تعرضت مسودة القانون الموحد لبناء دور العبادة التي اعتمدتها الحكومة لانتقادات شديدة وطالبت بإجراء تعديلات لتصبح أكثر عدالة وتعبيرا عن احتياجات المواطنين.. فصدوره خطوة مهمة لإنهاء فترة طويلة من حرمان الأقباط من وجود قانون يتضمن إجراءات محددة يجب اتباعها عند تقديم طلب الحصول علي تصريح, ولا تخضع لأهواء المسئولين وميولهم لكن مسودة القانون لم تسلم من انتقادات شديدة ووصفها البعض أن شروطها مجحفة ستمنع بناء الكنائس.
كان المستشار محمد جويلي نائب شبرا بمجلس الشعب ورئيس لجنة الشكاوي أول من نادي بإصدار قانون موحد لبناء دور العبادة في نهاية الدورة البرلمانية لعام 2005, واقترح أن تعامل دار العبادة مثل أي مبني عادي, ولم يناقش القانون رغم أنه أعاد تقديمه أكثر من مرة في دورات برلمانية لاحقة, وخلال دور الانعقاد البرلماني ذاته حشدت النائبة ابتسام حبيب تأييد ثلاثة نواب آخرين وتقدموا بقانون مماثل لقانون المستشار جويلي, ولم يحظي المناقشة المطلوبة, وفي نفس الفترة أعد المجلس القومي لحقوق الإنسان مسودة قانون تفصيلية, وتبرعت عضوة المجلس الدكتورة جوريت قلييني باقتراحه في مجلس الشعب, لكنه تم سحبه بعد إحالته للجنة الإسكان.
أعلن الأنبا موسي أسقف الشباب عن وجود بعض الملاحظات حول البنود المدرجة بالقانون, موضحا أن الكنيسة تقترح بوجود تفويض للوحدة المحلية المختصة في مباشرة الاختصاص بالترخيص وفي حالة الرفض يختص المحافظ بالفصل في الطلب علي أن تكون الاشتراطات البنائية ثابتة ومتفقا عليها ولا تتغير بحسب وقت الترخيص وأن تكون مرفقة كلائحة تنفيذه للقانون الصادر, واقترح الأنبا موسي أن تكون المدة المحددة للرد علي طلب الترخيص شهرين بدلا من ثلاثة أشهر علي أن يصدر قرار البناء أو التعديل من الوحدة المحلية المختصة.
وانتقد الأنبا موسي المادة الثانية التي تتضمن الاشتراطات اللازمة لتقديم الطلب موضحا أن البند الخاص بتناسب عدد دور العبادة مع عدد أصحاب الديانة بالمنطقة لم يحدد العدد الذي من خلاله سيصدر الترخيص وأسلوب إثباته وهو يخالف نص الإعلان الدستوري بشأن حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية, أما بشأن البند الثالث من المادة الثانية الذي ينص بألا تقل مسافة أقرب دور عبادة عن دار عبادة أخري للديانة الواحدة عن ألف متر قال الأنبا موسي, إنه يقترح إضافة ألا تقل المسافة بين المكان المطلوب وبين أقرب دور عبادة مماثلة من ذات الديانة وذات الطائفة عن ألف متر بينهما, فلا يجوز النظر للكنائس في المنطقة الواحدة بأنها مماثلة لأن هناك كنائس أرثوذكيسة وأخري كاثوليكية أو إنجيلية.
وأضاف الأنبا موسي أن وجود شرط بألا تقل مساحة الأرض عن ألف متر مربع مجحف وطالب بأن تكون المساحة أكبر من 200 متر مربع وذلك لصعوبة الحصول علي هذه المساحة لاسيما في القري والنجوع, واقترح أيضا عدم الاشتراط في هذا البند علي أن تكون المزاولة للدور الخدمي أو بتحديد وصف إمكان مزاولة الأنشطة الخدمية الملحقة بدور العبادة, وذلك بهدف التوسع في أداء الدور الخدمي والاجتماعي والثقافي بالمجتمع المدني.
أما بشأن المادة الخامسة الخاصة بعقوبات من يخالف القانون في إقامة أو هدم أو تعديل لدور العبادة فطالب الأنبا موسي بأن يتم إلغاء عقوبة الحبس التي نص عليها القانون في هذه المادة, فيما يتعلق بالبناء, التي حددها من سنتين إلي خمس سنوات والاكتفاء بالغرامة علي ألا تزيد علي خمسين ألف جنيه بدل من ثلاثمائة ألف جنيه وحد أدني خمسة آلاف جنيه بدلا من مائة ألف جنيه خاصة أن المتقدمين للترخيص من راغبي صنع الخير والأغلب منهم رجال دين وهذا سيزيد من حدة التوتر الديني إذا ما قام أحد بمحاولة خلق أسباب منطقية بهدف زيادة التوتر الديني وأنه لا يجوز حبس رجل الدين في مثل أمور خدمية يقوم بها, وفي النهاية يقترح الأنبا موسي إضافة بعض الاقتراحات علي القانون ومنها بأنه يجوز إلحاق دار مناسبات أو وحدات علاجية وخدمية بدور العبادة المرخصة التي تبينها اللائحة التنفيذية المرفقة بالقانون.
