يحتفل العالم باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة, وأقول يحتفل مجازا لأن العنف ضد المرأة مازال أحد أبشع إفرازات التجربة البشرية منذ أن فقدت المرأة دورها الاجتماعي في فجر التأريخ لتسلمه لرب العائلة المقدس الذي رسم وفصل المدنية البشرية والمعتقدات والأفكار علي مقاسه الصغير.
يحتفل العالم وقد قطع شوطا طويلا في مناهضة العنف ككل, ضد المرأة والرجل والطفل علي حد سواء, ونحتفل معه علي استحياء, ذلك لأننا نعيش في مجتمعات تقتل المرأة باسم الشرف الرفيع وتبرأ القاتل الذي يخرج بطلا لأنه غسل العار, وفي قري تدير المرأة فيه رأسها إلي الجدار وتنتظر مرور الذكر السيد إذا ما تواجها صدفة في طريق, و في عوالم يتم فيها تفخيخ المرأة وتفجيرها باسم الجهاد والنضال والبطيخ, ويتم ضربها بالعصي أو حرق وجهها بحامض الكبريتيك إذا تطايرت خصلات من شعرها وخدشت حياء الذكر الفاضل, بل وتخرج النساء عندنا للتظاهر ضد حقوق المرأة كما حدث في عراق الألفية الثالثة. المرأة عندنا نصف فحسب, ديتها نصف وشهادتها نصف وعقلها نصف وميراثها نصف. هي دنس وعار يتوجب إخفاؤه حتي يتم بيعه في سوق الرقيق, بل ويسمح بضربه كما نضرب الحمير بالعصي لئلا تحيد عن طريق الصواب الذي يرسمه الذكر, هن ولائم علي السرير ومكائن للإنجاب فحسب.. فبم نحتفل؟
في الكونجو تتعرض النساء للاغتصاب الجماعي من قبل شتي أنواع الذكور, فهن مشاع وغنائم, وعندنا نقنن اغتصاب النساء فنبيعهن لذكور آخرين مقابل ثمن يزيد كلما كانت البضاعة أصغر عمرا وأكثر ##طهارة##. في أوطاننا هنالك من يزوج البنات في الثامنة والتاسعة, للحفاظ علي طهارتهن وخوفا من انحرافهن, فهن مشروع انحراف دائم وعورات تسير علي الأرض تثير شبق الذكر الطاهر الذي يملك المنزل والشارع بل والسماء.
تلك هي ثقافتنا التي ترتسم علي وجه الأب منا عندما يخبرونه بأن المولود أنثي, أو الأب و الأخ الذي تفرض التقاليد عدم حضوره زواج أخته لأنها ##ستفتض ## في ذلك اليوم غير المبارك عندما تسيل دماء الشرف الرفيع وتصبح ##ملكا## لرجل آخر, وعندما يختار رب العمل الموظفة وفق مواصفات تبتعد تماما عن الكفاءة, وعندما يجتمع ذكور العائلة لبيع البنت إلي ##المشتري## الذي يقدم العرض الأفضل. فالعنف ليس بالضرورة جسديا ضربا وقتلا وختانا واغتصابا _ وهو حاضر وبقوة- ولكنه أيضا الحرمان من جميع الحقوق البشرية ابتداء من حق الحياة والعمل وحرية الاختيار وليس انتهاء بالقائمة الطويلة من الحقوق التي يتعامل معها الرجل غالبا بأنها حكر عليه وحده.أما الحديث عن تنمية المجتمعات ورقيها فقد بات مكررا علينا إعادته كل عام وبكل مناسبة بل وبلا مناسبة, فلا يمكن للتنمية أن تتحقق إلا باستخدام جميع موارد المجتمع البشرية والمرأة نصفها أو أكثر, ولا طفولة صحية بدون أمومة صحية, ولا أجيال متعلمة حرة بدون تربية اجتماعية حرة, فالمرأة, سواء أشاء الذكر المقدس أم أبي حلقة أساسية في جميع مراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي, ليست كونها دونا أم رديفا للرجل, بل بكونها إنسان مكافئ تماما.
تتذرع هذه الثقافة المفعمة بالجنس والمحظورات بالفروق البيولوجية, التي تري في وجود هذا العضو أو ذاك تفوقا طبيعيا, ويتحدث مروجوها دائما عن ##نقص## بدني يتبعه بالضرورة نقص عقلي, ويتهمون دعاة الحقوق ولمساواة بمحاولة تحويل النساء رجالا والرجال نساء, ولم يخطر لهم الاختلاف بين التشابه والمساواة, فالتشابه ليس حاصلا وليس ضرورة للمساواة, كما يتذرعون بأن الطبيعة قد فرضت عدم المساواة ذلك, ويستشهدون بالمملكة الحيوانية حيث تسيطر الذكور, وهو ليس صحيحا دائما بالمناسبة, ويتجاهلون بالتالي الفرق بين الحيوان والإنسان الذي يملك العقل والضمير, كونه إنسانا أولا قبل أن يكون رجلا أو أنثي.
أخال أولئك القيمين علي الثقافة الاجتماعية المتعفنة اليوم وهم يتساءلون عن معني اليوم العالمي لمناهضة العنف؟ وعن هذا الغرب التافه الذي يروج لهذا الغزو الفكري علي مجتمعاتنا الورعة التقية, وأري لسان حالهم يتسائل فيما كانوا يريدون من نسائنا فعلا التجول في الأسواق والجلوس خلف المكاتب وقيادة السيارات, بل وربما يريدون لهن حقوق الانتخاب والترشيح إلي المجالس والحكومات, ولعلهم يريدون لهن كشف شعورهن وأصابعهن فتسقط الأخلاق ويقع ذكورنا المجاهدون في الفتنة و يمر اليهود إلي أوطاننا؟ ثم ماذا هذا ##الجندر## الذي ينادون به, إنه زواج النساء بالنساء والرجال بالرجال كما قال شيخنا فلان.. نعم, هذا ما يريدونه لنا باسم الحداثة. أولم تتظاهر نساؤنا المتشحات بالسواد احتجاجا علي حظر الحجاب في فرنسا؟ أو ليس لدينا اتحادات وجمعيات للنساء تعلمهن الخياطة والتطريز كمهارات حياتية لينتزعن دورهن اللائق في المجتمع, فما يريدون أكثر من ذلك؟ بل وأخالهم يعلنون باسم ذكور الشرق, بمناسبة هذا اليوم العالمي, احتفالنا باستمرار العنف ضد المرأة, وبسعادتنا واكتفائنا بالحياة في ماضي المجتمع الرعوي التليد, وسن المزيد من القوانين لنذل نساءنا ونكرس عبوديتهن في ظل ثقافتنا المتفوقة التي لا تنفك في جهد مثير للاستغراب عن البحث في الماضي عن حلول للمستقبل
نقلا عن موقع إيلاف الإليكتروني