تعد قضية الإجهاض إحدي القضايا التي يثار حولها حالة من الخلاف والجدل الشديدين في المجتمع الأمريكي. ويبدو هذا الخلاف وذلك الجدل واضحين في كافة المستويات سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية. ودائما ما تحتل هذه القضية مكانة مهمة في الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونجرس أو عند إجراء الترشيحات للمحكمة العليا.
وانطلاقا من ذلك يسعي التقرير التالي إلي إلقاء الضوء علي رؤية الأمريكيين لتلك القضية من خلال تحليل نتائج استطلاعات الرأي التي تناولت قضية الإجهاض مؤخرا وذلك في محاولة للوقوف علي ملامح تلك الرؤية وأبعادها المختلفة.
تأييد أم رفض
يؤيد قطاع كبير من الأمريكيين حق الإجهاض. فقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجري بواسطة FOX News/Opinion Dynamics Poll في23و24 أكتوبر 2007 أن 48% ممن شاركوا في الاستطلاع يؤيدون الإجهاض, بينما يعارضه 37%, في حين كان 8% من فئة الـBoth/Mix وأخيرا كان هناك 7% غير متأكدين.
وبالرغم من هذا التأييد الواضح للإجهاض فإن هناك اعتقادا بأن إتاحة حق الإجهاض يعد شيئا ”خاطئا”. ففي الاستطلاع الذي أجري بواسطة CNN/Opinion Research Corporation Poll في 12-14 أكتوبر 2007 تم توجيه سؤال للمشاركين مفاده ”بغض النظر عن سواء إذا ما كنت تعتقد أنه ينبغي أن يكون الإجهاض مسموحا به أم لا, هل تؤمن شخصيا بأن الإجهاض شيء خاطئ؟”. أجاب 60% من المستطلع أراؤهم بـ ”نعم” , بينما أجاب 36% منهم بـ ”لا”, في حين أعرب 4% عن عدم تأكدهم.
ومن ثم يمكن القول إن تأييد قطاع كبير من الأمريكيين لحق الإجهاض لا يرجع إلي هذا الحق في حد ذاته, وإنما إلي كونه أداة أو وسيلة لمعالجة مشكلة ما (كما سيتضح فيما بعد). ويمكن التدليل علي ذلك بموقف الشعب الأمريكي من الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في عام 1973 فيما يعرف بقرار ”روو ضد ويد” . فقد أقرت المحكمة العليا بأن أي محكمة سواء فيدرالية أو محكمة الولاية تمنع النساء من إجراء عمليات الإجهاض خلال الثلاثة أشهر الأولي من الحمل فإنها تخرق بذلك الحقوق الدستورية التي تكفل للمرأة الأمريكية حقها في الخصوصية, بعبارة أخري يباح للمرأة ممارسة حقها في الإجهاض خلال الثلاثة أشهر الأولي من الحمل.
في هذا الصدد, وحسب استطلاع للرأي أجراه The Harris Poll في الفترة من 16-23 أكتوبر 2007, وافق 56% من المشاركين في الاستطلاع علي قرار المحكمة, في حين عارضه 40%, وأشار 4% إلي أنهم غير متأكدين. وفي سؤال جاء لاستطلاع أجرته Gallup Poll من 10 إلي 13 مايو 2007 حول ما إذا كنت ترغب في أن تري المحكمة العليا تنقلب علي هذا القرار؟. أجاب 53% بـ ”لا” , و 35% بـ”نعم”, و12% بـ ” غير متأكد”.
مدي قانونية حق الإجهاض
لا يعني تأييد حق الإجهاض لدي الشعب الأمريكي الموافقة عليه بصورة مطلقة. فتشير استطلاعات الرأي إلي أن القطاع الأكبر من الأمريكيين يؤيد الإجهاض في ظروف معينة وليس في كل الأحوال. وحسب استطلاع للرأي أجرته ABC News/Washington Post Poll في الفترة من 9-12 يناير 2008 اعتبر 21% من المشاركين أن الإجهاض ”قانوني في كل الحالات”, بينما رأي 36% بأنه ”قانوني في أغلب الحالات”, ولكن في المقابل أشار 25% أنه ”غير قانوني في أغلب الحالات”, في حين اعتبر 15% أنه ”غير قانوني في كل الحالات”.
