عزز حزب العدالة والتنمية التركي – علي الصعيد الداخلي – العقلية الإسلامية التي تتبني مفهوم ##نحن المسلمون## في صراع مع ##الآخرين الأشرار##, عن طريق وسائل الإعلام ومن خلال نشر آراء حماس في جميع أنحاء تركيا, سواء كان ذلك بواسطة الزيارات الرسمية التي يقوم بها ممثلو حماس إلي تركيا أو بعقد المؤتمرات وجمع التبرعات التي يدعمها حزب العدالة والتنمية.
وترتبط التغيرات الأخيرة المتعلقة بملكية وسائل الإعلام في تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية, ارتباطا وثيقا بانتشار المشاعر المعادية للغرب في البلاد. فتركيا دولة تتمتع بإعلام حر, لكن استقلال وسائل الإعلام في تركيا يتعرض للتهديد بصورة متزايدة.
ولا تزال وسائل الإعلام التركية حرة (أي أن الإنتاج الصحفي قانوني); بينما, يحاول حزب العدالة والتنمية قمع حريات وسائل الإعلام عن طريق نقل ملكية الإعلام من خلال ثغرات قانونية. وقد كان هذا هو الحال في ديسمبر 2005 عندما استولي الحزب علي مجموعة صباح أي. تي. في الإعلامية التي تمثل حوالي 20% من سوق الإعلام التركية, حيث تم بيع هذه المجموعة لشركة إعلامية يشغل فيها بيرات البيراك, زوج ابنة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان, منصب الرئيس التنفيذي.
وقد ##حكم## حزب العدالة والتنمية بغرامة ضريبية تقدر بنحو 3.2 مليارات دولار علي مجموعة دوغان ياين الإعلامية التي تملك ما يقرب من 50% من وسائل الإعلام التركية. إن هذه الغرامة المفرطة التي تفوق صافي القيمة الإجمالية لمجموعة دوغان هي غرامة سياسية, لأن منافذ دوغان الإخبارية تعزز وجهات النظر العلمانية والليبرالية والقومية التي غالبا ما تنتقد حزب العدالة والتنمية.
ولا تقتصر قضية نقل ملكية الإعلام التركي علي فئة معينة, لأنها تؤثر علي مستقبل الديموقراطية التركية ولها أيضا تأثير علي وجهات النظر التركية تجاه العالم.
وعندما لا تكون هناك وسائل إعلام مستقلة كما هو الحال في روسيا, فببساطة, لا تكون هناك معارضة حيوية للحكومة. وحينما تمر تركيا بتشنج سياسي, يحذر المحللون من انهيار الديموقراطية في تركيا. ورغم ذلك, نجت تركيا من أزمات متعددة في الماضي بفضل قوة التوازن التي تتمتع بها ركيزتها الرابعة.
وفي الوقت الذي يتمتع فيه الإعلام التركي بحرية أقل, يوجد احتمال أكبر بأنه سيصبح أداة للحكومة تجسد بواسطتها الرأي العام المعادي للغرب. إن ما هو سيئ بالنسبة للأتراك الليبراليين العلمانيين هو أيضا سيئ للغرب. وتحتاج وسائل الإعلام الحرة في تركيا إلي أن تبقي حرة لأنه لو كانت جميعها مملوكة للدولة أو لمؤسسات وشركات تجارية موالية لـحزب العدالة والتنمية, ستنتشر وجهات النظر المعادية للغرب وإسرائيل عن طريق وسائل الإعلام وهو ما نشهده منذ عام .2002
ويعد أحد المسلسلات التي عرضت مؤخرا من علي شاشات مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية##(تي. آر. تي.)## الممولة من قبل القطاع العام خير مثال علي ذلك. وقد جاء أول ظهور للمسلسلة ##آيريليك## (أو ##الانفصال##) في أعقاب قيام تركيا بإلغاء مشاركة إسرائيل في مناورات ##نسر الأناضول## الجوية. كما قامت شبكة ##تي. آر. تي.## التي تم تعيين رئيسها من قبل حزب العدالة والتنمية ويتم تمويلها بالكامل من قبل دافعي الضرائب الأتراك بعرض برنامج ##آيريليك##, وهو مسلسل يعبر عن مواقف مناهضة لإسرائيل, بما في ذلك حلقة تصور موقفا متخيلا يحدث في الأراضي الفلسطينية, يظهر فيه رضيع فلسطيني يتم قتله عمدا من قبل جنود إسرائيليين.
,والسؤال هو] كيف ينظر الشباب التركي الذين هم في الثامنة عشرة من عمرهم إلي إسرائيل؟ إنهم يكرهونها, ويشعرون بذلك بسبب الصور المعروضة في مسلسلات مثل ##آيريليك##. فهذه هي الصور التي يشاهدونها علي مدي السنوات السبع الأخيرة, وهذه هي الصور التي سيستمرون في مشاهدتها. ومن المرجح أن يكون الآن ,المواطن] التركي الذي بلغ سن الرشد في ظل حكم حزب العدالة والتنمية أكثر ميلا لكره إسرائيل والغرب بعد سبع سنوات من عرض دعاية من هذا القبيل. وخلافا للأتراك الذين هم الآن في الأربعينيات من عمرهم أو من هم أكبر سنا ممن وصلوا إلي النضج السياسي في فترة زمنية كانت فيها تركيا تختلف عما هي عليه الآن, فإن الشباب التركي الأصغر سنا الذين هم في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم, لديهم آراء أكثر تطرفا وسلبية عن الغرب بسبب ما يرونه في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة, وكذلك الإعلام الذي تملكه مؤسسات وشركات تجارية موالية للحكومة.