ورفض القمص صليب متي ساويرس كاهن كنيسة مارجرجس الجيوشي وعضو المجلس الملي العام بعض نصوص مشروع القانون الموحد لدور العبادة الذي أعده المجلس الأعلي للقوات المسلحة, ومنها اشتراط ألا تقل المساحة عن ألف متر, واقترح ساويرس تشكيل لجنة من مشيخة الأزهر والطوائف المسيحية المختلفة لإبداء الرأي في المشروع قبل إصداره لتفادي أي سلبيات يمكن أن تؤدي لاحتقانات طائفية, وتساءل: لماذا لم يتضمن القانون بندا خاصا بالمدن الجديدة التي يتم رسمها وتقسيمها وتنظيمها قبل البناء, بحيث يشترط تحديد مواقع لإقامة دار للعبادة لكل طائفة دينية, منتقدا ربط عدد السكان بإقامة دار العبادة, مشيرا إلي أن هناك طوائف مسيحية أتباعها لا يشكلون نسبة كبيرة, مثل الكنيسة المعمدانية, وبعض الطوائف الإنجيلية, فهل يعني ذلك أنه لا يكون لهم كنيسة للصلاة؟ وقال القمص متي إن ربط الخدمة بالكنيسة يمثل إعاقة لحرية ممارسة الشعائر الدينية, لأن هناك جمعيات تقدم خدمة دينية للنزلاء ودورها جزء من التعليم للعقيدة فماذا سيكون وضعها؟ وانتقد وجود عقود الحبس لمن يخالف في بناء دور العبادة, مشيرا إلي أنه سيمثل سيف فوق رقبة رجالا لدين فيجب استبدال عقوبة الغرامة بالحبس.
أكد المستشار أمير رمزي عضو لجنة العدالة الوطنية بمجلس الوزراء علي أن قانون دور العبادة الموحد به العديد من السلبيات والاقتراحات التي قدمت من الكنيسة الأرثوذكسية يجب وضعها في الاعتبار لأنها تلمس جذور المشكلة الحقيقية لأزمة دور العبادة, مشيرا إلي أن مناقشة القانون في حد ذاته نقطة إيجابية بعد تجاهل دام سنوات طويلة وصدوره سوف يقلل حدة العنف الطائفي, وأوضح رمزي أن القانون يشوبه القصور في بعض نصوصه, ومنها أنه أعطي سلطة الترخيص والهدم والبناء للمحافظ, وهذا ليس بجديد لأنه سبق أن أعطي رئيس الجمهورية نفس السلطات للمحافظ في القرار رقم 392 لسنة 2005, ولم تكن هناك نتائج إيجابية ملحوظة للمحافظين, وكان من الأفضل وضع هذه الاختصاصات في يد الوحدة المحلية طبقا لاشتراطات وقواعد مشروعة, لا تتغير من وقت لآخر, كذلك شرط المساحة بألف متر مربع غير منطقي, أما بشأن البند بحظر إقامة دور للعبادة في العمارات السكنية فنوه المستشار أمير رمزي لخطورة هذا البند في استغلاله لقمع مواطنين لاسيما أن بعض الأقباط يقيمون صلواتهم داخل مساكنهم أو تعليم أبنائهم أو إقامة صلوات المرضي أو الأسبوع أو مباركة للمكان أو خدمة مدارس الأحد بالقري أو خدمة الفقراء غير القادرين الذهاب لدور العبادة ويخشي أن يستغل البعض هذا البند إثارة الفتنة أو ترويع المواطنين.
وقال القس رفعت فكري, راعي الكنيسة الإنجيلية بشبرا, إن القانون الموحد لدور العبادة لا يلبي رغبة الأقباط لأنه يتضمن شروطا صعبة وقد تكون مستحيلة لبعض الطوائف الدينية في تنفيذها, وهذه الأخطاء بمشروع القانون تعودإلي عدم الاستماع والاستعانة بآراء الطوائف الدينية التي تعاني المشكلة مثل شرط المسافة بين كنيسة وأخري هل يعني مسافة ألف متر بين كنيسة وأخري لنفس الديانة أم نفس الطائفة, وأيضا ما هو معيار العدد السكاني لإقامة دار العبادة.
