أثارت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس مبارك إلي الخرطوم,ومنها إلي مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان,وهي المرة الأولي التي يزور فيها رئيس مصري جنوب السودان منذ عام 1962-العديد من اجتهادات المراقبين والسياسيين,فمعظم الخبراء رأوا أن هذه الزيارة التي تأخرت كثيرا خطوة صحيحة,وتتسق مع رؤية مصر للسودان وقضاياه,ودورها في حل مشكلاته الكثيرة والمعقدة.
ومن المعروف أن الموقف المصري لم يكن معاديا,ولا رافضا لتوجهات الساسة الجنوبيين, خاصة في عهد زعيم الجنوب جون قرنق.وظلت القاهرة فاتحة أبوابها لأهل الجنوب وأهل الشمال علي السواء,كما تستضيف مصر آلاف الجنوبيين علي أراضيها,كما قامت بإنشاء العديد من المدارس والمستشفيات.
هذا الموقف المصري جعل الطرفين, الشمالي والجنوبي,يثقان في مصر,وفي حيادها وفي توجهها لدعم وحدة واستقرار السودان, وجعل الساسة السودانيون مقتنعين بصدق النوايا المصرية تجاه السودان,استنادا إلي المواقف التاريخية التي سارت كلها في هذا الاتجاه,وإدراكا منهم أن مصر هي المتضرر الأول من أية أزمات في السودان.
عقبات في الطريق
ولهذا ,فلم يكن غريبا أن يناقش الرئيس مبارك مع الساسة السودانيين أهم القضايا السودانية,فاستعرض بالتفصيل مع الزعيم الجنوبيسيلفا كيرسير اتفاقية نيفاشا التي حققت السلام في الجنوب,والتي وقعت عام 2005,وأنهت حربا أهلية دامت 21 عاما بين الشماليين والجنوبيين.
الرئيس مبارك رأي أن علي حكومة السودان أن تدعم حكومة الجنوب,من أجل منع انفصاله ومن أجل دفع الجنوبيين إلي الوحدة خلال الاستفتاء المقرر عام 2011 حول حق تقرير المصير, مع تأكيده أن الانفصال لا يأتي إذا اهتم كل السودان بتنمية الجنوب.كما ركز مبارك علي ضرورة الحفاظ علي الوحدة بين شمال السودان وجنوبه,وتحدث عن كيفية قيام مشروعات تنموية وربط الشمال بالجنوب لجعل خيار الوحدة جاذبا لأبناء الجنوب,عندما يحين وقت الاستفتاء علي تقرير المصير.
جاءت الزيارة في وقت ترددت فيه في الآونة الأخيرة مقولة إن المصريين أصبحوا مقتنعين بانفصال الجنوب,وأنهم يمهدون لترتيب علاقاتهم مع قادة الكيان الوليد,فأراد الرئيس مبارك أن يرد علي ذلك عمليا,ويؤكد دعمه لوحدة السودان.
مبارك وعد بالتدخل ,وركز من جانبه علي دور مصر في دعم وحدة السودان,ووعد بإنشاء فرع لجامعة الإسكندرية في جنوب السودان,وتنفيذ مشروعات خدمية وتنموية لتعزيز وحدة وادي النيل,وشدد علي ضرورة استمرار وحدة السودان أرضا وشعبا.
زيارة الرئيس مبارك استهدفت أيضا إحياء الدور المصري في السودان حيث كشفت عن جهود مصرية لإقناع زعيم حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم بضرورة الانضمام إلي طاولة المفاوضات في الدوحة ,حيث إن ملف دارفور استلمته قطر.
في إطار هذا الدور المصري المتصاعد ناقش مبارك مع قادة السودان بعض القضايا المثارة بين السودان وجيرانه,خاصة مع ليبيا,في ضوء الأحداث التي شهدتها مدينة الكفرة الليبية, حيث تسعي القاهرة إلي دعم ليبيا ضد أية محاولات خارجية, وأيضا إلي دعم السودان والحفاظ علي وحدة أراضيه ,والحد من التدخلات الإقليمية فيه.
وتطرقت المباحث كذلك للانتخابات المقبلة في السودان, وترسيم حدود منطقةأبييالنفطية المتنارع عليها بين الشمال والجنوب,كما استهدفت زيارة الرئيس مبارك أيضا تأكيدا دعم القاهرة لمبادرة أهل السودان,التي من المتوقع أن ترفع اللجان المختصة بها توصياتها بشأن سبل وضع نهاية للنزاع في دارفور.
مياه النيل…حاضرة
تباحث مبارك أيضا مع البشير حول مياه النيل,بعد اتهامات كينيا لمصر والسودان بالاستحواذ علي موارد المياه الخاصة بدول حوض النيل,ودعوتها مجددا إلي إعادة النظر في اتفاقية المياه المبرمة بين دول الحوض عام .1959
يأتي ذلك في وقت ترفض فيه كينيا وأوغندة وإثيوبيا مطالب مصر والسودان بشأن عدم إعادة توزيع حصص مياه النيل الواردة في اتفاقية دول حوض النيل عام 1959,والتي يجري التفاوض بشأن بعض بنودها حاليا ,حيث ترفض مصر والسودان تعديلها باعتبار أنها حق مكتسب ,وتطالب بإعادة توزيع ما يستجد من موارد النيل من مصادر إضافية ,وهو ما ترفضه بقية دول الحوض.
لم تكن زيارة الرئيس مبارك لشمال السودان وجنوبه من أجل حماية السودان,والحفاظ علي وحدته فقط من منطلق أنه دولة عربية,ولكن لاعتبارات أخري.لعل أهمها أنه يملك أرضا زراعية خصبة,يمكن أن تكون طوق نجاة لمصر من الوقوع في أزمة طاحنة, ولذلك استغل مبارك علاقاته العربية من أجل جلب استثمارات للسودان في مجال الزراعة.
وتزامنت زيارة مبارك للخرطوم وجوبا,مع الرسالة التي وجهها لقادة الإمارات من خلال المهندس رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة,لجلب استثمارات لتوشكي والمنطقة الحدودية مع السودان.
وترغب مصر أيضا في زراعة بعض الأراضي بالسودان,لإنتاج المحاصيل الحقلية والزيتية والحبوب,فأراضي السودان أمل لمصر العرب في النجاة من أزمة الغذاء العالمية.