ثم تحدث عنه الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة وقال : كتب أمل دنقل أخر قصائده وهو على فراش المرض وصدر الديوان بعد وفاته بعنوان ” أوراق الغرفة رقم 8 “وبين فيه قدرته على مجابهة الآلام والأحداث ، وأول مرة قابلته فيها سمعت منه “كلمات سبارتكوس الأخيرة” كنا فى مقر رابطة الشعراء ولمحت فى وجوه الحاضرين الإعجاب الشديد بدنقل ،وكانت هذه الفترة هى موسم الهجرة من الجنوب حيث جاء الابنودى ويحيى الطاهر عبد الله وعبد الرحيم منصور وجاء أمل دنقل الذى لفت الانظار بقامته وصوته وقد عانى أمل معاناة شديدة ،وتابع أبو سنة :كانت تلك المرحلة قاتمة ديمقراطيا من ناحية التعبير عن الرأي وانتقل أمل إلى الإسكندرية ثم إلى السويس ،وقابلته عندما عاد ولن أنسى هذا اللقاء الذى أسمعني فيه قصيدة من قصائدى “حين فقدتك” ،واشتبكنا كثيرا وحضر الكثير من هذه الاشتباكات الأديب نجيب محفوظ وطلب بعض الأصدقاء إجراء استفتاء بيننا وفاز أمل ب5 أصوات وحصلت أنا على 4 ، وفى دار الأدباء بعد نكسة 67 قرأ علينا لأول مرة “البكاء بين يدى زرقاء اليمامة” وكان أمل بحسه الفطرى يعرف أن افضل إعلاما يمكن أن تصل به إلى الآخرين هو الإعلام المباشر ،وصدر ديوانه الأول فى 1969 وكان أمل دنقل واضحا فى شعره وجريئا فى مواجهاته.
وبدأ محمد سليمان كلامه قائلا : قابلت مساجين سياسيين فى سجن طره وفوجئت بأنهم يحفظون قصائد لأمل دنقل ، مثل “لا تصالح” و“الكعكة الحجرية ، موضحًا إذا أمعنا النظر سنجد أن الكعكة الحجرية عندما نقرأها الآن نستحضر كل ما يحدث فى ميدان التحرير،وأضاف : استفدت كثيرا منه وهو لم يكن شرسا كما يشاع فقد أراني كيف يعيد الكتابة وكيف يحذف ويختصر وبسبب أمل تراجعت عن إصدار ديوانى الأول لأني تشككت فى كل قصائدى واكتشفت أنى يجب أن أعيد النظر فيها مرة أخرى ، وأضاف سليمان : كان التراث هو المحور الأساسى لتجربة أمل دنقل استفاد من سيرة الزير سالم ،كما يعتبر مجتمع المقهى فى مركز تجربة أمل دنقل ،وشعره ملئ بجماليات الإيقاع خاصة فى قصائده السياسية ، وكذلك نجد في قصائده الحس الإنسانى مثل “الكعكة الحجرية” ،وكان يهتم بالإلقاء وجمالياته ،ودائما يوجد فى الحركة الشعرية شعراء نستطيع أن نحذف شعرهم دون أن يختل المشهد الشعرى وهناك فى المقابل شعراء لا نستطيع حتى لو تحاملنا عليهم أن نزحزحهم وأمل من هذا النوع الأخير.
وتحدث د.حسين حمودة وفى البداية تسائل ما سر احتياجنا المتجدد لشعر أمل دنقل ؟ وأجاب : هناك ملمحا واضحا فى شعر أمل دنقل يتمثل فى مجموعة من المزاوجات الأولى مزاوجة بين التراث القديم وبين التجريب المعاصر فتنوع شعره تنوعا كبيرا وكان منه ما هو موصول بالتراث الغربى مثل “كلمات سبارتكوس الأخيرة” ،وفى مقابل هذا الطرف كان الطريق الثانى الذى اهتم به أمل وهو التجريب والتقنيات التى تشبه المونتاج والشكل الجديد ” القصيدة الدائرية” ، أما المزاوجة الثانية بين الوقائع المرجعية والقضايا الأبدية فقد جمع بين الاهتمام بوقائع مرهونة بسياق زمنى معين ومحدد ويظهر ذلك واضحا فى قصائد ما بعد نكسة 1967 “تعليق على ما حدث” و“أغنية الكعكة الحجرية” و“لا تصالح” ،وعلى الطرف الثانى نجد شعره يتأسس على قضايا أبدية مجاوزة فى كل زمان ومكان مثل الحب والكرامة الإنسانية مثل قصائد “البكاء بين يدى زرقاء اليمامة” و “أوراق الغرفة رقم 8 “ ، والمزاوجة الثالثة بين المشهد البصرى وبين الصوت الغنائى فقصائده على بساطتها حافلة بمشاهد بصرية خالصة تحول فيها لعين لاقطة وراصدة ،كما حفل شعر أمل دنقل بصوت غنائى مشبع بأحكام قيمة وبوح وتأمل وحدة وغضب لانه فى عالم حافل بأشكال متعددة ،أما المزاوجة الرابعة انه جمع بين الشاعر السياسى والشاعر الجمالى ، شعر أمل دنقل من هذه الوجهة اجتهاد خاص ،قام فى قطاع كبير منه على تجسيد جمالي واتسع لوجود الجهود الإنسانية .
وحكى السماح عبد الله فى حكاية طريفة كيف ذهب لزيارة أمل دنقل ورؤيته أثناء مرضه وعندما وجده أمامه لم يجرؤ على مواجهته وتظاهر بأنه يبحث عن شخص آخر ،وعندما استضافه الشاعر فاروق شوشة فى برنامجه التلفزيونى “أمسية ثقافية” قرأ قصيدة كتبها من وحى رؤيته لامل دنقل بعنوان “هل تعرفنى” ، وقال السماح : كتبت فى هذه القصيدة كل ما لم يحدث فى الزيارة الحقيقية، فعرفته بنفسى وبشعرى وأقمت معه جسور الكلام، ذلك الذى تكسر على حافة فمى فادعيت أننى أخطأت الغرفة.
==
س.س
19 يونيه 2011