…. من خلال المؤتمرات
في الوقت الذي يروج فيه الإعلام – الذي تسيطر عليه الحكومة – صورة سيئة عن الإسرائيليين, تبني مؤتمرات حماس الدولية في تركيا شرعية لحركة حماس والأتباع الآخرين لـحركة الإخوان المسلمين في العالم. وقبل وصول حزب العدالة والتنمية إلي السلطة, لم تستضف تركيا أي مؤتمر لـحماس. والآن تجعل مثل هذه المؤتمرات أجندة حماس والإخوان المسلمين سهلة الوصول إلي الأتراك بصورة أكثر من السابق, مما يجعل صراع حماس العنيف ضد إسرائيل جزءا من النقاش السياسي اليومي في تركيا.
لقد انعقدت خلال السنوات الثلاث الماضية وحدها, سبع مؤتمرات وحملات لجمع التبرعات لصالح حماس في أسطنبول. وقد عقد أول هذه المؤتمرات في يوليو 2006 وحضره الشيخ يوسف القرضاوي, أحد الزعماء الروحيين لـجماعة الإخوان المسلمين المصرية, وكان عنوان المؤتمر: ##المسلمون في أوروبا##. وقد تم تمويل زيارة القرضاوي من قبل وزارة الخارجية البريطانية. وخلال المؤتمر, تحدث ممثلو حماس وجماعة الإخوان المسلمين عن المسلمين في أوربا, وبذلك طرحوا للأتراك والمسلمين الأوروبيين آراء حركة حماس وأيديولوجيتها.
وتزداد قائمة اللقاءات التي انعقدت في تركيا, حيث شملت مؤتمرات أخري لحركة حماس والإخوان المسلمين, من بينها مؤتمر عقد في نوفمبر 2007 بعنوان: ##يوم القدس## شاركت في تنظيمه المؤسسة التركية للمنظمات التطوعية – منظمة غير حكومية قريبة من حزب العدالة والتنمية – واتحاد المنظمات غير الحكومية في العالم الإسلامي. وقد دعا ذلك المؤتمر إلي: ##تحرير القدس من الصهاينة عن طريق الجهاد##.
وقد أعقب ذلك اللقاء انعقاد مؤتمرات أخري في فبراير 2009, وأبريل 2009, ومايو 2009, ويوليو .2009 ومما يثير للاهتمام هو تزايد وتيرة هذه المؤتمرات بصورة مطردة, حيث عقدت أربعة اجتماعات من هذا القبيل في عام 2009 وحده.
وعلاوة علي ذلك, بدأت هذه الاجتماعات تتبني أجندة قائمة علي العنف. فعلي سبيل المثال, خلال مؤتمر عقد في فبراير 2009, دعا أعضاء حماس [إلي القيام بأعمال] الجهاد التي تركز علي غزة. وكان اجتماع أبريل 2009 بعنوان: ##ندوة المسجد الأقصي##; وقد دعا إلي ##تحرير المسجد الأقصي##, وقام بتنظيمه منتدي أسطنبول للسلام الذي يضم عددا من المنظمات غير الحكومية القريبة من حزب العدالة والتنمية. وقد دعت تلك الندوة جميع المسلمين إلي تحرير ##مسجد الأقصي## عن طريق العنف إذا لزم الأمر, وادعت أيضا أن لدي إسرائيل خططا لهدمه. وأما ##مؤتمر نصرة فلسطين## الذي عقد في مايو 2009, فقد دعا إلي ##مقاومة مستمرة لتحرير فلسطين##. وكان الرئيس السوداني السابق المشير سوار الذهب, ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي, وممثل حماس والمتحدث [الرسمي] باسم الحركة في لبنان أسامة حمدان, من بين المشاركين في ذلك المؤتمر. وفي كلمته في ذلك الاجتماع, قال النائب عن حزب العدالة والتنمية زيد أصلان إن إسرائيل :##ترتكب إبادة جماعية في فلسطين##.
ومن جهة أخري, في يوليو 2009, نظم مركز شركاء الأرض للحوار ##مؤتمر البيئة## بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة, ومدينة أسطنبول, وجامعة الفاتح في أسطنبول. وقد شارك القرضاوي في ذلك المؤتمر الذي اختتم أعماله بالإعلان عن خطة عمل لسبع سنوات حول التغير المناخي. وقد عمل المؤتمر أيضا كمنصة لجلب حماس وأعضاء الإخوان المسلمين إلي أسطنبول.
ويتم تنظيم هذه المؤتمرات من قبل منظمات غير حكومية قريبة من حكومة حزب العدالة والتنمية. وعلي الرغم من أنها تبدو كمبادرات يقوم بها المجتمع المدني, تعقد هذه الاجتماعات في قاعات مدينة أسطنبول أو مراكز مؤتمرات تابعة للحكومة البلدية التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية, والتي تعني أساسا أن أموال دافعي الضرائب تساعد في تمويل هذه اللقاءات.
سونر جاجابتاي زميل ومدير برنامج الأبحاث التركية.
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني