دق جرس التليفون وأتاني صوته منزعجا…إنه الدكتور بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان,اتصل مستنكرا ما نشرتهوطنيفي عددها الماضي بالصفحة الخامسة تحت عنوان:أحداث طائفية بقرية بمها بالعياط:مسلمو القرية يشعلون النيران في منازل الأقباط ويسطون علي محلاتهم,وقبل أن أوضح له الأمر بادرني بالقول:إن ما نشرتموه غير صادق,فقد اهتممنا بالأمر في المجلس فور مطالعتنا إياه وشكلنا لجنة ذهبت إلي القرية فلم تجد شيئا من ذلك!!!
ومنعني احترامي الشديد لمحدثي من أن أضحك من طرافة وغرابة الموقف,فالخبر الذي أشار إليه ليس كاذبا ولا مفتعلا,إنما هو يحتل مساحة جانبية متواضعة ضمن صفحتين متواجهتين كل منهما يتصدرها عنوانمشوار وطني في نصف قرنويتوسطهما براوز يقول:2005, 2006, 2007 في سطور…والحقيقة أن هاتين الصفحتين هما خاتمة هذه السلسلة التي بدأتهاوطنيفي مستهل هذا العام لعرض ما يتضمنه أرشيفها من موضوعات وأحداث منشورة في أعدادها علي امتداد نصف قرن منذ عام 1958 في إطار احتفال الجريدة بيوبيلها الذهبي.
حاولت أن ألتمس العذر لمحدثي ولمساعديه في المجلس القومي لحقوق الإنسان علي ذلك الالتباس الذي حدث,لكن منعتني من ذلك مراجعتي لمشتملات الصفحتين التي ما كان يجب أن تفوت عليهم,لأنها بدون استثناء تشير إلي أحداث ماضية لا يمكن أن تنتمي إلي أحداث الساعة ومثال علي ذلك الآتي:
*عنوان رئيسي أعلي الصفحة:مانشيت العام:نجحت تجربة الانتخابات الرئاسية التعددية رغم التجاوزات -مبارك رئيسا للجمهورية لفترة خامسة.
*عنوان رئيسي أعلي الصفحة:مانشيت العام:تعديل 34مادة في الدستور المصري.
*وداع مهيب لأم الرهبنة المصرية…تماف إيريني.
*ثلاث كنائس بالإسكندرية تتعرض لهجمات بالسلاح الأبيض-شباب الأقباط بالإسكندرية يتجمهرون احتجاجا علي العنف المتكرر ضد الأقباط.
*بيان من المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس بالإسكندرية بخصوص الأحداث المؤسفة التي حدثت يوم الجمعة2005/10/14 أمام كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس بمحرم بك.
*رحيل الأب متي المسكين.
*وداعا نجيب محفوظ.
*مجلس الشعب يرفض محاكمة فاروق حسني.
*تفجيرات دهب وسيناء تضرب السياحة في مقتل.
*بعد رحيل أحمد زكي:حليم…حلم لم يكتمل.
*كنيسة لشهداء الكشح في ذكراهم السادسة(أحداث الكشح كانت عام2000 فتكون ذكراهم السادسة عام2006).
*أقاويل حول مصرع أشرف مروان.
*تنظيم القاعدة يعلن مسئوليته عن اغتيال بوتو.
*الحكم بتجريد ماكس ميشيل من لقبه الديني.
*أزمة العطشانين تتفاقم في محافظات مصر.
هذا بخلاف مقال رئيس التحرير بعنوان:ختام حزين لملتقي واشنطن…عندما تغيب الحكمة وينتصر الغضبوالذي يحمل إشارة واضحة إلي الملتقي الذي عقد في واشنطن من 16إلي20نوفمبر2005!!.
