرقنا…إنه مشهد سيدة تقود سيارة وهي مجلسة طفلها علي ساقيها أمام عجلة القيادة!!والمخجل في المشهد أن الجميع من حولها غير عابئين بهذه القنبلة الموقوتة إن كانوا أصلا يعتبرونها قنبلة موقوتة!!
بعد ذلك يسجل التقرير واحدة من الظواهر المألوفة في شوارعنا والتي تعودنا أن نبتلعها كأمر عادي بينما سيصرخ المشاهدون حول العالم لدي رؤيتها أو قد يعتبرونها من الحركات البهلوانية الاستعراضية ويصفقون لها…إنها منظر دراجة بخارية-موتوسيكل-تسير حاملة ثلاثة ركاب بالغين,أحدهم امرأة تحتضن طفلا!! ويمضي التقرير ليسجل بسذاجة أن لا أحد من أولئك الركاب يرتدي الخوذة الواقية للرأس!!!
ينقلنا التقرير إلي الفقرة التالية والتي قام بأدائها معد التقرير بنفسه عندما أخذ يحاول عبور أحد الطرق من المكان المخصص لعبور المشاة,والسيارات المارة غير مكترثة به ولا تتوقف -أو حتي تتمهل-لتأمين عبوره بسلام…وكان تعليقه علي ذلك,أن عابر الطريق في شوارع القاهرة يجب عليه أن يفعل ذلك علي مسئوليته وأن يتحلي بالحنكة وخفة الحركة مع قدر من المخاطرة,لأن تلك أسلحته الوحيدة المتاحة لتأمين عبوره الطريق,ومن الحكمة ألا يرتكن إلي الإشارات الضوئية أو رجال المرور أو أخلاقيات السائقين في ذلك السبيل!!!
ثم يعرج التقرير إلي تصوير مشهد تكدس السيارات علي الطريق,بينما سيارة إسعاف تطلق سارينة لتستجدي إفساح الطريق لها دون جدوي,فباقي السيارات تتعامل مع الأمر بلا مبالاة وتبلد وبعضها يتفاعل بإيجابية بمحاولة التسابق مع سيارة الإسعاف للإفلات من الزحام قبلها!!…وطبعا من حق معد التقرير أن يتساءل في أسي عن عدد الحالات الحرجة التي تدفع حياتها ثمنا للوجود في سيارة إسعاف اتفق الجميع علي تعويقها!!
قبل أن ينتهي التقرير يذكر المعد أن هناك قانونا جديدا للمرور تم تشريعه وجار تطبيقه منذ نحو عام مضي,وأنه من أجل ذلك تم تزويد جهاز الشرطة بسيارات جديدة حديثة التجهيز لمراقبة الحركة وضبط المخالفين,وأن ضباط الشرطة ينظمون كمائن تعترض سيولة المرور علي الطرق لإيقاف قائدي السيارات الذين لا يستخدمون حزام الأمان أو الذين يتحدثون في المحمول,أو الذين يسيرون بسيارات لا تحمل لوحات معدنية!!…وهنا صورت الكاميرا مشهد سيارة بدون لوحات تم توقيفها وجار محاسبة قائدها الشاب علي تلك المخالفة التي أتصور أن صداها سيتردد حول العالم لينتزع آهات المشاهدين بينما كثير من المصريين سيقولون:وفيها إيه يعني….هيه الدنيا اتهدت؟!!
التقرير مخجل بجميع المقاييس لكنه يصور جزءا بسيطا من استمرار واقع الفوضي والانفلات الذي لايزال يحكم شوارع القاهرة ويخرج لسانه لقانون المرور الجديد كل لحظة…وأشكر الله أنه لم يمض ليصور شتي صور الكوارث المستشرية وإلا احتاج لحلقات متتابعة…والآن في مقدورنا أن نلجأ إلي السيناريو المعروف لننكر هذا الواقع ونبحث عن نظرية المؤامرة لنشجب التقرير ونتهم قناة الـ بي.بي.سيبالتآمر علي مصر لتشويه صورتها أمام العالم,ولعلنا نتمادي في ذلك بادعاء عمالة القناة للصهيونية العالمية ونتحرش بمراسلها لنعاقبه علي فعلته!!!…وفي مقدورنا علي الجانب الآخر أن نعترف بصدق التقرير وببشاعة واقع شوارع القاهرة -التي كانت سببا رئيسيا لصفر المونديال-ونقف لنفكر بجدية: ماذا نحن فاعلون من أجل خصخصة المرور وفصله عن جهاز الشرطة؟…لكن هذا حديث آخر يطول شرحه.