في هذا الصدد أيضا يمكن الإشارة إلي أن القطاع الأكبر من الشعب الأمريكي يعتبر أنواع معينة من الإجهاض غير قانونية مثل إجهاض ”الفترة الأخيرة” (Late-Term) أو إجهاض الولادة الجزئي (Partial Birth). ففي استطلاع للرأي أجراه كل من Pew Research Center for the People & the Press and Pew Forum on Religion & Public Life survey, في الفترة من 1-18 أغسطس 2007 أجاب 57% من المشاركين بأن هذه الأنواع ”غير قانونية”, بينما أجاب 17% فقط بأنها ”قانونية”, في حين عبر 8% عن عدم تأكدهم.
كما أظهرت نتائج استطلاع أجراه ABC Newsو Washington Post Poll في الفترة من 18-21 يوليو 2007 عن موافقة 55% علي تقييد إتحادي أصدرته المحكمة العليا علي إجهاض الولادة الجزئي مانعة هذا الإجراء إلا إذا كانت صحة الأم في خطر,وفي المقابل رفض 43% هذا التقييد, وأشار 2% إلي عدم تأكدهم.
حالات اللجوء إلي الإجهاض
تري نسبة كبيرة من الأمريكيين أنه يمكن إجراء الإجهاض في ”بعض الحالات” فقط. وهو ما أكدته نتائج استطلاع للرأي أجراه The Harris Poll في الفترة من 16-23 أكتوبر .2007 ففي معرض الرد علي سؤال مفاده: ”عموما, هل توافق علي السماح للمرأة أن تقوم بالإجهاض في كل الظروف أم في بعض الظروف أم حتي لو لم تكن هناك أي ظروف؟” قال 52% ممن شاركوا في الاستطلاع إنهم يوافقون في ”بعض” الظروف. ووافق 25% في ”كل” الظروف بينما وافق 20% حتي في ظل عدم وجود أي ظروف. وهو الأمر الذي يعني أن القطاع الأكبر من الشعب الأمريكي يؤيد حق الإجهاض في ”بعض” الحالات.
وتتمثل الحالات أو الظروف التي يمكن السماح فيها بالإجهاض في الاختطاف, وسفاح الأقارب, وإنقاذ حياة المرأة, وحالة إذا ما قرر الطبيب والمرأة ذلك. وتختلف الأوزان النسبية لكل حالة من هذه الحالات. وهو ما أظهرته استطلاعات الرأي التي أجريت حول هذا الأمر, ويمكن الإشارة إلي المثالين التاليين:-
- أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته CBS News Poll في الفترة من 12-16 أكتوبر 2007 موافقة 34% من المشاركين في الاستطلاع علي أن يسمح بالإجهاض في حالات الاغتصاب وسفاح الأقارب وإنقاذ حياة المرأة. وموافقة 26% علي أن يسمح به في كل الحالات. كما عبر 16% عن تأييدهم للإجهاض مع وجود قيود أشد, كذلك وافق 16% عليه فقط في حالة إنقاذ حياة المرأة. في حين رفض 4% فقط السماح بالإجهاض وعبر 4% عن عدم تأكدهم.
- في استطلاع أجراه NBC News/Wall Street Journal Poll في الفترة من 20-23 أبريل 2007 اعتبر 55% من المشاركين في الاستطلاع أن الإجهاض ينبغي أن يترك أمره لكل من الطبيب والمرأة. وقال 30% إن الإجهاض ينبغي أن يسمح به فقط في حالات الاغتصاب وسفاح الأقارب أو في حالة ما إذا كانت صحة المرأة في خطر. وأشار 13% إلي أن الإجهاض دائما غير قانوني. وأخير قال 2% إنهم غير متأكدين.
