مفارقة مؤسفة حدثت في لجنة المقترحات والشكاوي بمجلس الشعب منذ نحو أسبوعين,عندما بادرت النائبة الدكتورة ابتسام حبيب بالتقدم باقتراح مشروع قانون لتوثيق عقود الزواج العرفي حماية لبناتنا من التغرير بهن,فانبري النائب عبد الرحيم الغول معترضا علي مبادرتها…لم يكن الاعتراض منصبا علي الموضوع بل فوجئ الحاضرون به يقول إن مثل ذلك الاقتراح غير مقبول من الدكتورة ابتسام حبيب,لأنها نائبة مسيحية والأولي أن يتقدم به نائب مسلم!!!
ولم يكتف عبد الرحيم الغول بهذا التجاوز المخل الذي يتعارض مع الأعراف البرلمانية,بل اندفع أيضا يقول إن ما وراء اقتراح النائبة ليس سوي رغبتها في الشهرة وسعيها لزيادة موارد مصلحة الشهر العقاري التي جلست علي رئاستها!!!
أسفت مرتين عندما علمت بتفاصيل تلك الواقعة:المرة الأولي لأنها لم تحدث تحت قبة المجلس داخل القاعة الرئيسية,لأني متأكد أن الدكتور فتحي سرور لم يكن ليدع ما قاله عبد الرحيم الغول يمر مرور الكرام,ولكان تدخل فورا لوضع الأمور في نصابها الصحيح,بالتأكيد علي أن نواب الشعب لهم كل الحق في تمثيل كل الشعب بعيدا عن أي تقسيم فئوي أو طائفي أو ديني,وأسفت للمرة الثانية لأني لمست في اندفاع عبد الرحيم الغول غيابا كاملا للحرص علي صالح الشعب الذي يمثله واستنفارا وتربصا بأية محاولة ينشأ إزاءها شك في أنها تناهض ما شرعه الدين الإسلامي حتي وإن كان الشك في غير محله,الأمر الذي يدل علي أن حالة الاحتقان الديني ليست مقصورة علي البسطاء وغير المتعلمين,إنما زحفت لتطول المتعلمين أيضا!!
قبل الخوض في تفاصيل الموضوع والهدف الذي من أجله تقدمت الدكتورة ابتسام حبيب باقتراحها,يجب التأكيد علي أن نواب الشعب في سائر المجالس المنتخبة-محلية أو فئوية أو مهنية أو قومية-يمثلون كل الشعب دون أدني حساسيات ودون معايير للفرز,فلا عيب في انشغال نائب رجل بقضايا المرأة,والعكس صحيح,ولا غضاضة في تصدي نائب من رجال الأعمال لمشاكل الفقراء والمطحونين والكادحين,ولا غرابة إطلاقا في مبادرة نائب مسلم لعلاج هموم الأقباط-ألم يفعلها المستشار محمد جويلي عندما كان أول من تقدم باقتراح مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة لعلاج الخلل في تشريعات بناء وترميم الكنائس؟,إذن لا غرابة ولا حظر ولا حجر علي نائب مسيحي في أن يقترح علاجا لمشكلة مستفحلة تحوم حولها شبهة ارتباطها بالمسلمين,بينما هي في حقيقتها تطول الجميع,وحتي إن لم تكن تطول الجميع يظل حق النائب المسيحي أصيلا في التفاعل مع أية مشكلة يعاني منها المسلمون دون أن يتعرض لمهانة منعه من ذلك بمقولة إن تفاعله صادر عنغير ذي صفة!!
إننا في سعينا الدائم لنشر المفاهيم الصحيحة للمواطنة نتحدث دوما عن واجبات المواطنة الواجب أن يؤديها أي مواطن لاستحقاقه حقوق المواطنة,وعندما نتحدث عن المشاركة في العمل العام والعمل السياسي دائما ما نؤكد علي حتمية تراجع الهوية الدينية أمام الهوية المصرية,وفي هذا السياق نشجب باستمرار سعي مرشح قبطي لكسب أصوات الأقباط وحدهم,أو ترويج مرشح مسلم لشعارات دينية إسلامية لكسب أصوات المسلمين…إذن لا جدال في أن نائب الشعب-منتخبا أو معينا-هو ممثل للشعب كله له أن ينشغل بأية قضية تمس أية شريحة من هذا الشعب وحقه-بل وواجبه-أصيل في اقتراح ما يراه من أفكار أو رؤي أو سبل علاج أو مشروعات قوانين لتحسين وتغيير واقع هذه الشريحة.
هذا بعينه ما دعا الدكتورة ابتسام حبيب-النائبة المعينة في مجلس الشعب-لأن تتقدم باقتراحها للجنة المقترحات والشكاوي مطالبة بإصدار تشريع يلزم أطراف عقود الزواج العرفي بتوثيق تلك العقود في الشهر العقاري…لم يدر بخلد النائبة وهي تتقدم باقتراحها مقدار الإيرادات التي ستحققها مكاتب توثيق الشهر العقاري من رسوم التوثيق التي ستطبق علي هذه العقود-فهذا تبسيط وتسطيح مخل للاقتراح-كما لم يدر بخلدها أنها باقتراحها هذا تقتحم منطقة تخص المسلمين محرم عليها دخولها,فهي لم تتعرض من قريب أو بعيد للأركان الشرعية للزواج العرفي الواجب إتمامها,إنما إدراكا منها للخطورة المتزايدة اجتماعيا نتيجة استفحال ظاهرة الزواج العرفي,خاصة في أوساط الطلبة والشباب,والتي لا تخلو من اللجوء إلي الزواج العرفي لإضفاء شرعية علي علاقات غير شرعية أو لإشباع نزوات وقتية غير ناضخة,وما ينتج عنه من تغرير وخداع من الشباب للفتيات,ثم تنكر وهروب أولئك الشباب من مواجهة مسئوليات ذلك الزواج وتبعاته لمجرد إدراكهم أن سرية الزواج العرفي تتيح لهم ذلك,يخلق واقعا فاسدا ويخلف ضحايا يتوجب حمايتهن والحيلولة دون الإيقاع بهن…والوسيلة التي اقترحتها النائبة لتحقيق ذلك كانت الخروج بعقود الزواج العرفي من ظلام السرية إلي النور عن طريق توثيقها,وذلك من شأنه تحذير وردع المتلاعبين بها من الشباب وحفظ حق ضحاياها من الفتيات…أليس ذلك هدفا نبيلا يحقق الاستقرار الاجتماعي ويحافظ علي الأسرة السليمة؟…أم من الأفضل أن تترك الزواج العرفي ستارا لسلوكيات مشبوهة تنهش في جسد هذا المجتمع؟…الدكتورة ابتسام حبيب.لها كل الحق في الاجتهاد,وعبد الرحيم الغول له كل الحق في الاعتراض إذا كان له اعتراض علي الموضوع,لكن يؤسفني أن التاريخ البرلماني قد سجل عليه وسيذكر له مصادرته علي حق نائبة زميلة له في المجلس لأنهامسيحية!!