أثناء زيارته لدمشق يوم 16 مارس الجاري صرح الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي ## أن الجامعة العربية لن تنفذ قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير##, واضاف ## أن قطر رفضت كذلك طلبا موجها إليها باعتقال البشير أثناء قمة الدوحة.##
لا أعرف باسم من يتحدث السيد عمرو موسي؟, هل باسمه الشخصي أم باسم الدول الأعضاء؟ , هل تمت مناقشة التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بالبشير بين الدول الأعضاء؟ وهل ستطرح مسألة هذا التعاون علي قمة الدوحة؟ وماذا عن التعاون مع المحكمة فيما يترتب علي إصرار البشير علي معاداة المحكمة والمجتمع الدولي؟, وماذا عن التعاون مع مجلس الأمن فيما يتعلق بملف البشير؟.
من المعروف أن كلا من محكمة الحريري ومحاكمة البشير جاءت بقرارات من مجلس الأمن الدولي وفقا للفصل السابع من الميثاق,بمعني أنها قرارات ملزمة لكل أعضاء الأمم المتحدة, وأن محاكمة البشير ستعود إلي مجلس الأمن مرة أخري كما قال المدعي العام للمحكمة إذا رفض البشير التعاون مع المحكمة وتسليم نفسه,ووقتها سيكون لمجلس الأمن سلطة التعامل مع قضية البشير وفقا لما يراه مناسبا لوقف هذه المأساة, خاصة بعد تمادي البشير في رد الفعل العنيف بطرد 16 من المنظمات الإنسانية العاملة في دارفور وتهديده بطرد جميع المنظمات الباقية بما يهدد حياة أكثر من 2 مليون شخص تتولي هذه المنظمات رعايتهم, ولهذا حذرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون البشير بأنه يتحمل المسئولية عن أي قتيل يقع نتيجة طرد هذه المنظمات, واصفة الوضع بعد طرد هذه المنظمات بالمروع, فطرد المنظمات سيسبب شقاء ومعاناة هائلين للنازحين, علي حد قولها.
تصريحات عمرو موسي غير مطمئنة وتذكرنا بمواقفه الأخري من الرئيس صدام والتي رفع فيها نغمة العنتريات الكلامية ورفض طلب الشيخ زايد من الجامعة بتبني طلب تنحية صدام عن الحكم, وانتهي الأمر كما هو معلوم للجميع بالنسبة لصدام وبالنسبة للعراق,وتصريحات عمرو موسي ترفع سقف العند لدي النظام السوداني وترفع سقف توقعات الشارع العربي تجاه مثل هذه القضايا , وعادة ما تنتهي بكارثة.
كل التوقعات تشير إلي أن ملف البشير عائد إلي مجلس الأمن قريبا, وكما قالت المحكمة بأنها سترسله في يونيه القادم , وبعودة الملف إلي مجلس الأمن, الذي كلف المحكمة بالتحقيق فيه عام 2005,سوف نكون إزاء قضية تتعلق بمهام مجلس الأمن, ومن ثم ينتفي الكلام عن الدول المصدقة علي المحكمة والدول غير المصدقة, بعودة القضية لمجلس الأمن سيكون علي الدول أعضاء مجلس الأمن الالتزام بما سيصدر عنه من قرارات بشأن هذا الملف.
من حق المحكمة أن تطلب من مجلس الأمن المساعدة في تنفيذ قرارها, ومن سلطة مجلس الأمن أن يطلب من الدول التي سيزورها البشير أو الدول التي سيمر بطائرته في أجوائها أن تعتقله, بل ومن حق مجلس الأمن أن يطلب من إحدي الدول الكبري المساهمة في اعتقاله من الجو أو يطلب ذلك من حلف شمال الأطلسي, ولا يعد ذلك قرصنة كما يقول البعض, بل هو إجراء قانوني وشرعي يتماشي مع القانون الدولي وسلطة مجلس الأمن .
المنطق الذي يتحدث به عمرو موسي وخلفه الكثيرون في المنطقة العربية عن فقدانهم الثقة في العدالة, الدولية هو منطق عجيب, من يفقد الثقة في العدالة أهل دارفور أم العرب؟, منذ عام 2003 وأهالي دارفور يتعرضون لابشع الجرائم ضد الإنسانية من قتل واغتصاب وتهجير وسلب ونهب ويحدث ذلك بطريقة يومية ممنهجة وبشكل مروع, ومن حق أهل دارفور أن يفقدوا الثقة في المجتمع الدولي الذي تركهم كل هذه السنين في أسوأ وضع إنساني , ومن حقهم أن يشتكوا من تأخر العدالة وبطئها, ومن حقهم أن يعتريهم اليأس من تأخر وصول دموعهم وصراخهم ونحيبهم إلي المجتمع الدولي,أما العرب يشتكون ويتأففون من تحقيق العدالة عندما تقترب من السفاحين, وعلي حد تعبير الاديب النيجيري وول سونيكا, الحائز علي جائزة نوبل في الآداب: من يكون البشير أمام من اغتصبهن من النساء؟!
نعود إلي السؤال: هل ستمتنع الدول العربية عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتوقعة بفرض عقوبات تدريجية علي السودان كما حدث من قبل مع نظام صدام حسين؟.
في تقديري أن تصريحات عمرو موسي لا تعبر عن الدول الأعضاء في الجامعة العربية, بل هي تصريحات استهلاكية أو ضاغطة علي الدول الاعضاء لحثهم علي التعاون مع البشير ومساعدته في الإفلات من العقاب,وفي تصوري أن الكثير من الدول لن تعادي المجتمع الدولي من أجل عيون عمرو موسي, ولنا في التجارب السابقة خير دليل, فلم يقف أحد مع صدام حسين طوال فترة حصاره حتي رحيله, ولم يتحدث أحد ولو تليفونيا مع ياسر عرفات طوال فترة حبسه الإجباري في مقر الرئاسة في رام الله حتي وفاته,ولن تضحي الدول العربية التي تتمتع برؤية واقعية وعاقلة , وهي تعلم خطورة ما يترتب علي صدامها مع المجتمع الدولي, من أجل رئيس متهم هارب من العدالة.
أما موقف البشير في الداخل السوداني فهو أكثر صعوبة وخطورة, فرغم قسم العسكريين علي الولاء للبشير حتي الموت, إلا أن البشير نفسه يعلم أن هذه الأمور كاذبة وخادعة, وهو نفسه قد حنث بقسمه لحكومة الصادق المهدي وحنث بقسمه لشريكه في الحكم حسن الترابي, وتاريخ العسكريين في السودان وغير السودان هو تاريخ ملئ بالغدر والانقلابات والحنث بالقسم.
ولكن ماذا لو افترضنا أمرا خياليا بأن العرب امتنعوا مجتمعين عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن , وامتنعوا عن التعامل مع الشرعية الدولية, بل وتمادوا في العناد وقرروا الانسحاب من كافة المنظمات الدولية.
هنا سوف ندخل في مرحلة أخري سماها عبد المنعم سعيد ## الحجر علي العرب##, وهو حجر بدأ بالفعل في أمور كثيرة….. ولن يخسر المجتمع الدولي شئ من الحجر علي العرب, بل علي العكس سيتخلص من مصدر دائم للمشاكل والمنازعات والحروب وتصدير الإرهاب.. والخاسر سيكون المواطن العربي المسالم الذي يحلم بالتعاون الإيجابي مع العالم.
[email protected]