مواجهة تزايد عدد حالات الإجهاض
في إطار التعامل مع قضية الإجهاض وتزايد حدتها أظهرت استطلاعات الرأي أن هناك مجموعة من الأدوات التي يمكن اللجوء إليها وهي, تحديد النسل (Birth control) لدي المراهقات, ونشر الثقافة الجنسية, والتأكيد علي القيم الأخلاقية والامتناع عن الملذات, بالإضافة إلي جعل القوانين القائمة أكثر صرامة.
وقد أظهر استطلاع للرأي أجري بواسطة Associated Press-Ipsos poll في الفترة من 23-25 أكتوبر 2007 أن 62% من المشاركين يعتقدون أن تحديد النسل لدي المراهقات من شأنه أن ”يقلل” من عدد الحوامل بينهن, بينما قال 22% إنه ”لن يكون هناك تأثير” لذلك.وأشار 12% أن ذلك الإجراء سيزيد عدد حالات الحمل بين المراهقات. في حين عبر 3% عن عدم تأكدهم.
وفي سؤال في الاستطلاع ذاته حول أفضل الطرق لتقليل عدد الحوامل بين المراهقات جاء تعليم الجنس وتحديد النسل في المرتبة الأولي بنسبة 51%. وجاء التأكيد علي الأخلاقيات والامتناع عن الملذات في المرتبة الثانية بنسبة 46%. وأشار 3% إلي أنهم غير متأكدين.
تأثير قضية الإجهاض علي التصويت في الانتخابات
تعتبر قضية الإجهاض إحدي القضايا الرئيسية التي دائما ما تأتي علي أجندة المرشحين في الانتخابات الرئاسية- بجميع مراحلها- والتشريعية, وذلك بالنظر إلي أهميتها في المجتمع الأمريكي الذي يسعي إلي وضع حلول مناسبة لهذه القضية.
وفي إطار الانتخابات التمهيدية الجارية استعدادا لانتخابات الرئاسة التي كانت تضم ما يقرب من سبعة عشر مرشحا. من بينهم تسعة مرشحين يؤيدون الإجهاض وثمانية مرشحين يعارضونه. ويحرص كل مرشح علي بيان موقفه بوضوح في إطار حملته الانتخابية. لكن ما تأثير هذه القضية علي السلوك التصويتي للمواطن الأمريكي؟.
أظهرت استطلاعات الرأي التي تناولت هذه العلاقة أنه غالبا ما لا يكون هناك تأثير كبير لتلك القضية علي قرار المواطن التصويتي حتي في حالة حدوث اختلاف بين المواطن والمرشح حول الموقف من الإجهاض. ويمكن التأكيد علي طبيعة هذه الفرضية من خلال الإشارة إلي الاستطلاعين التاليين:-
2- في استطلاع للرأي أجري بواسطة Quinnipiac University Poll في الفترة من 25 أبريل إلي 1 مايو 2005 جاء السؤال التالي : ”لو أنك اتفقت مع مرشح رئاسي في قضايا أخري, لكن حدث اختلاف حول قضية الإجهاض.فهل تعتقد أنه يمكنك أن تستمر في التصويت لهذا المرشح أم لا؟”.وقد أجاب 69% من المشاركين بأنه يمكنهم ذلك, بينما قال 22% إنه لا يمكنهم التصويت لذلك المرشح, وأشار 9% إلي عدم تأكدهم.
- في استطلاع للرأي أجري بواسطة Gallup Poll في الفترة من 10-13 مايو 2007 قال 59% ممن شاركوا في الاستطلاع إنهم يعتبرون موقف المرشح من قضية الإجهاض مجرد عامل واحد من مجموعة عوامل مهمة أخري, وأكد 23% أنهم لا يرون الإجهاض كقضية رئيسية. في حين ذكر 16% فقط أنهم سيصوتون للمرشح الذي يشاركهم الرأي حول قضية الإجهاض, وأشار 3% إلي عدم تأكدهم. وهو الأمر الذي يعني أن القطاع الأكبر من الأمريكيين لا يربط بين قضية الإجهاض وسلوكه التصويتي حتي لو كان هناك اختلاف بين وجهة نظر الناخب وبين وجهة نظر المرشح.
تقرير واشنطن