حرصت علي تسجيل كامل محتويات الصفحتين لأترك للقارئ الحكم علي شبهة الالتباس التي أصابت المجلس القومي لحقوق الإنسان,هل هي مبررة من عدمه,وكيف يمكن لجهاز متخصص مدقق مثل المجلس أن يتجاوز تلك الباقة الواضحة من الأحداث الماضية ويلتقط أحدها متصورا أنه وليد الساعة,فيهرع بإرسال لجنة لتحقيقها علي الطبيعة؟!!…ومع تقديري لتلك الهمة من جانب المجلس-وهي للأسف همة ضلت الطريق-غمرتني أسئلة تبحث عن إجابات:
**تتصدر إحدي الصفحتين في مكان بارز المادة التي تتحدث عن الهجوم بالسلاح الأبيض علي ثلاث كنائس بالإسكندرية…لماذا لم يرسل المجلس القومي لحقوق الإنسان لجنة لتحقيق ذلك؟أم أن المجلس يتذكر في هذا السياق موضوع لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الشعب إبان هذه الأحداث وكلفها بتقديم تقرير في فترة لا تتجاوز ثلاثين يوما عن الأوضاع علي الطبيعة بالإسكندرية,تلك اللجنة التي لم تنتقل أبدا إلي الإسكندرية ولم تقدم أي تقرير إلي المجلس,وتم التعتيم علي الموضوع بالكامل بشكل مهين لكرامة مجلس الشعب نفسه,وتقاعس المجلس القومي لحقوق الإنسان عن متابعة الأمر في حينه!!
**إذا كان المجلس القومي لحقوق الإنسان يمتلك قدرة رد الفعل الفوري العظيمة تلك,لماذا لم نسمع عن إيفاده لجان لتقصي الحقائق في أحداث عين شمس وعزبة النخل الشهر الماضي,أو أحداث الأقصر الأسبوع الماضي؟!!
**إذا كان المجلس القومي لحقوق الإنسان علي هذه الدرجة الملفتة من متابعة ما ينشر في الإعلام والتحرك علي أثره,لماذا لم يتحرك المجلس علي أثر الحملة التي أطلقتهاوطنيفي يوليو الماضي ولاتزال تواصلها من أجل إصدار القانون المسكوت عنه,وهو القانون الموحد لبناء دور العبادة؟…ألا يدرك المجلس أن ذلك القانون ينتظر العرض علي مجلس الشعب لخامس انعقاد تشريعي علي التوالي,وأن تقاعس الحكومة عن طرحه ضمن أجندتها التشريعية هو المسئول عن تردي الأوضاع المحتقنة في كثير من المناطق في ربوع مصر,وعن انفجار ما يسمونهأحداثا طائفيةبين الحين والآخر ومنها أحداث قرية بمها بالعياط التي انتفض لها المجلس وظن أنها وليدة الساعة؟
**عوضا عن التربص بمادة قديمة منشورة من ذاكرةوطنيوالاندفاع لاتهام الجريدة بنشر ما يختلط علي الرأي العام…هل فات علي المجلس الموقر ما نشر في ذات العدد في المقال الافتتاحي لرئيس التحرير في الصفحة الأولي,عن الكارثة التي أصابت فتاة في عمر الزهور بفقد إحدي عينيها,نتيجة الإهمال والتقصير البشع في أحد معامل كلية العلوم بجامعة أسيوط؟…وهل تلك الكارثة لا تندرج تحت عنوانحقوق الإنسان وتستدعي همة المجلس للتدخل لطلب التحقيق وعقاب المسئولين وتعويض الضحية؟…إذا تم ذلك أؤكد لكم أن الإنسان المصري سوف يبدأ في النظر باحترام وتقدير إلي المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري!!!
**إذا كان المجلس القومي لحقوق الإنسان علي هذه الدرجة من اليقظة والسهر علي حقوق الإنسان المصري,هل نسي أنه في نوفمبر من العام الماضي2007 تولي تنظيممؤتمر المواطنةالذي كان خطوة شجاعة أفرزت وثيقة عظيمة هي وثيقةإعلان حقوق المواطنة التي تناولت سبل علاج أوجه الخلل التي تعتري حقوق المواطنة بين المصريين,والتي نصت علي اعتبار عام2008,عام المواطنة علاوة علي عقد مؤتمر مماثل بعد عام من المؤتمر الأول-أي في نوفمبر الماضي2008-لتقييم ما تحقيق من الوثيقة؟…الواضح أن المجلس لا يذكر ذلك كله,بدليل أنه لم ينظم مؤتمر المتابعة والتقييم المنتظر في نوفمبر الماضي, وبدلا منه قام بتنظيم مؤتمر دولي للإشادة بتقدم معايير احترام حقوق الإنسان في مصر والموقع المتقدم الذي تشغله مصر في هذا الإطار بين دول العالم!!!…ألم أقل لكم إنهاهمة ضلت الطريق!!