ورفض د. نجيب جبرائيل, رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان هذا القانون, لأنه لم يطرح للمناقشة والحوار علي من يهمهم الأمر وأعطي سلطة إصدار القرار ببناء دور العبادة في حالة رفض وزير التنمية المحلية لرئيس الجمهورية المادة 6 من المشروع, وأشار إلي أنه من الصعوبة الحصول علي مسافة ألف متر لإقامة دار للعبادة لاسيما في القري والنجوع الصغيرة, وأشار إلي أن القانون خلا من الإجراءات التي يتعين اتباعها في حالة رفض الجهات الإدارية إصدار الترخيص ببناء كنيسة, فهل يمكن اللجوء إلي القضاء, وما المحكمة المختصة بذلك؟ وهل سوف ينظر الأمر بصفة عاجلة أم عادية؟ وما المدة الزمنية التي يتعين الفصل فيها؟ وأضاف جبرائيل أن القانون فرق بين الحصول علي ترخيص لبناء كنيسة والحصول علي ترخيص لإقامة الشعائر الدينية وفرق بين الحالتين, ورتب عقوبة تصل إلي ثلاث سنوات في حالة عدم الحصول علي ترخيص بالشعائر الدينية, فمعني ذلك أن يظل البناء مغلقا لسنوات دون الحصول علي ترخيص بإقامة الشعائر, ثم ما الجهة المختصة بإعطاء ترخيص بإقامة الشعائر؟
أشار المستشار نبيل ميرهم رئيس مجلس الدولة الأسبق إلي أهمية القانون للقضاء علي الفتن الطائفية وطالب بعرضه علي المؤسسات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني للنقاش وإبداء الرأي فيه.
أعلن شادي طلعت رئيس منظمة اتحاد المحامين للدراسات القانونية والديموقراطية رفضه لإصدار قانون دور العبادة الموحد بشروطه المجحفة, إذ أن مشروع هذا القانون لا يعترف إلا بالمسلمين السنة والمسيحيين فقط, مسقطا من حساباته أي معتقدات أخري, فمصر لكل المصريين مسلمين أو مسيحيين أو شيعة أو بهائيين أو أي معتقدات أخري, وهو ما يتنافي مع كافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والموقعة عليها مصر!
لن يضار أحد
أكد الدكتور جمال قرني النائب السابق وأحد كوادر جماعة الإخوان المسلمين تأييده للقانون فمن حق كل مواطن أن يختار ديانته ويمارس شعائره الدينية بحرية, والجميع متساوون في الحقوق والواجبات, موضحا أن حرية العقيدة مكفولة للجميع وهي تتفق مع المبدأ الشرعي لهم ما لنا وعليهم ما علينا, وأكد أنه لن يضار مسلم لو تم بناء كنيسة بجوار منزله مشيرا إلي أن الالتزام بالدين يحمي من التعصب, ولا يوجد نص قرآني يمنع بناء الكنائس أو المعابد.
الأهواء الشخصية
وأبدي القس إكرام لمعي رئيس لجنة الإعلام بالكنيسة الإنجيلية تخوفه من مسألة تفويض رئيس المجلس المحلي أو المحافظ مباشرة الاختصاص بالترخيص سواء بالبناء أو بالهدم أو بالإحلال أو التجديد أو الترميم, وطالب بوضع شروط محددة لتراخيص أي مبني برصف النظر عن هوية هذا المبني واستخدامه فيما بعد من حيث المساحة وعدد الطوابق وغيرها علي أن يمنح التراخيص بعد استيفاء الشروط لكن الوضع الحالي يجعل القانون يخضع للأهواء الشخصية وقد يتكرر ذات السيناريو المتعنت إذا ما وقع طلب الترخيص في أيدي شخص متعصب أيا كانت سلطته محافظا كان أو واحدا من أفراد أمن الدولة, وعن مسألة إعطاء الموافقات والتصاريح باشتراطات هندسية وبيئية خاصة أشار القس لمعي إلي أن وضع الكنائس له طابع خاص في التصميمات والصلاة ولذلك ينبغي الأخذ في الاعتبار وجود مواصفات مسبقة تحدد أولا أولا هوية دور العبادة لاسيما الكنائس منها لتطبق بعد ذلك اشتراطات موحدة علي كافة دور العبادة من مساحات ومباني الخدمات الملحقة بها.
انتقد د. عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الطريقة التي خرجت بها مسودة القانون دون النظر لآراءا لمختصين مما يأجج من المشكلة, فنحن أمام مسودة لمرسوم قانون لاقي من الانتقادات الكثير وهي بحاجة للتوافق عليها سواء من حيث المسافة والمساحة وملائمة عدد دور العبادة مع العدد الفعلي للسكان ومسألة إعطاء الصلاحيات فمثلا وضع المادة الخامسة بالمرسوم التي تنص علي أنه في حالة رفض المحافظ الطلب المقدم يتم عرض الأوراق علي رئيس الجمهورية وهو أمر غير مقبول لكونه سيعيد مسألة بناء دور العبادة لمؤسسة الرئاسة مرة أخري, كذلك إخضاع إعطاء الصلاحية بتقدير ذاتي وكان الأجدي وضع معايير موحدة علي كافة الأطياف اتباعها ليصبح السماح بالبناء من عدمه خاضع لاستيفاء هذه المعايير من عدمها.
وأضاف د. جاد أن هناك علامات استفهام تدور حول مسألة ألا يتم بناء دور العبادة علي الأرض الزراعية إلا في حالة الضرورة القصوي, فمن الذي سيحدد ذلك؟ وهل تتساوي الأمور أم سيصبح هناك تفرقة في التعامل؟